CET 22:04:30 - 15/06/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
حرص الآباء الأولون الذين جاءوا من أوروبا ليستوطنوا في العالم الجديد هربًا من الإضطهاد الديني عند تأسيس وطنهم الجديد على أن يكون هو المكان الذى يضمن الحريات الدينية لجميع المواطنين، لذلك فإن النظام الأمريكي قد تبنى من البداية مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة لضمان عدم سيطرة رجال الدين على الحكم.
هذا معناه أن النظام الأمريكي لا يفرض على المواطنين عقيدة بالذات، ولكن ليس معنى هذا أن النظام الأمريكي يعادي الدين أو يحاربه أو يدعو إلى الإلحاد أو يروجه.

وكان هذا واضحًا في الدستور الأمريكي الذي تم إقراره سنة ۱٧٨٧ ثم أضيف إليه بعد ذلك عدة إضافات أهمها إعلان الحقوق Bill of Rights وتشتمل على عشرة مواد أولها المادة الأولى الشهيرة التي تتناول الحريات بجميع أنواعها وعلى رأسها الحرية الدينية وتنص:
Congress shall make no law respecting an establishment of religion or prohibiting the free exercise thereof.
وترجمتها: الكونجرس (البرلمان) الأمريكي لا يضع القوانين لتأسيس الدين أو لمنع الممارسة الحرة له.

ومع أن هذه المادة الأولى قد جاءت لتؤكد حرية المواطن في ممارسة الدين أو عدم ممارسته له فإن الأساس الذي بنيت عليه أمريكا من البداية هي مبادىء وقيم مستقاة من الكتاب المقدس فيما عرف بالقيم اليهودية المسيحية. Judeo-Christian values والآباء الذين فصلوا الكنيسة عن الدولة لم يفصلوا الله عن الدولة، بل في كل مناسبة كانوا يقررون أن الله هو المصدر الأعلى لحقوق الإنسان، وهناك العديد من الأقوال التي تؤيد هذا المفهوم والتي تنسب إلى الآباء الأولين أمثال توماس جيفرسون وجورج واشنطن وجون آدمز وإبراهام لنكولن وغيرهم.

ولكن يبدو أن هذا الأساس الذي يحكم قيم وأخلاقيات النظام الأمريكي حكومة وشعبًا قد أصبح موضع مراجعة في الآونة الأخيرة من قبل عناصر تتبنى ممارسات تشكك في هذه المبادئ الراسخة التى سارت عليها أمريكا من البداية، أمثلة لهذا التفريط في مبدأ قدسية الحياة (بقبول الإجهاض) وقدسية الزواج (بتقنين المثلية وقبول مبدأ الزواج بين النوع الواحد) والمطالبة باستبعاد الله من المدارس والجامعات والأماكن العامة، والصراع الضروس القائم بين الغالبية التي تطالب بالتمسك بالقيم القديمة وبين الأقلية التي تدعو إلى التحرر منها.

بالإضافة لذلك جاءنا أخيرًا رئيس أمريكي جديد ينادى بالتغيير، ولكن ليس مجرد تغيير ما يعتقد أنه قد فشل في نظم السياسة وإستبداله بأفكار جديدة تقدمية، ولكنه تغيير في الثوابت التي ترتكز عليها هذه البلد وهي أساسها الديني الذي تبنته منذ تأسيسها قبل عدة قرون.

والمعروف أن الرئيس أوباما ابن رجل نيجيري مسلم وعائلته في نيجيريا من المسلمين، وقد عاش مع أمه في سنى طفولته في إندونسيا البلد الإسلامية وقام بتربيته زوج أمه الثاني وهو مسلم ملتزم، وقيل عن أوباما أنه تعلم في مدارس إسلامية في أندونيسيا وأنه كطفل كان يمارس الإسلام ويتردد على الجوامع هناك، ولكن عندما جاء إلى أمريكا غيّر ديانته إلى المسيحية ولا نعلم إن كان قد عمل هذا عن اقتناع أم أنه كان تغيير تكتيكي تمليه عليه طموحاته السياسية.

فهناك شكوك في مصداقية الرجل في هذا الخصوص تؤكدها تصرفاته ومنها أنه ألغى إفطار الصلاة السنوي في البيت الأبيض الذي هو تقليد قام به الرؤساء من قبله، وتكلم عن نبى الإسلام في معرض سرده لقصة الإسراء والمعراج على أنه التقى بالأنبياء الذين سبقوه وأنه صلى مع موسى والمسيح معتبرًا أنهم جميعا أنبياء ومستعملاً التعبيرالإسلامي (عليهم السلام).. بل أن حياة أوباما كمسيحي غير واضحة فهو يقول أنه ينتمى لكنيسة كان يرعاها رجل اسمه جيرميا رايت وقد ثبت أن هذه الكنيسة ليست كنيسة مسيحية موثوقة المبادئ فهى تقبل أي شخص ينضم لها حتى لو لم يكن مسيحيًا وأهدافها سياسية عنصرية أكثر منها دينية وتحمل بغضا لبلدهم أمريكا، وفي إحدى عظاته المسجلة تستطيع أن تسمع هذا الرجل يصرخ بكل قوته داعيًا الله أن يلعن أمريكا لا أن يباركها.

ولكن الخطير في الأمر هو نظرة أوباما لأمريكا على عكس ما هو معترف به أنها دولة مؤسسة على المبادئ المسيحية اليهودية وهو لا يضيع فرصة يحاول فيها أن ينفي هذا المفهوم، إلى هنا فمن الممكن أن نفهم هذا الإتجاه فهو رأي يشاركه فيه الكثيرون من الأمريكان اللادينيين والملحدين، ولكن أوباما يختلف عن هؤلاء في أنه في الوقت الذي ينفي عن أمريكا هويتها المسيحية فإنه يؤكد أن لأمريكا هوية إسلامية.

في شهر أبريل ٢۰۰٩ وجه أوباما خطابًا إلى البرلمان التركي ذكر فيه أن أمريكا ليست دولة مسيحية -وهو حق يراد به باطل-، فأمريكا فعلاً ليست دولة مسيحية بمعنى أنها دولة لا تحكم بمرجعية دينية مسيحية أو غير مسيحية ولكنها مع ذلك فهي دولة قائمة على المثل والإخلاقيات المسيحية، ولكن المصيبة الكبرى هي أنه مع إنكار أن أمريكا دولة مسيحية إذ به بعد ذلك يصدر التصريح الآخر الغريب بأن أمريكا هي دولة إسلامية.

في اليوم السابق لسفر الرئيس أوباما إلى القاهرة لإلقاء خطابه التاريخي للعالم الإسلامي عقد مؤتمر صحفي في واشنطن وفي معرض إجابته على بعض الأسئلة صرح الرئيس أوباما بالتالي: من المهم أن نلاحظ أنه إذا أخذنا في الإعتبار عدد المسلمين في أمريكا فإن أمريكا ستكون واحدة من كبريات الدول الإسلامية في العالم.

والغريب أن هذا الرجل الذى كان يخجل من ذكر اسمه الوسيط "حسين" أثناء حملته الإنتخابية قد أصبح الآن شخص آخر في تأكيده لهويته الإسلامية، فنراه ينحني لحامي الحرمين الشريفين ويبيع هوية أمريكا المسيحية في مقابل شراء رضى العالم الإسلامي عنه.

أما مسألة تعداد المسلمين في أمريكا والإدعاء بأنه يجعل أمريكا من كبريات الدول الإسلامية فهو مغالطة كبيرة، فالمسلمين يقولون أنهم ما بين ٦ و٨ مليون وربما هذا ما جعل أوباما يقدر عددهم بـ ٧ مليون في خطابه إلى العالم وربما أخذ هذا الرقم من مستشارته في الشؤون الإسلامية السيدة داليا مجاهد، ولكن هل هذا الرقم صحيح؟ وحتى إذا كان صحيحًا هل هذا الرقم يجعل أمريكا أحدى أكبر البلاد الإسلامية في العالم؟

أمريكا لا تقوم بتعداد سكانها على أساس ديني ولذلك ليس هناك رقم رسمي لعدد المسلمين في أمريكا، ولكن هناك مراكز إحصاء تقوم بتقدير هذه الأرقام من هذه المراكز National Research Center in Chicago الذى يقدر العدد ما بين 1.4 و ۸‚۲ مليون، وفي مايو ۲۰۰٧ عملت دراسة بواسطة The Pew Research Center وبناء عليه تم تقدير عدد المسلمين ب 2.35 مليون.

قارن هذا العدد بتعداد المسلمين في الدول الإسلامية الكبرى لترى موقع أمريكا منها: ۲۰۰ مليون في أندونسيا – ١٩٦ مليون في الهند – ١٦٥مليون في باكستان – ١٣۲ مليون في بنجلاديش – ٦٥ مليون في مصر – ٦٤ مليون في إيران – ٣٣ مليون في مراكش – ٣٢ مليون في الجزائر - ٣۱ مليون في أفغانستان – ٢٦ مليون في السودان – ٢٥ مليون في الصين – ۱٥ مليون في روسيا، هذه مجرد عينة وأمامنا المزيد من الدول الإسلامية التي يزيد تعداد المسلمين فيها عن تعداد المسلمين في أمريكا بكثير.

وهنا يجدر بنا التوقف للتساؤل.. هل كان يعلم أوباما العدد الحقيقى للمسلمين في أمريكا ويريد أن يضخم منه حتى يكسب تعاطف المسلمين عندما يلقى خطابه؟ أم هل هو ساذج بهذه الحقيقة ويصدق كل ما يقال له؟ أم أنه فعلاً يعتقد أن المسلمين هم بهذا العدد الضخم وفي الوقت الذي ينكرأن أمريكا بلد مسيحي فإنه يصر على أن أمريكا ليست مجرد بلد إسلامي فقط بل من كبريات البلاد الإسلامية؟
أي من الإعتبارات السابقة مقلق للغاية خاصة أنه يصدر من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ذاته....
Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٢٤ تعليق