بقلم: عادل جرجس سعد
يبدو أن الفتنة الطائفية أصبحت آلية من الآليات في منظومة الحكم داخل الدولة، ويبدو واضحًا وجليًا لكل ذي عينين أن الدولة إن لم تجد من الأحداث الطائفية ما تستغله وتزايد علية فإنها تلجأ إلى افتعاله حتى أنه لم يعد هناك مجالاً للشك أن الفتنة الطائفية صناعة حكومية تبتدعها الدولة في توقيتات معينة لإلهاء الشعب بها عن بعض السياسات التي تريد تمريرها أو بعض القرارات والقوانين المزمع سنها وإن لم يكن هذا أو ذاك يكون ذلك من قبل ممارسة الدولة لهوايتها في التضييق على مواطنيها من الأقباط. هذا ما تم ترجمته على أرض الواقع في الأزمة التي افتعلتها الدولة في تغيير اسم قرية "أبو حنس" إلى "وادي النعناع" والقرار غريب وعجيب وغير مبرر والأغرب من ذلك أن القرار جاء من وزير العدل لإضفاء القانونية والشرعية عليه في حين أن المحليات هي الجهة المنوطة بتسمية القرى والأحياء والشوارع فلماذا يتم استصدار القرار من جهة أعلى؟ ومن المعروف أن تغيير اسم القرى والشوارع والأحياء هو أمر وارد ولكن لماذا "وادي النعناع" تحديدًا؟
وحتى لا نسيء الظن بالدولة وحكومتها علينا بداية أن نحاول افتراض حسن النية لدى الدولة، فالحكومة هي أفضل حكومات العالم ولكن المشكلة دائمًا فينا فنحن شعب لسانه طويل وعياره فالت وقليل الأدب ما حدش قادر يحكمه، إذًا ما هي البوادر الطيبة التي يمكن أن تكون وراء قرار الحكومة بتغيير اسم قرية أبو حنس؟ وحيث أن الحكومة لم تعلن عن تلك البوادر الطيبة صراحة فسوف نتجرأ ونحاول التكهن بذلك ونشق عن صدر الحكومة كما هو آتٍ:
* قد تكون الحكومة اكتشفت فجأة ثروة قومية من النعناع بداخل قرية أبو حنس في ظل تزايد الطلب العالمي على هذا النعناع مع ندرة المتوفر منه في السوق العالمي، وهو ما يفتح أفاقًا جديدة لاستثمار هذا النعناع والصناعات القائمة عليه يمكن أن تعوض انخفاض عائدات قناة السويس أو تدعم الغاز المصدر لإسرائيل مثلاً؟ فأرادت الدولة أن تلفت نظر المستثمر الأجنبي لأكبر منابع النعناع في العالم فأطلقت هذا الاسم على تلك القرية تمهيدًا لتغيير الهوية القومية لمصر لتصبح جمهورية مصر النعناعية، وإمعانًا في تأكيد تلك الهوية يتم تغيير السلام الوطني العتيق "بلادي بلادي" لخالد الذكر سيد درويش إلى "يا بتاع النعناع يا منعنع يا بتاع النعناع ياواد انت" للأخت المناضلة سهير الباروني وهذا بالطبع ما سوف يكون له رد فعل إيجابي عند استقبال زوار مصر من ملوك ورؤساء دول العالم استقبالاً رسميًا حينما يهتف قائد حرس الشرف هتافه التقليدي بخشونته المعهودة ونبرته العسكرية الحادة (حرس شرف.. السلام الوطني.. سلام سلاح) ثم تعزف الموسيقى النشيد الوطني "يا بتاع النعناع يا منعنع" على أن يتم استبدال الآلات الموسيقية النحاسية بالصاجات الألماظية وذلك لإضفاء جو من البهجة والمرح على ضيوف الوطن.
* أو قد تكون الحكومة قد صحا ضميرها مؤخرًا وقررت أن تزيل العبء من على كاهل المواطن الحنسي المثقل بهمومه اليومية بداية من حصوله على رغيف خبز أوكراني غير صالح للاستهلاك الآدمي إلى معاناته في الحصول على قوت يومه من خضراوات استعمل في زراعتها المبيدات المسرطنة إلى تلوث مياه الشرب بمياة الصرف الصحي وعدم وجود كهرباء.. إلخ، فأخذت الحكومة على عاتقها زراعة كل الأراضي الخالية في القرية بالنعناع حتى يشعر المواطن الحنسي براحة نفسية وأن الدنيا ربيع والجو بديع والحياة بقى لونها بمبي؟
* يمكن أن تكون الحكومة قد رصدت حجم الفساد الذي استشرى داخل البلاد من نهب القروض واستباحة أراضي الدولة وغسيل الأموال ذلك الفساد الذي أصبح جزء من حياة المواطن اليومية فلم يعد غريبًا أن نكتشف واقعة فساد هنا أو أخرى هناك، ويمكن أن تكون الحكومة قد لاحظت أن رائحة الفساد هذا قد فاحت وانتشرت حتى أصبحت تزكم الأنف فقررت زراعة النعناع في قرية أبو حنس لتغطي رائحته على رائحة الفساد.
* حيث أن الحكومة تعيش في وادي (النعناع) والشعب في وادي آخر فقد يكون خيل لها شيطانها أن خططها الخمسية والعشرية الممتدة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها قد حققت نجاحًا باهرًا، وأصبح المواطن يعيش في رفاهية تامة حتى أنه مثلاً لم يعد لا يلتفت إلى رغيف الخبز المدعم لأن المواطنين يأكلون باتيه وكورواسان وأحيانًا ياكلوا حلاوة وياكلوا جاتوه وياكلوا كل اللي يحبوه، كما أن وسائل المواصلات العامة قد أصبحت خاوية على عروشها لأن كل المواطنين يملكون وسائل نقل خاصة بهم من سيارات وطيارات ودبابات حتى أن الحكومة أصبحت تفكر بشكل جدي في إنشاء طرق مائية داخل المدن نظرًا لإقبال الشعب على استعمال الغواصات كوسيلة اقتصادية في التنقل، وهكذا بعد أن حققت الحكومة نجاحًا باهرًا فاق كل التوقعات في تحقيق أعلى مستويات الرفاهية للمواطن المصري النمرود اللي ما يستهلش لم يعد للحكومة أي أعمال تقوم بها وطبعًا لا يعقل أن تصبح حكومتنا الفذة قاعدة من غير شغلة ولا مشغلة وحيث أن (الإيد البطالة نجسة) فقد قررت الحكومة تغيير أسماء القرى والمدن إلى أسماء تليق ببرستيج الشعب، فها هو وادي النعناع والذي سوف يأتي بعده سهل الريحان وهضبة القرنفل حتى نصل إلى البحر الأحمر شرقًا حيث جبال الزيزفون.
بالطبع كل ما سبق ذكره افتراضات خيالية وعبثية بعيدة تمامًا عن أرض الواقع، أما الإحتمال الوحيد الذي يمكن قبوله هنا عقليًا ومنطقيًا ويتناغم مع استقراء سلوكيات الدولة وحكومتها هو أن الحكومة قد تنبهت بعد زمان طويل أن أبو حنس هذا قديس مسيحي وهو ما لا يجوز تسمية القرية باسمه، لأن الحكومة تعلم بأن السيد المسيح قد علم بأن نعطي "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" وحيث أن الحكومة هي قيصر الذي يسعى لأسلمة هذا البلد فقد قرر عم قيصر تغيير اسم القرية إلى اسم محايد تمهيدًا لتغييره فيما بعد باسم إسلامي، وهذا الاحتمال هو مربط الفرس.
فلقد انتشرت في السنوات الأخيرة أسماء الشوارع والأحياء الإسلامية وها قد فرغت الحكومة من ذلك حتى بدأت في تغيير أسماء القرى والبقية تأتي، حتى أنني لا أستبعد أن تتخذ الحكومة قرارًا يومًا ما بتغيير أسماء الكنائس والأديرة إلى أسماء إسلامية، فنصحوا فجأة لنجد لدينا كنيسة الشهيد العظيم حسن البنا ودير الإخوان بوادي النطرون.
إن قرار تغيير أسم قرية أبو حنس حتى ولو تم إلغاءه فهو بمثابة رسالة ترسلها الدولة إلى الأقباط مفادها أنة قد حانت الساعة لإعلان الهوية الإسلامية لمصر ومحو كل الثقافات والحضارات التي تكون مع الحضارة الإسلامية الهوية المصرية، فلم تعد بعد هوية مصر مصرية ولكنها أصبحت وهابية صحراوية وأنه على القبط التنازل عن تاريخهم وحضارتهم وثقافتهم إذا ما أرادوا العيش بسلام في هذا الوطن، ولكن ما لم تحسب حسابه الدولة أنه على الرغم من بساطة وفقر وجهل المواطنين بتلك القرية إلا أن جذورهم الممتدة والمتشعبة في أرضهم قد خرجت فجأة منفجرة من الأرض لتشكل في مجموعها اسم أبو حنس ليرتفع عاليًا قويًا في وجه معارضيه في ملحمة وطنية شعبية وليست دينية لتأكيد الأصول القبطية للقرية، ليبقى على الدولة أن تكف عن استفزاز الأقباط واستنفارهم، فالفتنة اليوم أرادتها الدولة ولن تستطيع التخلص منها بإلقائها على الكنيسة كما تفعل كل مرة وحسنًا فعلت بتراجعها عن ذلك القرار، ولكن يبقى فى النهاية جرس إنذار يحذر القبط مما هو قادم، فإن تراجعت الدولة اليوم فسوف لن تتراجع غدًا وعلينا توقع المزيد من تلك القرارات في الأيام المقبلة، فالإنتخابات على الأبواب ولن تجد الدولة مطية تزايد عليها وتركبها في تلك الإنتخابات سوى الأقباط.
فيا أيها الأقباط لا ترضوا لأنفسكم ان تكونوا مطية لأحد. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|