CET 00:00:00 - 10/06/2009

مساحة رأي

بقلم: صبرى فوزى جوهره
جاء التعقيب المنقول اسفل هذه السطور من قارىء يعرف ذاته بصفة المتابع المحايد, على مقالى الاخير" المعنون أنطباعات العبد لله عن خطاب أوباما". يقول التعليق:
متابع محايد
 
"رغم احترامي وتقديري لحقوق الاقباط وضرورة عدم التمييز ضدهم وهذا حق أصيل لهم الا أن الدكتور صبري يبدو انه قد استمع الي خطاب آخر موضوعه ( اضطهاد اقباط مصر ) ..: وليس خطاب الرئيس أوباما الذي سمعناه جميعا !! ."  انتهى تعليق سيادته.
و فى محاولة لانقاذ ما يمن انقاذه من فلوس الضرائب التى ساهمت بها فى نفقات رحلة الرئيس اوباما لالقاء الخطاب اياه, اجد ان واجبى الوطنى يتطلب توضيح  بعض اللفتات التى قد تخفى عن البعض فى مصر نظرا لقلة المعرفة باساليب الفرنجة حتى من كان منهم اسمر اللون.
 
يا استاذ محايد:
لست اعلم بقدر ممارستك التعامل مع الغربيين, لذلك دعنى افترض- مع الاعتذار المسبق ان كنت قد اخطأت- ان معرفتك باساليبهم فى الحديث تنحصر فى محيط ضيق ام لم يكن منعدما تماما. لذلك ارجو ان يتسع صدرك لبعض شروحاتى فى هذا الامر يعد ان  قضيت جل سننين حياتى بين جوانبهم فاصبحت على بعض العلم بأفكارهم و طرقهم فى الحديث و التعبير. 
فعلى النقيض مما اعتدتم عليه فى الشرق الاوسط, لا يلجأ الغربيون فى احاديثهم الى الزعيق و "النبرزة"  مهما كانت خطورة ما يقولون بل يكتفون بالقول المقتضب الواضح و بصوت خفيض مفترضين ان حديثهم موجه لاناس مهذبين اذكياء يعقلون و يتفهمون ما يقال بيسر وسهولة. بل ان ارتفاع النبرة و تكرار ذات الكلمات فى الحديث فى المجتمعات المتحضرة  يؤخذ كدليل على سوء اخلاق المتحدث و تعمده اهانة المستمع.

وقد القى الرئيس اوباما  خطابه فى جامعة القاهرة بهدف تحسين العلاقات بين بلاده و المسلمين كافة و فعل ذلك بما اعتاد عليه من اسلوب مهذب يحرص على عدم التجريح او التحدى او التذكرة بواقعكم الاليم الا فى اضيق الحدود. و بصرف النظر عن سلوكه المتحضر, فمن المنطق السليم ان نستنتج ان الضرب فوق نافوخكم  لم يكن سيحقق هدف هذه الزياره بل سيزيد الطينة بله. جاء الرجل ليمنحكم بعض الثقة بالنفس رغما عن احوالكم المزرية ربماكان ذلك ليس حبا فيكم بقدر ما كان اتقاء لشروركم التى الحقت ببلاده و سائر شعوب العالم الكثير من الضرر.اتبع الرئيس اسلوب المخاطبة الراقى المتحضر و بلباقة نادرة حتى عندما اقتضى الامر ان يذكركم بانكم غارقين فى الاوحال. لم يشأ ان يقذفكم بالدبش لتفيقوا من غيبوبتكم بل عمد الى اللين و اللطف.

تحدث الرئيس اوباما بالتحديد عن اقليتين عدديتين فى الشرق الاوسط البائس هما الموارنة و الاقباط و ذلك رغم  تعدد الاقليات الاخرى داخل مصر و خارجها. و افترض عندما توجه اليكم بان "اللبيب بالاشارة يفهم" و لكن ظهر لنا الان ما كان يجب ان نتحاشاه, فقد أخطأ الرئيس عنما ظن انكم  من ذوى الالباب تستجيبون للحديث المهذب اللين. لم يكن يتوقع انكم عايزين حد يمشيكم زى الغنم و يديكم على دماغكم - فهذا هو الاسلوب الوحيد الذى اعتدتم عليه منذ قرون.
يبدو يا استاذ محايد انك لم تأبه بالاستماع الى كلمات الرجل عن الاقباط اوانك اسقطتها من ذاكرتك  ربما لعامل نفسى حجب عنك سماع  ما لا يستسيغه عقلك الواعى او الباطن. فأن كان هذا هو الامر لتحتتم عليك, ان اردت ان تتحدث بذكاء و امانه عما قالعن الاقباط, ان تعيد السمع و تتفهم ما اشار اليه اوباما فى هذا الامر. لم يقل انكم "بتدلعوهم" كما يدعى المراؤن منكم فيا ترى لماذا كان ذكرهم على الاطلاق؟

على اى حال سنحاول ان نحيط الرئيس اوباما بتعقيبكم الكريم و فربما يبدل من اسلوبه الرقيق فى خطابه القادم و يلجاء فى كلماته  الى ما تحسنون فهمه. عندئذ سيقول اوباما:
"شوفوا بقى يا اولاد ال...يا متأخرين, انتم فى الحضيض و لازم تفهموا كدا و تشوفوا حل لمصايبكم اللى سببها الدروشة و الهوسة و الاعتقاد المذهل المضحك بانكم احسن الكل فى حين ان احوالكم و اخلاقكم و معاملاتكم حتى مع بعض اصبحت مضرب الامثال فى العنف و الغش و الخداع و التهليب و سوء النية و الخيبة التقيلة و الفشل فى كل حاجة تحاولوا تعملوها.

صلحوا اموركم يا بجم و الا حتفضلوا متمرمغين فى الوحل. و سيبوا الناس فى حالها تعبد اللى عايزاه لان ربنا ما عينكمش محامين للدفاع عنه. اتلهوا على عينكم و نضفوا امخاخكم و قلوبكم و تصرفاتكم و ما تبقوش سبب رعب وارهاب لباقى خلق الله. انتم مش حمل تقفوا ضد العالم علشان كدا اتهببوا و اسمعوا اللى باقوله و الا حيبقى ذنبكم على جنبكم و نهاركم مش فايت".
 أنتهى الحديث القادم للرئيس اوباما.

عندئذ ستدركون ما اراد الرئيس الامريكى ان يقول لكم.  و ارجوكم ان تعذروه لانه ضيع وقتكم الثمين و كلمكم كلام ما فهمتوهوش. ما كانش يقدر يقولها بالطريقة اللى تفهموها من اول مرة لانه راجل مهذب و متربى.

كلمة اخيره اوجهها الي سيادتك يا استاذ "محايد" وهى رجاء حار الا تصف ذاتك بهذه الصفة الرفيعة حتى و ان شبه لك ذلك. فالادعاء بتقديرك لحقوق الاقباط, و ان أخلص ام كان من باب التقية, لا يعنى و لا يكفى مطلقا ان يدعى الحياد. فالطريق الى معرفة و ممارسة الحياد شاق و مكلف يتطلب الحصول بامانة على كافة الحقائق ثم القدرة على الحكم السليم بعقل راجح غير موتوراو ملوث بضوضاء اعتقادات فاسدة مسبقة تتولد دائما عن "ايمان" (وهو اعتقاد بما لا ترى و ليس بما تقودك اليه التجربة الصلبة) بافكار كثيرا ما تكون خاطئه و ذات ارتباطات عاطفية و غسيل مخية, ثم تأتى بعد ذلك الشجاعة فى اعلان الحق و نصرته, فما فائدة حكم يبقى فى طى الكتمان؟ هكذا يكون الحياد يا مولانا.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٢١ تعليق