بقلم: د. نجيب جبرائيل
لعل المتتبِع لسياسة الحكومة في تعاملها مع الأقباط يُعلَن له تساؤلات عدة أهمها أن الأقباط لهم مطالب وهم شريحة ليست بقليلة من شرائح المجتمع وأيضاً هم مواطنون وليسو غرباء أو دخلاء كما أنهم ليسو جالية من الجاليات، وعلى ذلك فإن تعامل الدولة مع هذه الشريحة التي تمثل ما يقارب أكثر من ستة عشرة في المئة من سكان مصر فإنها ما زالت تُعامل مثلما يتعامل الطبيب مع المريض أو الكبير مع الصغير أو صاحب المؤسسة مع العامل، وكأن لسان حال الأقباط يقول أن عليهم أن يتقبلوا ما تجود به الحكومة من مِنَح أو حتى تلك المِنَح كُتب عليهم أن تكون على جرعات، وتعالوا نستعرض معاً لنؤكد تلك الحقائق.
فالأقباط كأي طائفة من طوائف المجتمع يعانون من تجاوزات وصل الحال بهم في بعض اللأحيان إلى الإضطهاد وأحياناً أخرى إلى حد النسيان، ومما يعتبر حقوقاً لدى الأغلبية في كثير من أنظمة البلاد وقوانينها تظل القرارات الإستثناية التي تحكم علاقة الأقباط بالدولة، فلم تعرف بلداً في العالم أن حُرم مواطنيها من حقهم في بناء دور عبادتهم طبقاً لقوانين الدولة إلا مسيحيو مصر، فمازال الأمر في يد الحاكم الأعلى ومازال الفرمان السلطاني يتحكم في مصائر ملايين المسيحيين في بناء دور عبادتهم بل وصل الأمر إلى التحكم في حياتهم العادية وحسابهم لمجرد الشبهات، فكم من الوقائع التي تعرض لها الأقباط وخاصة في قرى مصر كان يريد مواطن بسيط تعلية مسكنه الريفي أو بناء شقة متواضعة لزواج ابنه أو ابنته فسرعان ما يتم تحويط منزله برجال الأمن ويرفض الترخيص له بالبناء أو التعلية بحجة أن هذا المواطن ينوي بناء كنيسة، كما لو كانت الكنيسة من الموبقات ولديّ وقائع خطيرة في قرى محافظة منيا القمح والشرقية والمنوفية وتحت يدي المستندات التي تدل على قهر الأقباط في تلك القرى.
ونرى الأجهزة المحلية ترمي على الأجهزة الأمنية والأخيرة ترمي على الأولي وهكذا ضاع الحق في بلد يقولون فيه بسيادة القانون.
وتعالوا نعود إلى حيث بدأنا و نقول أن مسلسل نسيان الأقباط أو تهميشهم مازال مستمراً، بل هو السائد الرائد في التعامل مع هذه الشريحة من شرائح المجتمع، فهل تعلم أن آخر جرعة وآخر هبه من المِنَح والتي حصل عليها الأقباط كانت في عام ٢٠٠٤ حين عدّل رئيس الجمهورية عن اختصاصه بترميم و تدعيم الكنائس وأعطى هذا الإختصاص للمحافظين مع استمرار إختصاصه كرئيس جمهورية بالترخيص ببناء أي كنيسة جديدة، بالإضافة إلى إعتبار يوم ٧ يناير عيداً رسمياً في البلاد، وما عدا ذلك فمسلسل ضرب كنائس الأقباط والإعتداء على دور العبادة مازال مسلسلاً يحميه تقاعس الدولة عن إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، مازالت تلك الشريحة التي يزداد عددها عن خمسة عشر مليون تعيش على هامش المواطنة وأنغامها التي يتشدق بها النظام والتي جاءت التعديلات الدستورية الأخيرة خالية من مضمونها حتى الآن، أيضاً لم تجرؤ الدولة على تعيين رئيس جامعة قبطي ضمن أكثر من ثلاثة وعشرون جامعة تابعة للدولة.
لقد تحدث الحزب الحاكم عن كوتة للمرأة و تمثيلها تمثيلاً مناسباً في مجلسي الشعب والشورى بما لا يقل عن عدد إثنين مقعد كل محافظة بخلاف مقاعد المستقلين والأحزاب، أي من المنتظر أن لا يقل تمثيل المرأة في مجلس الشعب القادم عن ستين مقعد للمرأة ولم يتحدث مؤتمر الحزب الحاكم عن تمثيل مناسب للأقباط.
لقد قامت الدولة بتبرير قوانين المرور والبيئة والطيور الجارحة دون أن تقدم قانون بناء دور العبادة حتى للمناقشة، قد اهتمت الدولة بقانون الطفل وتم إصداره دون أن تهتم بإصدار قانون يقضي على التمييز في الوظائف وشغل الأماكن الهامة والتفرقة بين المواطنين بسبب الإنتماء الديني ووضع عقوبات مشددة على ذلك.
مازالت الدولة قاصرة وقاعدة عن القضاء على الثقافة المتشددة والأصولية التي اخترقت التعليم والمحليات فرأينا من يؤسلم التعليم منهجاً ونظاماً، رأينا من يؤسلم شوارع وميادين العاصمة دون اكتراث بتاريخ وتراث مصر وأن حضارة مصر لا تقوم إلا بجناحين أحدهما الحضارة والثقافة القبطية، وحتى الفن والسينما المصرية حينما أرادت أن تقدم الأقباط راحت تبحث عن دراما متعرضة للأقباط في صميم عقائدهم وهو عقائد الصوم والزواج ومصرّة على أن يكون النموذج الأوحد للوحدة الوطنية هو زواج بطلة الفيلم المسيحية والبطل المسلم ولكن دون العكس تماماً الذي ترفضه ولا تجرؤ على عمله.
ولكن ربما نأتي إلى الجزء قبل الأخير من هذا المقال وهو ما قصدناه وهو أن التهميش أصبح عبارة مؤدبة لكن الحقيقة أن الأقباط لم يعودوا يشغلون ذهن الدولة، لكن هل نسيانهم من قبل النظام الحاكم يجيء عن قصد أو دون قصد أم لمجرد إحداث نوع من التوازن في المجتمع؟ أم أن هناك تخوف من التمديد الإخواني المنتشر بكثافة فكراً وثقافة وعملياً في التجارة والبيع والشراء ومن ثم فإن الدولة وبكل تأكيد تعمل حساباً لكل ذلك؟، أم لأن الأقباط قد عُرف عنهم الطيبة والمسالمة وأنهم يفسرون آية من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر تفسيراً ضيقاً أم كما يكون المثل أخذ غداء اتعشى العشاء أم لأنهم ليسو من متخصصي الإضراب والتجمهر أم أن النسيان جاء لتلك العوامل جميعاً أم أن عدم وجودهم في ذهن الدولة على الأقل في هذه الفترة الحرجة؟.
إنه كلما كان هناك شهر عسل بين الكنيسة والدولة ضاعت حقوق الأقباط وهذا ما رأيناه إبان خروج الأقباط بالملايين طائعين للكنيسة مؤيدين ترشيح مبارك فترة الرئاسة الحالية، ولكن أرجو ألا يُفهم كلامي على أنه تحريض للأقباط أو للإقلاع عن سكونهم وسكينتهم.
نحن نخشى وبحق ألا يكون ذهن الحكومة مشغولاً بحقوق الأقباط ومشاكلهم، وكذلك نخشى بالأكثر إذا كانت تلك المشكلات تُناقش على هامش الأجندة من المتخصصين أو المسئولين وأيضا نخشى أن تكون مناسبة مناقشات قضايا الأقباط عند حدوث أحداث جسام.
هل يقبل المسلمون أن تتعلق مصائرهم وأحوالهم المدنية والإجتماعية لا هم متزوجون ولا عازبون ولا هم طلبة جامعات أو مجرد حاصلين على الثانوية العامة لأكثر من أربع سنوات وهو الحادث الآن في قضايا حرية الأقباط العائدين إلى ديانتهم المسيحية والتي لم يُفصل فيها حتى الآن بحجة أن أحد المحامين المسلمين طعن في نص أحد المواد واعتبرهم مرتدين، و لا ندري إلى أين يتجه مزاج الدولة حتى نستطيع أن نعمل علي اعتداله.
الأقباط يدركون تماماً أن الإرادة السياسية إن أرادت شيئاً أو أمرت يكون فسوف يكون الأمر ولا أحد يستطيع اعتراضه، هل تتذكرون قانون الكادر الخاص بالمعلمين صدر في شهر يولية قبل الماضي وحال غياب دور الإنعقاد التشريعي بمجلس الشعب وصدر بقرار جمهوري.
ألم يستطع رئيس الجمهورية أن يصدر قرار له قوة القانون ببناء دور العبادة الموحد، ولكن ليعلم الكل أن الأقباط ومن مفهوم المواطنة لهم النفس الطويل ولن يتناسوا أن لهم حقوقاً مثل الأشقاء المسلمين بل لهم الرجاء الذي لا ينقطع والسلام الذي يملأ كل قلب. و من له أذنان للسمع فليسمع.
د. نجيب جبرائيل
رئيس منظمة الإتحاد المصري لحقوق الإنسان Nag_ilco@hotmail.com
NAGILCO@GMAIL.COM
|