بقلم: د.عبد الخالق حسين وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار هذه الانتفاضة في طهران والمدن الإيرانية الكبرى الأخرى هي ثورة شعبية عارمة على دكتاتورية النظام الثيوقراطي، تشبه تماماً الثورة الإيرانية الأولى التي اندلعت عام 1979 احتجاجاً على ديكتاتورية الشاه، الثورة التي شاركت فيها جميع الطبقات الشعبية والقوى السياسية، العلمانية والدينية، ولكنها في نهاية المطاف سرقت منها من قبل التيار الإسلامي بقيادة الخميني. وكانت الجماهير الواسعة تأمل من ثورتها تلك تحسين أوضاعها المعيشية، وممارسة حرياتها، إلا إنها لم تنل أي شيء، وقد رد الخميني على المطالبين بتحسين أوضاعهم المعيشية فيما بعد بتهكم قائلاً: "أن الشعب الإيراني لم يثر من أجل العلف" أي أنه ثار من أجل الدين، وبذلك فقد أسقط الخميني العامل الاقتصادي ومعاناة الناس من الفقر والاستلاب من أسباب الثورة، وركز فقط على العامل الديني، وكأن الشاه كان قد منع الإيرانيين من أداء الفروض الدينية. نعم، ما يجري في إيران اليوم هو ثورة شعبية بكل معنى الكلمة، وهي حصيلة تراكمات لمعاناة وخيبة أمل الجماهير خلال الثلاثين عاماً الماضية حتى بلغت مرحلة الانفجار. إذ يجب أن نعرف أن 70% من الشعب الإيراني هم دون الثلاثين عاماً من العمر، أي أنهم ولدوا بعد الثورة، ونحو 50% منهم دون 25 سنة، ونسبة البطالة في عموم القوى العاملة نحو 20% ونحو 25% في أوساط الخريجين الجامعيين، وقد حرم الشعب من الخبز والحرية ولا أي بصيص أمل لهم للمستقبل. كما وفشل حكم الملالي إقناع غالبية الشعب بالتمسك بالدين، إذ تفيد الأرقام التي كشف عنها رئيس الشؤون الثقافية في بلدية طهران، في مؤتمر صحفي قبل سنوات أن نسبة غير المصلين قد تجاوزت 80%، و نسبة الإباحية 60%، وبلغت نسبة المدمنين على المخدرات 20%. وبذلك فقد حقق النظام الإسلامي في إيران نجاحاً باهراً في إبعاد الناس عن الدين. كذلك خيَّبَ الإصلاحيون من داخل النخبة الحاكمة، آمال الشباب في الإصلاح الذي وعدوا به، وخاصة الرئيس السابق محمد خاتمي الذي حصد أعلى نسبة من الأصوات، وخاصة في انتخابات رئاسته الثانية، ولكن لم يستطع تنفيذ وعوده الانتخابية، إما لأنه كان مكبلاً بقيود النظام، أو لأنه لم يكن إصلاحيا حقيقياً، بل أراد امتصاص غضب الجماهير وحماية النظام. وحتى وعود المرشح الإصلاحي الحالي، مير حسين موسوي، ليس مؤكداً أنه كان بإمكانه تنفيذها، فالأمور بيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، أي "الولي الفقيه" وهو السيد علي خامنئي، ومجلس صيانة الدستور غير المنتخبين من قبل الشعب. وكما تقول الحكمة، أن الفضل في فوز المرشح السيئ يعود بالأساس إلى مقاطعة الأخيار للانتخابات. وهذا ما حصل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية السابقة عام 2005، عندما فاجأ محمود أحمدي نجاد، غير المعروف خارج طهران، الشعب الإيراني بفوزه على منافسه المعروف الشيخ هاشمي رفسنجاني، وذلك بسبب مقاطعة الجماهير المطالبة بالإصلاح لتلك الانتخابات نتيجة الإحباط الذي أصابهم من فشل الرئيس السابق محمد خاتمي في تنفيذ وعوده بالإصلاح. كما ولم يكن الشيخ رفسنجاني يتمتع بسمعة جيدة لدى الشعب بعد أن كان رئيساً للجمهورية لدورتين متتاليتين ودون أن يقدم أي عمل إصلاحي. كذلك نعلم أن السيد مير حسين موسوي كان رئيساً للوزراء في عهد الخميني، وكما أخبرنا الآن – الكاتب الإيراني المعروف، السيد أمير طاهري- أن موسوي هو ابن عم السيد علي خامنئي، ولكنهما ليسا على وئام. لذا لم يتوقع أحد من هكذا شخص أن يحقق طموحات الشعب في الإصلاح المطلوب، ما لم ترغمه الجماهير على ذلك. ولذلك فقد استخلصت الجماهير الإيرانية درساً بليغاً من تجاربها السابقة، فشاركت بكل ثقلها هذه المرة في الانتخابات من أجل إلحاق الهزيمة بمحمود أحمدي نجاد ومنعه من الفوز ثانية والتخلص منه. لذا بلغت نسبة المشاركة رقماً قياسياً أكثر من 80% من الذين يحق لهم التصويت ومعظمهم من الشباب والنساء. وقد ساعد تزييف الانتخابات على تفجير القنبلة الموقوتة ضد النظام، ليس من أجل موسوي بل من أجل التغيير الجذري للنظام. هناك عدة ملاحظات واستنتاجات جديرة بالذكر، وهي كما يلي: 2- واستنتاجاً للملاحظة الأولى، فقد خسر المرشد الأعلى السيد علي خامنئي مصداقيته وقداسته، بل وهتفت الجماهير ولأول مرة بسقوطه، إضافة إلى الهتافات المتكررة "الموت للدكتاتور". والمقصود بهذا الهتاف هو المرشد الأعلى وليس محمود أحمدي نجاد الذي يعرف الجميع أنه مجرد خادم مطيع للمرشد. وهذه سابقة في النظام الإسلامي الإيراني، إن دل على شيء فإنما يدل على فقدان هيبة المرشد ومصداقيته، حيث سقط جدار الخوف لدى الجماهير في تحدي النظام الحاكم. 4- وبناءً على الملاحظات السابقة، فهناك احتمال كبير أن معظم رجال الدين وقادة الإصلاح السياسي من داخل المؤسسة الحاكمة توصلوا إلى قناعة أن النظام الإسلامي قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق ما كانوا يأملون من ثورتهم الإسلامية، وأن النظام الإسلامي قد استنفد دوره وصار يهدد الشعب الإيراني بالكوارث، لذلك حان الوقت لتغييره قبل فوات الأوان. 5- يبدو أيضاً، أن توَصَّلَ الإصلاحيون ومعهم رجال الدين الكبار، إلى أن إصرار الثنائي، خامنئي ونجاد على البرنامج النووي غير المجدي، وتصدير الثورة الإسلامية، والتدخل الفض في شؤون دول المنطقة، وصرف المليارات من الدولارات من أموال الشعب المحروم، على مليشيات وأحزاب دينية في الخارج لزعزعة الأوضاع وخلق عدم الاستقرار في دول المنطقة، ستقود إيران إلى كارثة ماحقة، وإلى المزيد من العزلة وفرض الحصار الاقتصادي عليها، واحتمال شن حروب مدمرة عليها من قبل إسرائيل وربما حتى أمريكا كما حصل للنظام البعثي في العراق. هل هناك أدلة على تزييف الانتخابات؟ أما موقف العالم الخارجي وبالأخص أمريكا، من الانتفاضة، فقد [أوضح الرئيس أوباما سبب عدم ظهور الولايات المتحدة بمظهر الداعم للمعارضة قائلاً إن "أسهل ذريعة يمكن أن يستخدمها الرجعيون لقمع الإصلاحيين هي اتهامهم بتلقي دعم أمريكي".] وهذا ما حصل بالفعل، فقد اتهمت إيران الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بالتدخل. ولكن الدعم الرئيسي للمعارضة من الخارج يأتي من الإعلامي المعولم على مدار الساعة من فضائيات وإذاعات وانترنت ومراسلي الصحف، فرغم محاولات الحكومة الإيرانية فرض التعتيم على ما يجري من انتهاكات ضد الجماهير المنتفضة، فقد بات العالم يشاهد ما يجري في إيران أولاً بأول، وهذا الدعم الإعلامي يعطي سنداً معنوياً للجماهير وزخماً متزايداً للانتفاضة الشعبية، تقرب ساعة سقوط النظام. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت | عدد التعليقات: ٢ تعليق |