CET 13:13:09 - 09/06/2009

مساحة رأي

بقلم: صبحي فؤاد
منذ قرابة 3500 عام تقريبًا وقف النبي موسى أمام فرعون مصر وطلب منه أن يطلق سراح شعب إسرائيل ويدعهم يرحلون عن أرضها، ولكن فرعون رفض بشدة وازداد قلبه قسوة لدرجة أنه أمر بتشغيلهم لساعات أكثر واستنزاف طاقاتهم وجهودهم عقابًا لهم.
ورغم المعجزات التي صُنعت أمام عيون فرعون وأعوانه والتي قام بها موسى لإقناعه بأنه أمر إلهى وجعله يكف عن عناده وإصراره ويقوم بإطلاق شعب إسرائيل من الذل والعبودية التي كانوا يعيشون فيها، إلا أن فرعون لم يتنازل عن كبرياءه المعهود وغطرسته بل ازداد عنادًا أكثر حتى بعد موت كل بكر على أرض مصر وموت ابنه الوحيد والدماء التي سالت وغطت كل بقعة على أرض مصر.
وحتى عندما رأينا فرعون يستجيب لطلب موسى ويسمح لشعب إسرائيل بالرحيل لم يكن خالص النية أو صادقًا في كلمته وأمينًا في وعده، بدليل أنه أسرع بقيادة جيشه وراح يتعقبهم في سيناء لإبادتهم وقتلهم جميعًا، ولكن كان الرب مع موسى وشعبه فلم يسمح أن يمسهم شر أو مكروه وعبر بهم إلى بر الأمان والسلام، وقام بمعاقبة فرعون بإغراق جيشه في مياة البحر الأحمر أمام عينيه تأديبًا وعقابًا له، والمدهش في الأمر أنه بعد كل المصائب والخراب والكوراث التي حلت على مصر وشعبها بسبب عناد وقسوة قلب هذا الفرعون وعدم تواضعه أدرك أخيرًا أن إله موسى النبي إلهًا حقًا قادرًا على صنع المعجزات رغم أنه كان في مقدورة بقليل من الإتضاع والحكمة إدراك هذه الحقيقة مبكرًا لكي يجنب شعب مصر النكبات والمصائب التي حلت عليهم.

واليوم وبعد كل هذه الألوف من السنين الطويلة إذا التفتنا حولنا فسوف نجد شرقًا وغربًا أكثر من فرعون لا يقلون فى حماقتهم وطغيانهم وظلمهم واستبدادهم لشعوبهم عن فرعون العهد القديم.. فراعنة لا هم لهم سوى الإنفراد بالسلطة واتخاذ القرارات المصيرية بدون مشورة أو استشارة.. فراعنة ينهبون في السر والعلن ثروات بلادهم واحتكار خيراتها لأنفسهم وأقاربهم والمحظوظين المقربين إليهم.. وفراعنة آخرين متعهم الوحيدة في الحياة هي إذلال شعوبهم وإهدار كرامتهم واستعبادهم وتحويل أوطانهم إلى سجون ومعتقلات كبيرة تمتلأ بكل من تسولهم أنفسهم على المعارضة أو عدم الإنحناء والخضوع تمامًا لإرادة فرعون.
ومثلما تسبب عناد فرعون في العهد القديم في جلب الخراب والدمار والكوراث الواحدة تلو الأخرى والموت لشعب مصر، نجد أيضًا فراعنة العهد الجديد يفعلون نفس الشيء وأكثر ويقومون بتكرار نفس الأخطاء بعناد وإصرار عجيب اليوم بعد اليوم دون أن يتعظوا أو يتعلموا من تجارب من سبقوهم في الماضي وبدون أن يفكروا ولو للحظة واحدة في مصير شعوبهم.
لقد رفض فرعون مصر في الزمن القديم نصائح مساعديه بإطلاق سراح شعب إسرائيل والسماح لهم بالرحيل لكى يجنبوا بلدهم وشعب مصر المزيد من الخراب والعقاب الإلهي بعد أن رأوا بأعينهم معجزات موسى.. واليوم لا يرفض فرعون العصر الحديث النصيحة أو المشورة فحسب وإنما لا يسمح بوجود أحد من مساعديه أو مستشاريه أو الأفراد المحيطين به، إلا إذا كانوا منافقين كبار يهتفون بحياته في كل المناسبات ويتميزون عن غيرهم بالطاعة العمياء، لا رأي لهم أو صوت على الإطلاق وإنما ينفذون الأوامر والتعليمات التي تصدر إليهم بلا تردد أو تفكير في النتائج أو العواقب

وسؤالي هنا: إلى متى تستمر بعض شعوب العالم ونحن في القرن الواحد والعشرين في الرضوخ لإرادة ومشيئة فرعون والاستسلام لجبروته وبطشه وطغيانه وعناده؟؟ إلى متى يستمر التاريخ يعيد نفسه دون أن يتعلم البشر ويتعظون؟؟ وهل من نهاية لصبر هذه الشعوب على تحمل ظلم فرعون لهم والبطش بهم والتلذذ بتجويعهم وإفقارهم وجلب المصائب والمعاناة لهم وقتل أحلامهم وتطلعاتهم وآمالهم وطموحاتهم المشروعة في حياة ومستقبل أفضل؟؟

صبحى فؤاد
أستراليا
sobhy@iprimus.com.au

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق