CET 12:33:12 - 12/06/2009

مساحة رأي

بقلم: مجدي ملاك
تزييف التاريخ ليس بالمصطلح الجديد على مسامع القراء، فمنذ قديم الأزل وهناك محاولات من وقت لآخر من أجل تزييف أو تشويه التاريخ وبالطبع هناك أهداف بعضها مُعلن وبعضها غير مُعلن تسوقها الجهات التي ترغب في تزييف التاريخ، وخاصة إذا تعلق ذلك التزييف بأمر يخص الأقباط فستكون له مبررات لا حصر لها، ولما لا فالدولة تعتبرهم الجزء الأضعف الذي يمكن التغلب عليه في أي وقت وفي أي مكان، وهذا ماحدث مؤخرًا من خلال قرار الدكتور ممدوح مرعي وزير العدل بتغيير اسم قرية دير وادي حنس إلى وادى النعناع، وفي الحقيقة وبالرغم من محاولات البعض تبرير ذلك بأنه كان خطأ غير مقصود إلا أنني لا يمكن أن أتعاطف مع هذا الاحتمال والسبب بالطبع أن هذا الاستهداف من قبل جهات رسمية لعدد من الرموز التي تخص المسيحيين ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، بل على العكس فقد كانت هذه المضايقات من قبل تأتي في الأغلب من متطرفين ولكن حين تأتي هذه المضايقات من الحكومة فهنا يبدو أن الحكومة أرادت لنفسها أن تقوم بدور المتطرف نيابة عن المتطرفين أنفسهم، وهنا تكمن المشكلة والخطر، فإذا كنا نستقبل تطرف المتطرفين نتيجة غياب وعيهم وجهلهم فكيف إذا سنستقبل تطرف الحكومة وتحيزيها غير المبرر.

عدم التدقيق واللعب على وتر الخطأ غير المقصود لا يوجد له سوى مدلول واحد أن الدولة تتعمد أن تثير الأقباط في عدد من الأمور لتنتظر رد فعلهم، وحينما يكون رد الفعل قوي تتحجج الدولة بأن ذلك كان خطأ غير مقصود، وأنا هنا لا أستطيع أن أفهم سيكولوجية المسئولين فيما يتعلق باستفزاز الأقباط من وقت لآخر، فما هي المصلحة التي تجنيها الحكومة من وراء هذا غير زيادة الفجوة بينها وبين المواطنين المصريين من الأقباط؟، وكما قال أحد الحكماء أنه من الغباء أن تشارك في زيادة آلام من هم يحتاجون للمدواة، هل يعتقد المسئولين أن محو الهوية القبطية سيتم بتغيير اسم واحد من أقدم القرى في محافظة المنيا، أم أن الدولة تستجيب لرغبات المتطرفين داخل تلك المحافظة المعروف أنها معقل الجماعات الإسلامية، حيث لم يمر يوم طوال فترة التسعينات دون أن تكون هناك عملية إرهابية داخل تلك المحافظة التي تركها المسئولين للتطرف والمتطرفين.
ولكن هذا الحادث يجب أن ننظر له نحن الأقباط بمنظور إيجابي يدفعنا إلى ضرورة توثيق التراث القبطي في كل محافظة وكل شارع في مصر، فذلك أمر ضروري وإذا كانت الدولة تعتبر التراث القبطي ليس جزء من الهوية المصرية، فنحن يجب علينا أن نهتم بتراثنا الذي هو جزء من الهوية المصرية، ذلك لأن التجاهل التام من قبل توثيق ذلك التراث سيستمر من قبل المسئولين طالما ظل الأقباط بعيدين عن كل مراكز التأثير في صانع القرار، فالكل هذه الأيام أصبح كل مترابط، فلا يمكن أن ننكر العلاقة الوثيقة بين تهميش الأقباط على المستوى السياسي وبين محاولات طمس تراثه الثقافي وهويته، فأنت حين تُهمش سياسيًا ولا يكون لك قدرة على التأثير في القرارات التي يتم اتخاذها من قبل المسئولين من السهل أن تكون هناك محاولات تعمل على القضاء على تراثك ومن ثم هويتك الثقافية.

الإصرار على زيادة الفجوة والصراع بين الأقباط والدولة أمر لا يصب في صالح أي منهما، فالفجوة موجودة منذ زمن بعيد، وغياب الثقة متوافر بشدة، ومن ثم فالمطلوب لا العمل على زيادة تلك الفجوة بل محاولة ترميمها بالشكل الذي يُمكن أن يعيد الثقة بين الأقباط والدولة، فهناك ميراث من عدم الثقة بين كل من الطرفين نتيجة التصرفات التي تسلكها الدولة في كثير من الأحيان في الأمور التي تخص الأقباط، سواء كانت تلك الأمور تتعلق بتصرفات الدولة في بناء الكنائس والمعاناة التي يشهدها الأقباط في سبيل ذلك أو تعلقت تلك المعاناة بإستباحة كل ما هو قبطي سواء كانت رموز أو مقدسات قبطية تشهد كل يوم تجاوزات من قبل المسئولين.

إذا كان العالم الإسلامي يتشوق لخطاب جديد من رئيس أكبر دولة في العالم في تعامل الولايات المتحدة مع العالم العربي والإسلامي، فالأقباط أيضًا في أمسّ الحاجة لخطاب جديد من المسئولين في مصر إلى الأقباط داخل مصر، هذا الخطاب الذي يجب أن يشمل على أفعال ليس أقوال كما طالب العالم الإسلامي من أوباما، فالأفعال هي التي تؤكد الانطباع بحسن النوايا، أما مجرد الحديث عن أمور لا نراها في الواقع المعاش فهو تعبير عن أزمة القول وغياب القدرة على الفعل وهو ما يزيد الأمر سوءًا، لأنه إذا كانت 8 سنوات من حكم الرئيس الأمريكي جورج بوش جعلت العالم الإسلامي يشعر بالغبن وعدم الارتياح نتيجة ممارسات الإدارة السابقة، فماذا إذًا يفعل الأقباط الذين تحمّلوا كل هذا الغبن طوال التاريخ الماضي.
المقاربة بين ما يحتاجه العالم الإسلامي من الولايات المتحدة وما يحتاجه الأقباط من المسئولين في مصر ربما يعتقد البعض أنها بعيدة إلى حد ما، ولكن الرسالة في مضمونها واحدة وهي أننا نريد أفعال لا أقوال حتى نستطيع أن ندرك أن هناك تغيير على أرض الواقع يسمح بمزيد من التعاون والبناء والمشاركة الفعالة من جانب الأقباط، وبناء الثقة بعيدًا محاولات تزييف التاريخ.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق