بقلم: د.عبدالخالق حسين
أثار مقالي الأخير الموسوم (حتمية موت الإسلام السياسي ) المنشور على مواقع الانترنت يوم 12 حزيران الجاري، ردود أفعال متباينة، من تعقيبات ومقالات. لذلك أرى من المفيد مناقشة بعض الملاحظات التي وردت في هذه الردود لإغناء الموضوع. فعلى موقع الحوار المتمدن والأقباط متحدون، كانت التعقيبات في معظمها متجاوبة مع مضمون المقال، مع بعض التحفظات لدى البعض على "الإفراط" في التفاؤل، وسأأتي على هذه النقطة لاحقاً. كما ونُشر على موقع (صوت العراق) مقال بعنوان (التبشير بموت الإسلام سياسياً وهم أم حقيقة !) ودون أن يشير الكاتب الكريم إلى اسمي، إلا إن مضمون المقال كان مكرساً للرد على مقالي دون أدنى شك.
بدءً، أشكر جميع الأخوة والأخوات الذين أثروا المقال بتعليقاتهم، وأخص منهم بالذكر الكاتبة المتميزة، السيدة نادية كاظم، والأخوة الأفاضل سلام الشمري، وسركون البابلي، والرصافي، وصباح ابراهيم، وعلي جاي المدهون، وذياب مهدي آل غلام، وسارة ورعد الحافظ ، وآخرون نشروا تعليقاتهم على مواقع أخرى مثل (الأقباط متحدون)، إضافة إلى تعليقات وردتني عن طريق بريدي الإلكتروني، كما ونشر الأستاذ ذياب مهدي آل غلام مقالاً قيماً تأييداً لمقالي المذكور. فشكراً لهم جميعاً، ومعذرة لعدم ذكر جميع الأسماء لضيق المجال.
أود التركيز هنا على مسألتين وردتا في التعليقات والمقالات ذات العلاقة:
1- حول أبدية الإسلام السياسي!!
جاء في مقال السيد حميد شاكر، ما معناه أن الذين يؤمنون بـ (حتمية موت الإسلام السياسي)، يعيشون في وهم وأن الإسلام السياسي باق إلى الأبد. وهذا الرأي يشبه تماماً ما كان يردده البعثيون في العراق عند اغتصابهم للسلطة ثانية في عام 1968، حيث أكدوا على أنهم جاؤوا هذه المرة ليبقوا في الحكم إلى الأبد. وقال كبيرهم حينئذ (أن الذي يحكم العراق من بعده سيستلمه أرضاً بلا بشر). وهذا ديدن أصحاب الأيديولوجيات الشمولية وخاصة الفاشية منها، بغض النظر عن كونها فاشية دينية، أو فاشية قومية. كما ووضَعنا الكاتب في خانة واحدة مع الصحافة السعودية الوهابية، غير مدرك أن النظام السعودي هو الآخر نظام إسلامي متخلف لا يختلف كثيراً عن نظام "ولاية الفقيه" الإيرانية عدا أنه بنسخة وهابية معادية للنموذج الإيراني.
والغريب أن الكاتب، وهو في غمرة حماسه في الدفاع عن الإسلام السياسي، أن اعتبر الإسلام السياسي والإسلام الديني كما لو كانا مترادفين، أي اعتبر كل من يعارض الإسلام السياسي عدواً للدين. وهذا بالضبط نفس الخطأ القاتل الذي أوقع القوميون العرب والبعثيون أنفسهم عندما اتهموا كل عربي يعارض الحركة القومية العربية أو البعثية عدواً للعروبة واعتبروه شعوبياً. وهكذا يخلط هؤلاء الحابل بالنابل، فمن سياق مقال السيد شاكر، يبدو واضحاً أنه عندما يقول (الإسلام) فهو يقصد الإسلام السياسي. ونؤكد ثانية أننا ضد الإسلام السياسي وليس الإسلام كدين، لأن الإسلام كدين هو بريء من ألاعيب السياسيين. وأشد أعداء الدين هم الإسلامويون أي دعاة الإسلام السياسي وبالأخص المتطرفين وإرهابيين منهم الذي أساؤوا لسمعة الإسلام وجعلوه أيديولة للإرهاب.
وفخ آخر أوقع الكاتب نفسه فيه عندما وضع الإسلام في حالة مجابهة وصراع مع الحقيقة إذ اقتبس قولاً وضعه بين قويسات التنصيص، ودون أن يذكر اسم صاحبه، قائلاً: ((إن الإسلام هو المنتصر على الحقيقة، وهو المولود الذي ولد بالأمس ليعيش في الحياة إلى الأبد ، وهو الواقع الذي وصل إلى عقول وقلوب الناس رغم كل ما يبذل في تشويه صورته بزرع الوهابية لتقتات على دمه واسمه، أو النيل من تأثيره الكاسح بتحريك ماكنة الإعلام ضده، وانه هو المارد الذي خرج من قمقم الزجاجة لا ليعود مجددا إليه بل ليفرش جناحيه على جميع البشر ولو كره الجاحدون )) !.انتهى.
أقول، بماذا يختلف هذا الكلام عن كلام غلاة البعثيين عن خلود نظامهم وأيديولوجيتهم، وبماذا يختلف عن شعارات أتباع القاعدة وغلاة الإسلاميين المتطرفين الذين يبشرون باحتلال روما وأسبانيا، ورفع علم دولة الخلافة الإسلامية على قصر ملكة بريطانيا!!! وغيرها من الشعارات الفنطازية!
والذي قرأ مقال السيد حميد شاكر، لاحظ أنه فشل في تقديم أي دليل مقنع يثبت صحة أقواله وخطأ أقوالنا، وإنما اكتفى فقط باتهامنا بأن ما ذكرناه من (حتمية موت الإسلام السياسي) هو مجرد أفكار خيالية وتمنيات! وأنه " ليس كلّ ما يتمنى المرء يدركه وربما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن". على أي حال نشير إلى كل من يشك بصحة مقالنا، أن ينظر إلى ما يجري في إيران من مظاهرات شعبية عارمة على حكم الملالي عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة احتجاجاً على تزييفها على نطاق واسع من قبل النظام الحاكم لصالح مرشحه محمود أحمدي نجاد على حساب المرشح الإصلاحي السيد مير حسين موسوي. فهذه المظاهرات المليونية تذكرنا بتلك التي اندلعت في الفترة الأخيرة من حكم الشاه قبل ثلاثين عاماً والتي أدت إلى هزيمته وسقوط نظامه، وليس مستبعداً أن يعيد التاريخ نفسه اليوم لإسقاط حكم الملالي. وربما سأعود إلى هذا الموضوع الساخن في مقال مستقل قريباً.
2- حول التفاؤل والإفراط في التفاؤل
والملاحظة الثانية في التعقيبات، هي تهمة "الإفراط في التفاؤل" التي جاءت في تعقيب السيد سلام الشمري وتلقى التأييد من معقبين آخرين رغم تأييدهم للمحتوى العام لمقالي.
في الوقت الذي أؤكد فيه تفاؤلي بالمستقبل وسقوط الأنظمة الفاشية، إلا إني أرفض وصف هذا التفاؤل بالإفراط، فأنا معتدل ليس التفاؤل، بل معتدل في جميع مواقفي الأخرى. وتفاؤلي هذا ليس من باب (تفاءلوا بالخير تجدوه) بل ناتج عن قراءاتي للتاريخ، وإيماني العميق بحتمية انتصار الشعوب في نضالها وفق قوانين حركة التاريخ ونيل حقوقها في الحرية والعدالة الاجتماعية ومواكبة التطور الحضاري.
أما استشهاد السيد سلام الشمري بحضارات وشعوب سادت ثم بادت، في الحقيقة إن الحضارات هي تراكمية منذ فجر التاريخ وإلى الآن، إذ كل حضارة سابقة ساهمت في خلق الحضارة اللاحقة وصولاً إلى حضارتنا الحديثة، وهي أشبه بطبقات الأرض الجيولوجية، طبقة فوق أخرى، وفي كل حضارة تجد آثار الحضارات السابقة. كذلك بالنسبة إلى انقراض أو اختفاء الشعوب أو ذوبانها في شعوب أخرى، إذ كما جاء في كتاب:
(Social Transformation) للعلامة (Stephen K Sanderson)، أن المجتمعات البشرية ليست تتغير باستمرار فحسب، بل وحتى القوانين والوسائل التي تتحكم في التغيير والتحولات الاجتماعية هي الأخرى تتغير باستمرار. فالأوضاع الحالية والعلاقات المصيرية بين الشعوب في ظل العولمة اليوم تختلف عما كانت عليه في العصور القديمة. ففي الماضي كانت التجمعات البشرية معزولة عن بعضها بسبب صعوبة التنقل، وإذا ما تعرض مجتمع ما إلى كارثة طبيعية أو حروب إبادة، ليس بإمكان المجتمعات الأخرى الإسراع لتقديم العون والمساعدة للمجتمع المنكوب المهدد بالانقراض. أما اليوم، وبفضل التطور المذهل في وسائل الاتصال والتواصل والثورة المعلوماتية والتقارب بين الشعوب، وتشابك مصالحها فيما يسمى بالعولمة، فلا يسمح بانقراض أي شعب أو عودة الهمجية وفرض هيمنتها على البشر. وما الحرب الطاحنة التي تخوضها الشعوب المتحضرة بقيادة الدولة العظمى، أمريكا، ضد الإرهاب الإسلامي في العراق وأفغانستان وباكستان ومناطق أخرى من العالم، إلا دليل ملموس على صحة ما نقول. كذلك لاحظنا ما حصل من عمليات إنقاذ من قبل الدول الغربية لشعوب دول حوض المحيط الهندي عندما تعرضت لكارثة التسونامي قبل ثلاثة أعوام ، وإنقاذ الشعب الأثيوبي من المجاعة في الثمانينات. لذلك فليس صحيحاً تطبيق أحكام العصور الغابرة على عصرنا الراهن.
لماذا أنا متفائل؟
الملاحظ أن بعض الزملاء الكتاب يعربون باستمرار عن تشاؤمهم بمستقبل هذه القضية أو تلك وينصحون بعدم التفاؤل، أو بعدم الإفراط في التفاؤل. بل يقول قائلهم (والله متصير جارة للعراقيين!! ، أو أن الإسلام السياسي جاءت به أمريكا من أجل تنفيذ مخططها وتحقيق مصالحها في المنطقة...الخ ). أعتقد أن هذه نظرة سوداوية ناتجة عن قصر النفس. فالتحولات الاجتماعية تستغرق وقتاً، ولا تحصل حسب الرغبات، ولا يمكن حرق المراحل، وكذلك ليس بالإمكان من ديمقراطية ناشئة كما في العراق الآن أن تتحول إلى ديمقراطية ناضجة كما هي في الدول الغربية الديمقراطية العريقة. إذ هكذا بدأت الديمقراطية في الدول المتقدمة بصعوبة ثم تطورت تدريجياً إلى أن بلغت مرحلة النضج.
ففي الوقت الذي يجب تجنب الإفراط في التفاؤل، أو التفاؤل الكاذب، ولكن بالنسبة للناشط السياسي أو الناشط في أي مجال آخر، في حقوق الإنسان أو حقوق المرأة، أو حقوق الطفل أو حقوق الحيوان والنبات ...الخ، يجب أن يكون متفائلاً، وإلا لماذا يناضل؟ ولماذا هو ناشط في هذا المجال أو ذاك؟ لماذا يدافع الكاتب أو الناشط عن قضية إذا كان متشائماً بمستقبلها ولا يؤمن بنجاحها؟ أي لماذا يدافع عن قضية يعتقد أنها خاسرة؟ أليس من العبث تضييع الوقت والجهد في الدفاع عن قضية أنت موقن بخسارتها؟
لذلك أعتقد جازماً، أن أي ناشط في أي مجال، هو متفائل بمستقبل القضية التي يدافع عنها وإلا لماذا صار ناشطاً في المجال المعين ولماذا يكتب؟ فطالما قبل الإنسان، أن يدافع عن قضية ما، فهو بالضرورة متفائل.
وباء الإسلام السياسي،
عندما أكدنا في مقالنا السابق على (حتمية موت الإسلام السياسي) لم يكن ذلك بدافع التمنيات أو الإفراط في التفاؤل، بل هو مستند إلى أدلة تاريخية وموضوعية ذكرناها في المقال المذكور. ونضيف هنا المزيد من الأدلة.
لا شك أن الإسلام السياسي هو نتاج أيديولوجية شمولية، (ولاية الفقيه) عند الأحزاب الإسلامية الشيعية، و(الحاكمية الإلهية) عند أحزاب الأخوان المسلمين السنية. والمعروف أن مرحلة الأيديولوجيات الشمولية قد انتهت وإلى الأبد وذلك لأن الأيديولوجية تفرض على المجتمع تعاليم بقوالب كونكريتية ترفض التغيير، بينما نحن نعيش الآن مرحلة التغيرات المتسارعة التي تحتاج إلى مرونة تستجيب لمتطلبات المجتمع المتغير، أي إلى الديمقراطية الليبرالية.
والإسلام السياسي لا يختلف في تكتيكاته وأساليبه لإخضاع الشعوب لإرادته عن الفاشية والنازية والبعثية، أو أية حركة عنصرية، أي بالقوة المفرطة. وهذه الفاشيات هي أشبه بالأوبئة المرضية مثل الطاعون والجدري والحصبة التي كانت تجتاح الشعوب في الماضي فتهلك الملايين، وكما تترك هذه الأوبئة مناعة لكل مصاب ينجو من الموت، كذلك أوبئة الأيديولوجيات الشمولية، تُكسب كل شعب أبتلى بها مناعة دائمة ضدها. هذا ما حصل في ألمانيا ضد النازية، وفي إيطاليا ضد الفاشية، ونرى الآن تأثير أيديولوجية (ولاية الفقيه) على الشعب الإيراني المعارض لها. وبالتأكيد فشعبنا العراقي اكتسب الآن مناعة دائمة ضد البعث والإسلام السياسي. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|