بقلم: بولس رمزي
لقد لقنتنا قرية دير ابو حنس التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا درسًا قاسيًا –حقا إنه كان درسًا قاسيًا تعلمناه نحن أقباط مصر سواء كنا في الداخل أو الخارج– لقد كان درسًا قاسيًا تعلمه النظام المصري الذي ما زال مصابًا بانفصام في الشخصية، نظام يتفاخر بمادة دستورية غير فاعلة تكرس حق المواطنه لكنه يمارس العنصريه في أبشع صورها بمخطط يرمي إلى طمس الهوية القبطية وأسلمة كل شيء في مصر من بشر ومدن وقرى وشوارع وميادين وحارات وأزقة، ومن خلال مقالي هذا أوجه تساؤلاتي للأطراف التالية:
أولاً – أبطال قرية دير أبو حنس
ثانيًا – الأقباط في الداخل والخارج
أولاً – أبطال قرية دير أبو حنس
لقد لقننا رجال القرية درسًا كبيرًا في كيفية انتزاع الحق من بين أنياب هذه الحكومة العنصرية التي اعتدنا منها على المباغتة في هجومها العنصري على أقباط مصر، لكن رجال قرية دير أبو حنس كانوا لهذا المحافظ بالمرصاد ونجحوا في تلقينه درسًا لن ينساه عندما أرغموه على التراجع عن هذا القرار العنصري وإعادة اسم القرية التاريخي، والغريب في الأمر نجد التخبط الذي وقع فيه المحافظ في تصريحاته لوسائل الإعلام مبررًا أسباب اتخاذ قرار التغيير والتخبط المخزي في تبريراته لأسباب التراجع، فكانت تصريحاته غريبة وغير مقنعة عندما يصرح سيادته: (إن المحافظة لم تتعمد إلغاء اسم القرية لأية أسباب، ولكن ما حدث هو أن الإدارة المحلية بالمنيا لم تأتها أية أوامر بتغيير اسم القرية، ولكن القرار صدر عن طريق الخطأ، نظرًا لتغيير السجل العيني بالمنيا).
وعندما وجهت إحدى المحطات الفضائيه سؤلاً لسيادته عن أسباب التراجع هل كان بسبب ضغوطًا قبطية أجباب سيادته:
(إن قرار استمرار مسمى القرية كما هو دون تغيير، إنما جاء اتساقًا مع الواقع الفعلي والتاريخي للقرية المرتبط بالعقيدة، وليس استجابة لأي ضغوط خارجية أو داخلية". وأضاف: "إن المواطنة مبدأ أساسي في الدستور المصري، أقره الرئيس مبارك في التعديلات الأخيرة للدستور، ومن هذا المبدأ نحن نحترم التاريخ القبطي والآثار القبطية في مصر، والتي يعد دير أبو حنس في المنيا أحد معالمها").
وردًا علي تصريحات سيادة محافظ المنيا أود أوجه لسيادته مجموعة من الأسئلة أوجزها فيما يلي:
1- كيف لقرار بتغيير اسم تاريخي لقرية أن يتم بطريق الخطأ؟ هل تم تضليل سيادته أثناء التوقيع على قرار تغيير اسم القرية؟ إذا كان قرار السيد المحافظ بتغيير اسم القرية جاء بقناعة منه فالمصيبة كبيرة أما إذا كان هناك من قاموا بتضليل سيادته وجعلوه يصدر هذا القرار دون أن يعلم فالمصيبة أكبر وأفدح.
2- عندما يقول سيادته أن قرار الإبقاء على اسم قرية دير أبو حنس كما هو وأن الرجوع عن هذا التغيير يأتي في سياق الواقع الفعلي والتاريخي للقرية وهنا اتعجب لأمر سيادة المحافظ! فهو يعلم بالواقع الفعلي والتاريخي لاسم هذه القرية ويعلم أن الواقع الفعلي والتاريخي يلزمانه بالإبقاء على الاسم القديم لهذه القرية، فكيف له وهو يعلم كل هذا يقوم بإصدار قرار بتغيير هذا الواقع التاريخي والفعلي؟!
3- الأعجب أن سيادته لديه علم بأن الدستور المصري ينص على مبدأ المواطنة، والأغرب أن سيادته وهو على رأس السلطة التنفيذية في محافظة من كبرى محافظات الصعيد أن يقول أن السيد رئيس الجمهورية هو الذي أقر هذه المادة، ونسى سيادته الشكل الديموقراطي للدولة على أقل تقدير ولم يكن لدى سيادته علمًا أن الذي أقر التعديلات الدستورية هو الشعب المصري في استفتاء عام وليس رئيس الجمهورية، وبالرغم من علم سيادته بأن الدستور المصري يحترم مبدأ المواطنة فنجد سيادته ينتهك مبدأ المواطنة ويصدر قرارات من شأنها طمس الهوية القبطية للقرية، وهنا أتساءل.. أين كان مبدأ المواطنة يا سيادة المحافظ عندما أصدرت قرارًا ينتهك الدستور المصري؟!
ثانيًا – أقباط الداخل والخارج:
أتمنى على جميع الأقباط سواء كانوا داخل مصر أو خارجها اليقظة، فإن هناك مخططًا يهدف إلى طمس الهوية القبطية في مصر، لا بد وأن نكون وعينا الدرس جيدًا، فلا يمكن أن أنسب هذا النجاح في إرغام سيادة محافظ المنيا على العدول عن هذا القرار العنصري لجهة بعينها فهو نتيجه إيجابيه لتضافر الجهود بين أقباط الداخل وأقباط الخارج من أجل الحفاظ على هويتهم، لكن بالرغم من هذا فإن النجاح الأكبر يرجع لرجال وأبطال قرية دير أبو حنس الذين وقفوا أمام هذا المخطط حفاظًا على هوية قريتهم التاريخية.
أخيرًا..
لا يمكن إلقاء اللوم على المحافظين في مثل هذه التصرفات لأنهم مجرد أدوات ينفذون ما يُملى عليهم من سياسات من شأنها محو الهوية القبطية من الشارع المصري، ولا ننسى في الأيام القليلة الماضية ما قام به محافظ القاهرة من تصرفات مماثلة نحو تغيير بعض الأسماء التاريخية عن شوارع وميادين حي شبرا، وهذا إن دل على شيء فهو يدل أنه مخطط دولة وليست تصرفات لبعض المحافظين التي قراراتها لا تمثل أي قدر من الأهمية، ونرى الآن كيف أن قرار السيد المحافظ قد تم محوه بقرار سيادي وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنه لا يجب علينا أن نأخذ بقرارات مثل هؤلاء المحافظين التي ما هي إلا أدوات في أيدي النظام، وبالتالي فإن محاولات طمس الهوية القبطية عن الشارع المصري هي مخطط دولة وليست قرار صادر من محافظ، فإن القيادة السياسية تستخدم السادة المحافظين في تمرير سياساتها العنصرية فإن نجحت في هذا انتهى الأمر أما إن فشلت في تمرير مثل هذه القرارات كما هو الحال في قرية دير أبو حنس فإن المحافظ وحده يتحمل النتائج وتظل القيادة السياسية في مأمن بعيدة عن أي اتهام وجميع الإتهامات يتم تسليطها ضد هذا المحافظ، وإذا استدعى الأمر استبعاد هذا المحافظ من موقعه فلا مانع لدى القيادة السياسية من ذلك في سبيل تجميل نفسها أمام المجتمع الدولي.
ولذلك فإن مثل هذه التصرفات إذا انطلت على المجتمع الدولي لا يمكن أن تنطلي علينا كأقباط, الحكومة المصرية هي المتهم الحقيقي في جميع ممارسات انتهاك حقوق المواطنة للأقباط.
بولس رمزي |