بقلم: صبحي فؤاد
بسرعة عجيبة وبلا أي مقدمات اكتشف النظام في مصر أن المرأة المصرية مظلومة ومهضومة الحق فصدر قرار رئاسي في مطلع هذا الشهر (يونيو) بتخصيص 64 مقعدًا إضافيًا للمرأة في البرلمان..
وبنفس السرعة العجيبة التى صدر بها القرار الرئاسي وجدنا مجلس الشعب المصري يقر ويبصم بالعشرة ويوافق بغالبية أعضاءه على إدخال التعديل المطلوب فورًا وبدون أي تحفظات لأن اعضاءه الموقرين وجدوه يتفق مع الإتفاقية الدولية الخاصة بعدم التميز ضد المرأة التي وقّعت عليها مصر!!
ومنذ شهور قليلة وحرصًا على صحة الشعب المصري من ألـ (سوين) أنفلونزا والتى يحلو للمصريين إطلاق اسم الخنازير عليها إما عن جهل أو تعصب أعمى ضد هذة الحيوانات البريئة.. أصدر الرئيس المصري قراره الشهير -والذي أثق أنه سوف يدخل التاريخ به من أوسع أبوابه- بإبادة كل الخنازير على أرض مصر، وفي لمح البصر اجتمع مجلس الشعب المصري ووافق أعضاءه على طلب ورغبة الرئيس، ولم يكتفوا بالموافقة بالعشرة بل أشادوا بحكمة الرئيس في اتخاذ مثل هذا القرار التاريخي وحرصه على صحة الشعب وخوفه عليهم من الإصابة بهذه الأنفلونزا الملعونة، ويومها لم نجد أحدًا من السادة الكرام الذين صوتوا لصالح القرار الجمهوري يسأل نفسه بجدية عما إذا كان إعدام الخنازير سوف يضمن عدم إصابة المصريين بهذا النوع من الأنفلونزا؟؟ ويسأل أيضًا ضميره عن مصير ألوف الأسر التي تعمل في تربية هذه الحيوانات والحكمة وراء تدمير ثروة حيوانية تقدر بألوف الملايين من الجنيهات ومئات الأعمال الصغيرة!!
وما حدث ويحدث في عهد الرئيس مبارك حدث في عهد الرئيس السادات الذي كلنا يذكر له على سبيل المثال قرارات سبتمبر الشهيرة التي أدخلت ألوف المصريين من رجال دين وسياسة وأساتذة جامعات وإعلام وغيرهم إلى المعتقلات والسجون بلا ذنب أو جريمة تُذكر، والعجيب أن أعضاء مجلس الشعب المصري قاموا يومها بالموافقة بنسبة مائة في المائة ولم يكتفوا بالموافقة وإنما أشادوا أيضًا بالقرارت المجحفة الظالمة التي اتخذها الرئيس المؤمن محمد أنور السادات.
وغير قرارات سبتمبر التي كانت وصمة عار في تاريخ السادات وجدنا الرجل فجأة بعد سنوات قليلة على تولية الحكم يعطي ظهره إلى الإتحاد السوفيتي والنظام الإشتراكي ويرتمي في أحضان الأمريكان ويتبنى الإنفتاح الإقتصادي والنظام الرأسمالي ويعقد اتفاقية صلح وسلام مع إسرائيل.
وعندما فشل في تحويل مصر إلى دولة رأسمالية ناجحة توفر الحياة الكريمة لأبناءها قرر تحويلها إلى دولة دينية متطرفة تصدر الإرهاب والإرهابيين إلى كل دول العالم مثل الظواهري وغيره!!
لقد كانت مشيئة الرئيس السادات هي الغالبة المحركة والمسيّرة لكل الأمور، فمن الشيوعية أخذ مصر إلى الرأسمالية ثم إلى الدولة الدينية المتعصبة التي تكره غير المسلمين وتمييز ضدهم بقوة القانون رغم مخالفة هذا الأمر لحقوق الإنسان وقوانين حرية العبادة التي وقعت عليها مصر دوليًا.
ولم يكن يختلف الحال كثيرًا في عهد جمال عبد الناصر الذي قام عقب تولية الحكم بإلغاء النظام الملكي وتحويل مصر إلى دولة اشتراكية تقدس لينين وتعبده وتعمل بفكره وفلسفته وتقرأ قصص تلوستوى وتشيكوف وغيرهم من الأدباء والكتاب الروس، ولم يكن هناك فردًا يجسر على أرض مصر الإعتراض أو مناقشة أو إبداء رأيه في قرارات الرئيس جمال عبد الناصر، حتى عندما أغلق مدخل البحر الأحمر قبل حرب 67 أمام الملاحة الدولية والسفن الإسرائيلية وجد من يصفق له ويهتف بحياته وحكمته رغم أن هذا القرار عجّل بقيام الحرب وإلحاق هزيمة كبيرة بالجيش المصري وموت ألوف الشباب في صحراء سيناء.
وفي كل الأحوال وجدنا مشيئة الرؤساء في مصر وطيلة النصف قرن الماضي هي التي تقود وتسيّر الأمور وتتخذ القرارات المصيرية وتوجه الدفة بالكامل طبقًا للمزاج والرؤية الشخصية لكل منهم، وقلما وجدنا مقاومة من الشعب المغلوب على أمره أو اعتراض من أحزاب معارضة أو غير معارضة داخل البرلمان.
وبناء على ما ذكرت فإنني على ثقة مطلقة أن الرئيس مبارك لو أراد إنهاء التطرف الديني والتمييز القبيح والتعصب الأعمى ضد غير المسلمين في مصر أسوة بما فعله مع حقوق المرأة فلن يقف أحدًا في طريقه أو يعترض على رغبته أو مشيئته، بل على العكس سوف يجد من ينحني له ويصفق ويهتف بحياته ويشيد بقراره وحكمته.
ولو أراد الرئيس مبارك أن يعيش المصريين في سلام ووحدة وطنية حقيقية لقام على الفور بإلغاء الدستور المصري الديني العنصري واستبداله بدستور آخر علماني يحترم حقوق الإنسان ويقر بحرية العبادة للجميع ولا يميز بين مصري مسيحي أو مصري مسلم أو حتى مصري لا يؤمن بدين ما.
لا شك أن مشيئة الرئيس المصري لا تقل بأي حال من الأحوال عن سلطاته الواسعة التي يتمتع بها في إدارة شئون مصر هي بكل تأكيد قادرة -إذا أراد- على تغيير المجتمع المصري بطريقة جذرية وبالصورة التي يريدها بدون مشكلة أو اعتراض من أحد على الإطلاق، ولكن للأسف عندما يتعلق الأمر بحقوق الأقباط المصريين ومطالبهم العادلة المعقولة والتي يمكن تلخيصها في كلمتين فقط هما المساواة والعدل، نجد للأسف الشديد مشيئة الرئيس التي نراها تصنع المعجزات والإنجازات الضخمة تختفي وتصبح لا حول ولا قوة لها، فما الذى يقف في طريق مشيئة الرئيس وإرادته لحل مشاكل الأقباط وإنهاء الطائفية ووضع نهاية للتعصب للتعصب الأعمى من مصر إلى الأبد؟؟ هل هو العناد؟؟ هل هو التعصب؟؟ هل هو الإصرار على إشغال الشعب بالمشاكل الطائفية وضرب المسلم في المسيحي حتى يظل المجتمع المصري ضعيفًا منقسمًا على ذاته ومن ثم يسهل قيادته والتحكم فيه والسيطرة عليه؟؟ أم أن وراء هذا الأمر سر آخر لا يعلم به إلا الله وحدة والرئيس حسني مبارك؟؟
صبحى فؤاد
أستراليا
sobhy@iprimus.com.au |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|