CET 08:21:26 - 22/06/2009

مساحة رأي

لا شك أن أجيالاً من الصحفيين المصريين والعرب تعلموا أدوات التحليل والتعبير من كتابات الأستاذ فهمى هويدى، فهو مهنى لا يشقّ له غبار، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع توجهاته وحساباته، لكن لعله من سوء الطالع أو حسنه أننى كغالبية أبناء جيل الوسط، اكتوينا بنيران الكاريزما السياسية وتضليل البلاغة، فلم نعد نحبذ لعبة تقديس الأشخاص،

فكلَُ يؤخذ منه ويرد عليه، خاصة بعد أن أصيب جيل آبائنا بالاكتئاب وآثروا الانسحاب من المشهد السياسى، حين صدموا بهزيمة ١٩٦٧ النكراء التى ابتكر لها محترفو التبرير «افتكاسة» عنوانها «النكسة»، ثم روجوا لشعارات مضللة من طراز «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، بينما تحول أبناء هؤلاء الساسة الذين أوردوا البلاد والعباد موارد التهلكة إلى مليونيرات، ومعهم أيضاً أبناء الذين اجتهدوا فى تبرير استبداد صنّاع الهزائم، وتمرير سوء سياساتهم وخيباتهم.

كأننا لا نتعلم من خطايانا، فها هى الكرة تتجدد فى شأن ليس بعيداً عما يجرى فى بلادنا، فإن كانت بيننا وبين طهران آلاف الأميال، فإن إيران بإصرارها على العبث فى أخطر القضايا الإقليمية، تبدو حاضرة بشدة فى غزة ولبنان وسوريا والخليج والعراق وحتى مصر وهلم جرا.

فى البداية صمت هويدى، فلم يقترب من مسرحية إعادة انتخاب نجاد، ثم نطق أخيراً فى مقال بعنوان «الفقراء حسموا الانتخابات الإيرانية»، وبالطبع لن يعدم كاتب فى وزن هويدى حيلة العثور على مبررات وتفسيرات وقراءات وتخريجات، لأنه ببساطة لا تنقصه الموهبة ولا أدوات «المحامى الشاطر» ولا براعة إدارة المعارك السياسية والمناوشات الفكرية، فقد سبق له أن دافع عن طالبان والإخوان وكلشينكان.

إذن يتحدث هويدى عن فقراء إيران الذين حسموا المعركة ـ يقصد المهزلة التى راحت ضحيتها أرواح وأحلام ـ وعلى العين والرأس أن ينحاز الرجل للفقراء، لكن الأهم من ذلك ألا يغفو ضميره عن التعرض لتلك السياسات الخرقاء التى أدت لإفقارهم، وكيف بُددت أموال النفط الإيرانى فى مزاعم تصدير الثورة ودعم المتطرفين والمأزومين فى كل مكان، لاستخدامهم كورقة ضغط فى صراعات ضد خصوم من الغرب والشرق.

يعترف هويدى بأن المرشد على خامنئى يمتلك مفاتيح اللعبة السياسية، ويحمد الله أن إيران نجت من رياح «الاعتدال» الذى بشر به موسوى حين اعترض على الدعم الإيرانى لحزب الله وحماس، وقال إن حكومة بلاده تباهى بعزة الشعبين اللبنانى والفلسطينى، بينما تتجاهل عزة الشعب الإيرانى الذى يكابد الغلاء والبطالة والقمع باسم الدين، فأى مفارقة هزلية تلك حين يصبح كاتب مصرى ثورياً أكثر من رجالات الثورة الإيرانية أنفسهم.

فعلها اللبنانيون وأذاقوا «حزب الله» مرارة الهزيمة ليعرف حجمه الحقيقى سياسياً وليس مستبعداً أن يفعلها الفلسطينيون قريباً لينتفضوا على «ملالى حماس» مقابل الانحياز لثقافة الحياة والتوقف عن تقديم القرابين البشرية على مذبح الشعارات الجوفاء والمواقف الخرقاء ويوقف نزيف الدم الفلسطينى الذى تجاوز حدود العقل والمنطق، ومع ذلك سيخرج علينا هويدى ساعتها ليدين الأصابع الغربية التى »تخترق« ثقافتنا، متجاهلاً الاستلاب لصالح أجندة قومية فارسية، تتدثر زوراً بالتشيع، مع أن التشيع عربى النشأة والهوية.

إذن يحق لنا أن نتساءل: لماذا يصر هويدى على الدفاع عن نظم فاشلة ممعنة فى طغيانها، أذاقت شعوبها كل صنوف الهوان؟، ولماذا يدافع عن حكم دينى فاشى يعتمر عمامة «الفقيه الولى»، ويبيع المخدرات الفكرية للبسطاء؟، ولماذا يسعى لتلميع أنظمة فقدت أبسط مقومات وجودها وهى صون مصالح الناس؟، تماماً كما فعل من قبل حين استمات دفاعاً عن نظام «الجبهة» السودانى البائس، وعصابة طالبان الإرهابية.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق