يهدد القضاة في مصر بالتصعيد في حالة استمرار تغاضي الحكومة والمجلس العسكري عن النظر في إصدار تعديل قانون السلطة القضائية في أسرع وقت ممكن، لتفادي تكرار تلك الهجمة التي تعرضوا لها في أعقاب بعض الأحكام الصادرة بحق رجال النظام المنحل.
وقفة سابقة للقضاة
منذ مطلع الثمانينيات، يناضل القضاة في مصر، من أجل نيل استقلالهم عن السلطة التنفيذية، لكن لم يستجاب لهم، حيث كان نظام الرئيس السابق حسني مبارك يصر على أن يكون القضاة في قبضته، حتى يستخدمهم في التنكيل بالمعارضين أو تزوير الإنتخابات النيابية أو النقابية أو الاستفتاءات الرئاسية، لكن الأزمة وصلت إلى ذروتها في العام 2005، عندما تظاهر القضاة واعتصموا أمام ناديهم بوسط القاهرة، للمطالبة بمنحهم الاستقلال فتعرضوا للضرب والاعتقال على أيدي ضباط جهاز مباحث أمن الدولة المنحل.
وها هي الأزمة تطل برأسها من جديد، في أعقاب الهجمة التي تعرض لها القضاة بعد صدور أحكام بالبراءة بحق بعض رموز النظام السابق في تهم تتعلق بالفساد، وصدور قرارات بالإفراج عن ضباط متهمين بقتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير.
ويهدد القضاة بالتصعيد في حالة استمرار تغاضي الحكومة والمجلس العسكري عن النظر في إصدار تعديل قانون السلطة القضائية في أسرع وقت ممكن، لتفادي تكرار تلك الهجمة، معلنين رفضهم أن يكونوا طرفاً في الصراع السياسي، حتى لا تهتز ثقة الشعب المصري في قضائه. مؤكدين أنه لا يصح أن يستمر نضال القضاة من أجل الحصول على الإستقلال لأكثر من ثلاثين عاماً خلال حكم مبارك، ويستمر النضال أيضاً بعد نجاح الثورة في الإطاحة به.
تعديل قانون السلطة القضائية
يقول المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة لـ"إيلاف"، إن نادى القضاة تبنى تعديلا على قانون السلطة القضائية منذ ما يزيد عن 7 سنوات، وقدمه إلى وزير العدل، وتضمن أهم مطالب جموع القضاة، ثم تم تقديمه مرة أخرى إلى وزير العدل الحالي المستشار محمد عبد العزير الجندى فور تولية منصبه، مشيراً إلى أن الوزير تضامن مع القضاة في مطالبهم بتعديل قانون السلطة القضائية، وأضاف الزند أن مشروع القانون يدرس بمجلس الوزراء حالياً تمهيداً لعرضه على المجلس العسكري قريباً جدًا، لإصدار مرسوم بقانون بالموافقة على القانون الجديد.
ولفت الزند إلى أن نادي القضاة طالب بضرورة تواجد ممثل للنادى لمناقشة تعديلات مجلس الوزراء قبل اقرار القانون، حتى لا تحدث تعديلات لا يرتضيها القضاة فتعود الازمة من جديد، مشدداً على أن النادي على ثقة بان المجلس العسكرى سوف يراعي مطالب القضاة.
وكشف الزند أن التعديلات المقترحة تهدف إلى تحقيق الإستقلال التام للقضاة بعيداً سلطة الدولة وعدم التدخل فى الشأن الداخلي لهم. وأوضح أن غالبية التعديلات تركزت على إلغاء سلطات وزارة العدل على القضاة والنيابة ونقلها إلى مجلس القضاء الأعلى، ومن بينها إلغاء تبعية التفتيش القضائي لوزارة العدل، وأن تكون من سلطات المجلس الأعلى للقضاء، وأيضًا تضمنت إنشاء ما يسمى بالشرطة القضائية لحماية المحاكم والقاضي فوق المنصة.
نظام مبارك رفض إستقلال القضاء
ويشير المستشار محمود مكي نائب محكمة النقض الأسبق إلى أن المطالبة باستقلال السلطة القضائية بدأت في مطلع الثمانينيات عندما عقد القضاة مؤتمراً، وقدموا مشروع قانون بتعديل قانون السلطة القضائية الحالي، وأضاف أن هذا القانون يطلق يد الدولة في عمل القضاة من خلال السلطات الواسعة لوزير العدل في الهيمنة على القضاة والتدخل في أعمالهم إلى أن جاءت الانتفاضة الكبرى للقضاء عام 2006، وحدثت وقفات إحتجاجية، بسبب مشاركة قضاة في تزوير انتخابات البرلمان 2005.
التعديلات باتت حاجة ملحة بعد الثورة
وتابع: "للعلم هذه الوقفة هي البداية الحقيقية للثورة الشعب والخروج على نظام مبارك وكان تم التصعيد عدة مرات، وكان من الممكن أن تنطلق ثورة 25 يناير في هذا العام، إلا أن الدولة استطاعت من خلال أذنابها تفكيك جبهة القضاة الموحدة، من خلال عمل جبهات مختلفة في الآراء، فكان الفشل، وأثناء هذه الأحداث قدمنا مشروع قانون السلطة القضائية، ولكن وزير العدل ماطل في تقديمه للبرلمان، بحجة انه تحت الدراسة، فالنظام البائد كان يحقق أهداف عديدة من وراء استمرار العمل بالقانون الحالي، أهمها السيطرة على القضاة، وضرب المعارضة، وضمان عدم الثورة عليه، ولكن خاب وخسر، حيث انطلقت الثورة، وأطاحت به".
وأوضح مكي أن التعديلات المطلوبة، تتضمن إلزام وزير العدل بتنفيذ كافة الأحكام القضائية النهائية وأن تنص على احترام أحكام القضاء صراحة، وضمان تنفيذها، وتجريم الامتناع عن تنفيذ الأحكام النهاية بجعلها جناية عقوبتها السجن والعزل للمسؤول والوزير إذا كان هو العائق.
قانون تأخر كثيراً
وناشد مكي المجلس العسكري سرعة إصدار مرسوم بالقانون الجديد، لأن هذه الخطوة تأخرت وكان يفترض اتخاذها عقب نجاح ثورة 25 يناير مباشرة، ولو حدث ذلك لما شاهدنا الأزمة الحالية بفقدان الثقة بين الشعب والقضاة بعد أحكام البراءة الأخيرة، فكان يفترض استقلال القضاة أولا، طالما ننادى بمحاكمات عادلة للرموز الفساد.
مستبعدا نهائياً استفادة للمجلس العسكري من وجود القانون الحالي، مثلما كان يحدث في عهد نظام مبارك الذي أدخل القضاء في سلسلة من الريبة والشبهات، ورفض مكي الدعوة لإلغاء وزارة العدل لأن هناك جهات تحتاج لوجوده وإشرافه مثل الشهر العقاري والإداريين بالمحاكم أما داخل محراب الجلسات فليس من سلطاته.
لا تنازل عنه
وفقاً للمستشار هشام جنينة رئيس محكمة استئناف القاهرة، وعضو ائتلاف استقلال القضاة، فإن القضاة لن يتنازلوا هذه المرة عن صدور تعديل قانون ت السلطة القضائية حسب رؤية القضاة، وأضاف لـ"إيلاف": "طالبنا بضرورة عرض القانون على الجمعية العمومية للموافقة الجماعية عليه، فالقضاة لن يسكتوا على حقوقهم بعد اليوم، لاسيما في ظل حالة التشكيك من جانب الرأي العام في الأحكام القضائية، والذي تسبب فيه النظام السابق، الذي كان يستفيد من سيطرة وزير العدل على القضاة بتزوير الانتخابات البرلمانية".
وتابع: "ومن هذا المنطلق فإن ائتلاف استقلال القضاة طالب أن تكون سلطة تعيين رؤساء المحاكم الابتدائية لمجلس القضاء الأعلى، وأن يراعي في ذلك مبدأ الأقدمية المطلقة، وأن يختار مجلس القضاء الأعلى النائب العام، وأن يحلف اليمين أمامه، وكذلك تعديل طريقة انتداب القضاة للجهات المعاونة والرقابية لتصبح بالاختيار من المجلس الأعلى للقضاة".
وشدد جنينة على ضرورة نقل التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى، بعد أن تحولت إلى عصا فى يد الوزير، من لا يعجبه من القضاة أو لا ينفذ ما يطلب منه يحوله بجرة قلم إلى لجنة الصلاحية، ويتم وقفه عن العمل ثم فصله نهائياً، وهناك العديد من الحالات التي تعرضت لهذا الظلم. |