بقلم: مايكل فارس
ذاك الزيت الذي يترك سمة لا تُمحى هكذا الحب، هكذا هي اللحظات التي مرت في أوقات لن تعود بل ستظل ومضات تضئ في ظلمات الحياة.
أتذكر تلك اللحظات حين تداعبني مشاعري كيف القلب ينهال بكائه.
تلك الإبتسامة.. تلك العيون.. كيف أنساها؟ لقد مرت عليّ ويا ليتها ما مرت، لم أرغب في أن أداعبها الحديث أو أتبادل أطرافة معها، ولم أرغب في الجلوس بجوارها حتى كان يكفيني أن ترى عينيّ ملامح من وجهها عند مرورها على بعد عشرات الأمتار، فتكفي أشلاء هذه الملامح أن تجعلني سعيدًا أيامًا بأسرها فكنت أفكر ألف مرة قبل أن أتبادل حديثًا معها!! وكيف أتحدث فلم أكن أتحدث.. كنت أصمت فلم يعتاد لساني أن ينطق بما يحمله قلبي، بل كانت الأعين هي التي تتحدث نيابة عني فكنت مفضوحًا أعيني التي كشفت سر دفين لم يجرؤ لساني على البوح به.. فيكفيني أن تزور خيالي.
فتلك الرابضة على بُعد مئات الأميال ولا أدري عنها شيئًا، فمرت ثلاث سنوات منذ آخر لقاء رأيتها فيه.. بعد يومين عيد ميلادها ولَكَم أشتاق لتهنئتها ولكن.. أين هي؟ لست لأدري.. انقطعت اللأخبار كالمياة التي انقطعت عن الأرض فأصبحت أرض جرداء.
أيام لا أتذكر تفاصيلها ولكني أتذكر مشاعرها.. أحاسيسها.. أيام كانت تمر عليّ ولكن كل ما أتذكره هي دموع وفرحة نتيجة مشاهدة الصفات التي تجسدت فيمن كنت أحلم بها.. مشاهدتها عن بعد فقط.
مرت سنوات طوال ولا زالت تلك المشاعر تراودني في أحلامي منامي بل حتى همسي مشاعر تقتحم خلوتي رغمًا عن أنفي، ولا استطيع أن أطردها، وكيف أطردها؟ فهي الباقية لي من مشاهد مرت بذهني عبر سنوات طوال.
قلعتي ضعيفة دون أسوار ولا حراس وأنا وحدي.. فكيف لي أن أصد هجومًا من جيوش جرارة أعدت العدة لاختراق أعزل في قلعته، تلك العيون وما بها من رموش، فكل رمش كسهم يخترق القلب ويفلقة نصفين بل أنه رمح ذو حدين إن اخترق لا يعود فارغًا، أسلحة لم أعتد على مواجهتها.. الإبتسامة سلاح.. والضحكة سلاح.. والسكوت سلاح.. والكلام سلاح.. والصمت الدفين سلاح.. والنظرة سلاح.. والحزن سلاح.. والفرح سلاح.. والجمال سلاح.. والصوت سلاح.. والحب سلاح... وأنا أعزل السلاح، فكيف لي أن اقاوم تلك الأسلحة المسنونة؟ كان لا بد وأن تخترقني لترميني أرضًا بين الحياة والموت، استسلمت ورفعت رايتي وصرت عبدًا لمملكة جديدة كنت فيها سيدًا يومًا ما، ولكني بعد تلك الحرب صرت أسير لا أرغب التحرر.. وكيف أتحرر؟! تلك الحرب التي خسرت فيها عقلي وخسرت فيها أحلامي وخسرت قلبي وخسرت نفسي.
فبعد أن هزمتني تركتني ورحلت وماذا بعد الرحيل؟. لقد رحلت تلك الملكة التي جاءت وتوجتها على مملكتي رحلت عني لتتركني أسير في مملكتي التي كنت يومها ملكًا فيها، تركتني عبدًا لا يقوى على شيء، لا يقوى إلا على التذكر. كان ملكًا فارسًا فأصبح قلبًا بلا عقل وإن أصبح عقل، فهو عقل بلا فكر وإن كان هناك فكر فهو فكرضعيف يأبى التفكير، فكيف يُفكر بغيرها؟ أصبح فكر كل ما يقوى عليه هو أن يمر عبر تلك السنوات العتيقة.. السنوات العتيقة.. يا لها من كلمة وكأن تلك الحرب من قرون، ولكنها بالفعل من قرون وسنوات غابرة مرت بأحزانها وأوجاعها التي أصبح القلب لا يقوى إلا على تذكرها وأن يرثيها حزنًا ويبكيها ألمًا ويملأها نوحًا بعد أن رحلت الملكة وبقى قلب جريح ذو مشاعر لا أحد يشعر بها، مشاعر حبيسة لا تخرج لأحد، أصبحت كالجن القابع في القمقم منتظرًا من يحرره.
ملكتي التي أصبحت مثل الرياح والهواء اللذان لا يراهما أحد ولكنهما موجودان. كل يوم لا أراها ولكن كل يوم أشعر بها.. أتنفسها كالهواء.. فلا يمر يومًا دون أن اشعر بها.
هي ليست في قلبي ولا فكري ولا وجداني بل هي تجسد لكل هؤلاء أمامي، فبدونها ما كان للقلب شعور ولا للفكر تعقّل ولا للوجدان معنى، فهي التي أخرجت كل هؤلاء من جعبتهم.
ليس الحب هو أن تحب شخصًا ذو صفات معينة بل أن تعشق شخص يجسد لك مكنوناتك ومشاعرك التي لولاه ما كنت ستشعر بها.
فإلى التي كتبت من أجلها تلك الحروف والتي لا أعلم عنها شيء منذ سنوات ولكني لا زلت اتنفسها يوما بعد يوم، أراها متجسدة ليس في خيالي بل في واقعي، تلك المشاعر التي تركت سمة لا تُمحى كزيت الميرون، تلك الإبتسامة التي لا زالت ترتسم في خيالي، تلك الجميلة التي كلما مررت بحزن أو ألم أهرب منه بتذكرها، فذكراها كافية لتمحو الألم. أبتسم معها في خيالي فأسرق الإبتسامة لواقعي فأصبح سعيدًا، يسألوني كنت حزين من لحظات فما بالك سعيد الآن؟ أقول لهم لا شيء!! ولا أحد يعلم إني اختلست السعادة والإبتسامة من تلك التي جاءت يومًا وحاربتني في عقر داري ومملكتي وأصبحت أسيرًا لها.. أختلس السعادة من الخيال على أمل أن يأتي ذاك اليوم الذي أختلسه منها عندما أراها.. لست أدري هل سيأتي هذا اليوم أم لا..؟ لكني أدري أني أعيش على أمل أتمنى أن يتحقق! فأسأل نفسي كثيرًا ماذا سيحدث لو رأيتها؟ ولكني أوقف خيالي عن التفكير لأن ذاك السؤال هو كافي لأن يجعل أعيني تدمي حزنًا وبكاءًا على لحظات أشتاق إليها.
فإلى... من جسدت تلك اللحظات وملكة.. الفارس الأعزل الذي أضحى دون سلاح وأصبح عبدًا للخيال، فإلي تلك القاطنة على مرمى بصر من عيني تداعبني أطيافها فأرسل لها ليس أشواقي ولا كلماتي بل أُرسل لها لهيب من مشاعر هي التي صنعتها وبأيديها شكلتها وبدونها ما كانت عرفتها..
كيف أكتب هذه المشاعر؟ هل هناك كلمات تُعبر عما يجيش به القلب؟ وكيف أُعبر عما يجري في جسمي ونفسي كلما تذكرتها أو سمعت اسمها؟ إنها إحساس شاءت الأقدار أن يكون حبيسًا لا ضلع أبت أن تُخرجها وكيف تُخرجها.. فلن تخرجها!! |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|