بقلم: ماجد سمير
يبدو واضحًا وبمنتهى البساطة لأي شخص يتأمل في وضع المجتمع المصري تغلغل ثقافة الميكروباص بداخلنا وباتت كل الأفكار تمامًا تتسق مع فكرة الميكروباص المنطلق بلا أي خطة أو هدف سوى تحميل الركاب أو "الجنيه" الماشي على رجليه، فالراكب في عرف سائق الميكروباص وتابعه لا يمثل سوى قيمة الأجرة التي سيتم تحصيلها منه، ويا حبذا لو لم يطالب الراكب بالباقي ولهف السائق المبلغ كله.
والميكروباص في مصر لا يخضع لقانون المرور ويسير في الطريق بلا رابط أو ضابط ولا حتى ضابط إيقاع على أقل تقدير، ولا يخضع إلا لقانون "الجهجاجوني" والعافية واللي مش عاجبه يشرب من البحر، وإذا كان من علية القوم عليه أن يستخدم "شاليموه عند الشرب من البحر".
وأصبحت أساليب التعايش في مصر لا تفرق كثيرًا عن الميكروباص، فإذا اختلفت مع أي شخص فالقوة والسطوة والنفوذ هم فقط الحكم في الإختلاف بصرف النظر عن صاحب الحق، تمامًا مثل ما يحدث عند اختلافك مع سائق الميكروباص أو تابعه سيكون مصيرك تكملة المشوار سيرًا على الأقدام بعد فاصل من العزف المنفرد والمشترك يحمل الكثير من السباب واللعن لأهلك واللي جابوك، ولا يوجد أدنى أمل لأخذ حقك إلا إذا كان لك علاقة من يعيد أو قريب مع وزارة الداخلية.
ويوجد في مصر مع الأسف كم كبير من الأحكام القضائية النهائية التي لم تنفذ فقط لأن المحكوم ضدهم يملكون سطوة تتمكن وقف التنفيذ، والسطوة من الممكن أن تكون مجرد مخبر في تنفيذ الأحكام، وتتحول الأحكام النهائية إلى مجرد أوراق لا تساوي حتى ثمن الحبر المكتوب عليها، واحترام الأحكام القضائية في أي دولة يبرز مدى احترام الدولة لمواطنيها، وكما أشار الزميل الأستاذ "حلمي النم النم" في مقال نشرته المصري اليوم منذ نحو عام إلى أن الأحكام القضائية التي لم تنفذ وصلت إلى أرقام فلكية لا يمكن تصورها، وهنا يتحول القانون الذي يحكم الدولة إلى قانون "ساكسونيا"، وتتحول الدولة إلى مجرد موقف ميكروباص الجميع "نازل المحطة اللي جاية" بعد دفع الأجرة بالطبع.
والإعلام بكل أنواعه مقروء أو مسموع أو مرئي حكومي كان أو حزبي أو مستقل مدان تمامًا على توحش ثقافة الميكروباص في المجتمع، فكما ظهر للميكروباصات سلالات جديدة منها على سبيل الذكر لا الحصر "السلعوة" وهي وسيلة مواصلات منتشرة في المناطق العشوائية وكما أن حيوان "السلعوة" تهجين بين الكلب والذئب فالسيارة السلعوة تهجين بين عدة أنواع مختلفة من السيارات فالرفرف "تويوتا" والأبواب "سوزوكي" والعجل "مازدا" أما الموتور غالبًا يكون مستخرج من غسالة إيديال أو مروحة سقف ناشونال، "السلعوة" تخدم قطاع كبير من البشر يعيش على هامش الحياة، والإعلام يشكل أذهانهم طبقًا لنظرية سوق على مهلك ترجع سليم لأهلك، بما يخدم أهداف أقل ما توصف أنها ضد مصلحة المواطن.
وتستمر الحياة في مصر تحكمها ثقافة الميكروباص والسلعوة، مناهج تعليم في الماضي كنا نقول أنها جعلت الشعب حافظ مش فاهم، والآن بعد تطوريها طبقًا لوزيرها المفوض لتعمير عقول الطلاب المصريين أصبح الطلبة "لا حافظين ولا فاهمين"، وإعلام تحولت البرامج الهادفة القليلة فيه إلى برامج حوارية لا تختلف أبدًا عن سعلوة الموصلات أو برامج صراع الديوك مجرد خناقة بين ضيفين تتسم أحدايثهما بعصبية شديدة وصوت عالي وجز على الأسنان بلا أي جدوى للإثارة فقط، برامج تندرج تحت مسمى نوعية برامج أحدث سلالات الميكورباص المعرفة عالميًا باسم "التوك توك شو". |