بقلم: د. ميشيل فهمي
انتظرت حتى تهدأ موجة زحم وزخم التعليقات على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي المسيحي أوباما بجامعة القاهرة بعد ظهر الخميس 4 يونيو، لأدلي بدلوي في هذا الحدث… لا الخطاب…. لأن شخصية مٌلقي الخطاب ومكان إلقاء الخطاب ومضمون الخطاب، هذه العوامل صَنَفتّ الخطاب من خبر إلى حدث.
لم يٌخَيِب سيدي أبو حسين أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ظن الحكومات الإسلامية والمسلمين فيه... وأعطاهم خطابًا إسلاميًا، أقاموا له -كالعادات والتقاليد الإسلامية والعربية– مولدًا لكن بلا حمص، لأن الحُمُص سيقومون هٌم بتوفيره ليس فقط حتى نهاية أيام المولد بل على مدار الأعوام المقبلة، والحٌمُص هنا يعني الخطوات التي يجب أن تقوم بها الحكومات الإسلامية لتتلاقىَ مع مُتطلبات فتح يدي الرئاسة بالبيت الأبيض لتأخذهم بالأحضان الدافئة.
لكن، في مُجمل الأمر جاء الخطاب نموذجًا للخطاب السياسي الدولي من حيث التوازن والتوازنات، ودراسة الأفكار بعناية فائقة، واختيار الألفاظ بأسلوب لغوي راقي... والذكاء الحاد لِمُلقي الخطاب بل حتى وطريقة الإلقاء.. عكس تركيبة شخصية سابِقيه بدءً من الرئيس الأمريكي جورج بوش والأربعة رؤساء السابقين له المختلفة تمام الاختلاف -لا الخِلاف– عن أوباما.
وعنيت أن أقول الاختلاف... في الشخصية لا الخِلاف في القضية، فالسياسات والاستراتيجيات الأمريكية يكون الاتفاق الأول والأخير والأساسي والتجذيري بها هو: المصلحة العليا الأمريكية ومصلحة المواطن الأمريكي في المقام الأول وفي كل المقامات، لكن الاختلاف في شخصية المنفذين لتلك السياسة بما يتناسب مع الأزمنة والظروف العالمية وتوافق ذلك مع المصالح الأمريكية من عدمه.
بمعنى عكس ما اعتقد الكثيرين وطنطنت وبرطمت الآلة الإعلامية العربية الإسلامية من أن أوباما سيفعل وسيقوم بما لم يفعل ويقوم به لا الأولين ولا الآخرين... نعم، لكن ليس أوباما حيث غاب عن الفِطنة العربية الإسلامية المُوجّه لها الخِطاب أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة ديمقراطية.. دولة مؤسسات.. دولة تُحكَمْ بمجلسين تشريعيين... دولة تساهم المصالح الاقتصادية المتمثلة في الشركات المتعددة الجنسيات والشركات عابِرة القارات كشريك أساسي مُساهِم في وضع استراتيجيات وأيدلوجيات وسياسات الحُكم.. وأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة لا تعرف الحُكم الشمولي، بحيث يغير أساس سياساتها فردًا وحتى ولو كان زعيمًا كاريزميًا بلا حدود.
فبعد أحداث 11 سبتمبر المأساوية الكارثية لا على الولايات المتحدة الأمريكية فقط بل على البشرية كلها... كان على أمريكا أن تتخذ سياسات وخطوات تتناسب وتلك الفترة من هجوم مرتب منظم متواصل على كل ما هو إسلامي بسبب أن المخططين والمنفذين لهذه الكارثة اللا إنسانية هم مسلمون ... فأُسِسَ سجن أو معتقل جوانتانامو وترتب على ذلك وانطلاقًا من مبدأ المصلحة الأمريكية العليا وتحت مختلف المُسميات والأسباب تم احتلال العراق والسيطرة على موارده بما يعود على الاقتصاد الأمريكي بكل نفع وفائدة، واحتلال أفغانستان والتحكم الكامل بباكستان.. الخ واستمر ذلك طوال حكم الرئيس جورج بوش حوالي 7 سنوات.
ثم جاءت فترة التغيير والمهادنة أيضًا من منطلق المصلحة الأمريكية العليا بتغيير السياسات والاستراتيجيات والأيدلوجيات السابقة مما يتطلب تغيير الأشخاص والشخصيات والوجوه لتنفيذ تلك السياساتhg[]d]m ولعبت الآلة الجهنمية للميديا الأمريكية دورها لتكوين رأي عام أمريكي ودولي بكل أدواتها من صحافة وتليفزيونات ومدونات ومؤسسات تفكيرية وبحثية، لعبت دورها بعد أن زودتها المؤسسات الفكرية بالمادة اللازمة لتعبئة الرأي العام... مُركزين أهدافهم محليًا على الشباب.... وكانت النتيجة انتخاب باراك حسين أوباما المُختلف في كل شيء لتنفيذ السياسة الأمريكية الجديدة المختلفة –لا الاختلافية – في كل شيء أيضًا بأطقم حُكم جديدة تتماشى مع السياسات المستحدثة والجديدة بالداخل والخارج وخصوصًا الخارج لأنه مؤثر تأثيرًا فعالاً ومباشرًا على الداخل.
وفي هذا السياق.. إذا تطلعنا إلى أين تقع أهم الأماكن والدول والأسواق التي ذات أهمية خاصة جدًا جدًا للولايات المتحدة، من الناحية الاستيرادية نفطًا والتصديرية سلعًا وتكنولوجيا لوجدنا أنها الأماكن والدول والأسواق الواقعة بالبلدان الإسلامية.
ومن هنا جاءت زيارة الرئيس الجديد لتركيا وللملكة العربية السعودية، ثم إلقاء خطابه من جامعة القاهرة
ألقىَ الرئيس أوباما خطابًا إلى العالم كله، لا إلى العالم الإسلامي -لأنه سبق وقلنا أن مخاطبة العالم الإسلامي باطلة– لِعدم وجود ما يُسمي بالعالم الإسلامي.
خطاب الـ 55 دقيقة لا يمكن أن يُتناوَلْ من 7 زوايا هي عدد القضايا الأساسية التي تضمنها الخطاب لأن هناك كثير من القضايا الضمنية والغير مباشرة في الخطاب بل هي على نفس قدر أهمية القضايا المعلنة، من تلك القضايا أو المواضيع الغير مباشرة ما قاله الرئيس أوباما من أن إقامة الدولتين – الفلسطينية والإسرائيلية – مسألة هامة وحيوية وأن فيها الحل للقضية الفلسطينية.. ولم يكن ذلك من منطلق العدل أو الحق الفلسطيني بل من مصلحة أمريكا بالدرجة الأولى لسبب بسيط وغير معلن، وهو: أن الجغرافيا السياسية والحدودية لأمريكا اختلفت، فلم تَعُدّ المكسيك أو كندا بل أصبحت بالإضافة إلى ذلك الخليج بكامل دوله، وباكستان وأفغانستان، والشرق الأوسط بل والصين.. بدليل تواجد 230 ألف جندي أمريكي بكامل عتادهم وعددهم خارج الولايات المتحدة... وعليه كانت ضرورة إقامة دولة فلسطين هي ضرورة أمن قومي أمريكي.
ومعلومة لا تذكر كثيرًا، هي أن هناك قانون أمريكي صادر من مجلسيه التشريعين الكونجرس والِسِنتّ بعدم ومنع وتحريم تزويد الفلسطينيين بالأسلحة.. ولو طلقة رصاص واحدة وهذا يؤكد أن أمريكا لا تستطيع مساعدة فلسطين إلا بهذا الحل الأمريكي الذي فيه مصلحتها ومصلحة إسرائيل وما تبقى من مصلحة فلسطين.
أما بالنسبة للقضية القبطية في مصر فقد غطاها السيد الرئيس الأمريكي في خطابه البالغ 4893 كلمة، بكلمات عامة عددها 29 كلمة فقط، موحدًا إياها مع قضية الموارنة بالجمهورية اللبنانية، متناولاً إياها من وجهة نظر أهمية التعددية الدينية فقط حيث قال بالنص: (ثمة توجه في بعض أماكن العالم الإسلامي ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقًا لموقفه الرافض لعقيدة الآخر، أن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر).
بينما ذكر كلمات (إسلام – إسلامي – مٌسلِمّ) 49 مرة، وذكر القرآن الكريم وسماه Holy Quran) 5) مرات، والإنجيل مرة واحدة.
وهذا يدل على: أنه على أقباط الداخل وجنرالاتهم في الخارج أن يعتمدوا على الرب أولاً وعاشراً.. ثم على أنفسهم والتخاطب مع المؤسسات الحقوقية في الداخل والخارج لأن أمريكا لا تنظر إلي أمر من الأمور أيًا كان إلا بعيون مصالحها فقط.
الخطاب في مجمله أكثر وأكبر من جيد، ولكن ما أردت إبرازه بوضوح أن ما جاري حاليًا على الساحة الأمريكية، ليس من صنع الرئيس أوباما منفردًا ومتفرِدًا، بل هو من صنع ووضع المؤسسات الأمريكية واضعة السياسات الإستراتيجية والتي لا تتأثر برؤساء مهما كانت شخصياتهم، وإن اختيار الشخصية الملائمة ذات الصفة المناسبة لتنفيذ تلك السياسات مهم جدًا لواضعي ومخططي تنفيذ تلك الاستراتيجيات
وللتحليل بقية.. عن المأزق الإسلامي لأنه طالب دولة بالشِراكة.......
العرضحالجي المصري - د. ميشيل فهمي |