تقرير: عماد توماس - خاص الأقباط متحدون
قضت محكمة النقض يوم الاثنين 15 يونيو 2009، بإلغاء الحكم الصادر ضد كاميليا لطفي من محكمة استئناف الإسكندرية، والذي كان قد قضى بإسقاط حضانتها لطفليها ماريو وأندرو وضمهما لأبيهما بعد إشهار إسلامه.
وصرحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى بيان صحفى اليوم الثلاثاء، بأن حكم محكمة النقض الذي قضى بحق السيدة كاميليا لطفي في حضانة طفليها ماريو وأندرو رمسيس رغم إعلان والدهما تحوله إلى الإسلام يمثل خطوة إيجابية تشكل انتصاراً لوالدة الطفلين التي خاضت معركة قضائية استمرت خمس سنوات دفاعاً عن حقها في حضانة ولديها التوأم.
غير أن المبادرة المصرية أضافت أن حيثيات حكم الأمس تظهر أن محكمة النقض قد أضاعت فرصة غير مسبوقة لإسقاط السياسة التمييزية التي تقضي حالياً بتغيير ديانة الأطفال المسيحيين قسرياً في الأوراق الرسمية عند تحول الأب إلى الإسلام. وشددت المنظمة على ضرورة أن تتدارك الحكومة هذه المسألة في تعديلات قانون الأحوال الشخصية التي تعتزم تقديمها إلى البرلمان في دورته القادمة.
وقد قضى حكم محكمة النقض ـ وهي أعلى مراحل التقاضي في المسائل المدنية والجنائية ـ الصادر في 15 يونيو الجاري بقبول الطعن الذي تقدم به النائب العام ضد حكم كانت محكمة استئناف الإسكندرية قد أصدرته في سبتمبر 2008 بنزع الطفلين من حضانة والدتهما وضمهما إلى والدهما بعد أن أعلن تحوله إلى الإسلام.
وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: "رغم ترحيبنا بنجاح هذه السيدة الشجاعة في معركتها من أجل الاحتفاظ بحضانة طفليها، إلا أنه يؤسفنا أن محكمة النقض اكتفت بمعالجة النتيجة وامتنعت عن تأييد مبادرة النائب العام الذي سعى لمعالجة جذور المشكلة وهي التغيير اللا إرادي لديانة الأطفال دون أدنى اعتبار لإرادتهم أو إرادة أمهاتهم."
وقد أدخلت حيثيات حكم الأمس ـ التي اطلع عليها محامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ـ تعديلاً إيجابياً طفيفاً على القواعد القانونية السارية، وذلك بأن أكدت المحكمة للمرة الأولى على حق الأم "الكتابية" في حضانة طفلها لحين بلوغ الطفل سن الخامسة عشرة الذي يحدده قانون الأحوال الشخصية كسن الاستغناء عن الحضانة، حتى في حالة تحول والد الطفل إلى الإسلام وإقدام الدولة على تغيير ديانة الطفل بالتبعية. وكانت محكمة النقض في السابق تقضي بنقل الطفل إلى حضانة الوالد المسلم عند بلوغ الطفل سن السابعة بوصفه "سن تمييز الأديان" وفقاً للمذهب الحنفي من الفقه الإسلامي. غير أن الحكم من ناحية أخرى سمح بنزع الطفل من حضانة والدته قبل سن الخامسة عشرة عندما "يخشى على دين الصغير" من تربية الأم، وهو ما يفتح الباب أمام الأزواج السابقين ومحاكم الأسرة للالتفاف على حكم محكمة النقض والاستمرار في انتزاع الأطفال من أمهاتهم المسيحيات دون مراعاة المصلحة الفضلى للطفل.
وكانت السيدة كاميليا لطفي ومحامو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد تقدموا في نوفمبر 2008 بطلب للنائب العام للطعن بالنقض على حكم إسقاط حضانة الأم للطفلين البالغين من العمر أربعة عشر عاماً، استناداً إلى السلطة التي يمنحها له قانون المرافعات المدنية (المادة 250) والتي تعطي النائب العام حق الطعن بالنقض في الأحكام النهائية التي لا يجيز القانون للخصوم الطعن فيها (مثل أحكام محاكم الأسرة)، وذلك "لمصلحة القانون... إذا كان الحكم مبنياً على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله." وقد استجاب النائب العام للطلب وبدأت دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة النقض برئاسة القاضي حسن منصور النظر في الطعن (رقم 15277 لسنة 78 ق) في شهر فبراير الماضي.
ودفعت مذكرة الطعن التي قام بتوقيعها النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بأن عدم وجود نص قانوني ينظم مسقطات الحضانة عن النساء، يوجب على المحكمة الرجوع إلى أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، وفقاً للمادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 (بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية). وقد قبلت محكمة النقض أمس دفع النائب العام بأن تفسير محاكم الأسرة حالياً لمذهب الإمام أبي حنيفة يشوبه الخطأ في تطبيق القانون، حيث يتوجب على المحكمة قبل إسقاط الحضانة عن الأم المسيحية أن تبين مبررات ذلك وألا تكتفي بالاستناد إلى مجرد بلوغ الصغير "سن تعقل الأديان" وهو سبع سنوات كسبب لإسقاط الحضانة عن الأم.
ومن ناحية أخرى فقد كان النائب العام قد دفع في مذكرة الطعن إلى أنه كان على المحكمة أن تطرح الاختيار على الصغيرين ـ طالما تجاوزا سن السابعة ـ "ليقوما بممارسة دورهما الذي تكفلت بالزود عنه الشريعة الإسلامية بين البقاء على عقيدتهما [المسيحية] التي تنشئا عليها وتربيا في محرابها، أو قبولهما طواعية الانتقال إلى دين الإسلام." غير أن محكمة النقض لم تقبل هذا الدفع، وأصرت في حكمها الصادر أمس على التمسك بأحكامها السابقة التي قضت فيها بأن إشهار أحد الوالدين لإسلامه يجب أن يتبعه تغيير ديانة الأبناء إلى الإسلام باعتباره "خير الديانات"، حتى يصلوا سن البلوغ وهو الخامسة عشرة.
وأضاف حسام بهجت: "كان أمام محكمة النقض فرصة غير مسبوقة لتبني التجديد الفقهي الخلاق الذي تقدم به النائب العام بما يحقق التوافق بين مبادئ الفقه الإسلامي وبين الالتزام القانوني على الدولة بكفالة حقوق كافة المواطنين ومنع التمييز ضدهم، غير أن المحكمة مع الأسف قررت التمسك بتفسير مذهبي متشدد يمنح شرعية للتمييز ويكفل استمرار الانتهاكات باسم الإسلام."
وأكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن الحكومة ملزمة بأن تتدخل فوراً لوقف السياسة التمييزية الحالية، خاصة بعد إعلان وزارة العدل عن اعتزامها التقدم للبرلمان بتعديلات لقانون الأحوال الشخصية. وشددت المنظمة على ضرورة أن تتضمن هذه التعديلات ـ التي لم يعلن عن محتواها حتى الآن ـ نصاً تشريعياً يأخذ بالرأي القانوني للنائب العام، وذلك بمنح الأطفال الحق في اختيار معتقداتهم متى تجاوزوا سن السابعة، خاصة بعد أن تضمنت تعديلات قانون الطفل عام 2008 مادة تكفل حق الطفل في الحماية من التمييز على أساس الدين، و"حق الطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة في الحصول على المعلومات التي تمكنه من تكوين هذه الآراء وفي التعبير عنها، والاستماع إليه في جميع المسائل المتعلقة به، بما فيها الإجراءات القضائية والإدارية، وفقا للإجراءات التى يحددها القانون. (المادة 3 (ج)"
وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قررت في حكمها الصادر عام 1996 في الطعن (رقم 5 لسنة 8 ق) أن آراء الفقهاء "ليس لها في ذاتها قوة ملزمة متعدية لغير القائلين بها، ولا يجوز بالتالي اعتبارها شرعاً ثابتاً متفرداً لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهياً عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى وإنكاراً لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد...ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالاتباع من اجتهاد غيره. وربما كان أضعف الآراء سنداً أكثرها ملائمة للأوضاع المتغيرة ولو كان مخالفاً لأقوال استقر عليها العمل زمناً...على أن يكون مفهوماً أن اجتهادات السابقين لا يجوز أن تكون مصدراً نهائياً ومرجعاً وحيداً لاستمداد الأحكام العملية منها، بل يجوز لولي الأمر أن يشرع على خلافها وأن ينظم شئون العباد في بيئة بذاتها تستقل بأوضاعها الخاصة."
يذكر أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قد أصدرت عام 2007 بالاشتراك مع منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً بعنوان "هويات ممنوعة: انتهاك الدولة لحرية المعتقد"، تضمن فصلاً كاملاً حول هذه المسألة بعنوان "باسم الأب: التحول اللاإرادي". ويضم الفصل توثيقاً لملفات 89 مصرياً قامت الدولة بتغيير ديانتهم في الأوراق الرسمية إلى الإسلام دون إرادتهم ـ بل وأحياناً دون علمهم ـ بعد تحول آبائهم إلى الإسلام، وترفض وزارة الداخلية تعديل ديانتهم إلى المسيحية بعد بلوغهم سن الخامسة عشرة بالمخالفة للقانون ومبادئ الأحكام القضائية المشار إليها أعلاه.
وقد بدأت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي في نوفمبر 2008 نظر دعوى أقامتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية نيابة عن السيدة كاميليا لطفي تتهم الحكومة المصرية بانتهاك أربعة من مواد الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي صدقت عليه الحكومة ومجلس الشعب عام 1984. كما تعتزم المبادرة المصرية عرض هذه السياسة التمييزية والتعسفية أثناء خضوع الحكومة المصرية خلال عام 2010 لآلية الاستعراض الدوري الشامل لسجلها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فضلاً عن المراجعة التي ستجريها لجنتان تابعتان للأمم المتحدة خلال العام ذاته لتنفيذ الحكومة المصرية لكل من الاتفاقية الدولية لمناهضة التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. |