بقلم: د. عبد الخالق حسين
بعد انفجار انتفاضة الشعب الإيراني احتجاجاً على تزوير نتائج الانتخابات، أُعلن أن المرشد الأعلى للنظام الإسلامي في إيران سيلقي خطاباً بالمصلين يوم الجمعة 19 من الشهر الجاري، في طهران، وأنه سيقدم حلاً عادلاً للمشكلة، وسيقف بمسافة متساوية من المتخاصمين لاسيما وأنهم جميعاً من داخل النخبة الحاكمة، فالصراع عائلي ليس غير!! كما يبدو على السطح. وقد حبس العالم أنفاسه لسماع ما سيتمخض عنه خطاب المرشد الأعلى، ولكن المرشد هذا قد أضاع الفرصة الذهبية، وخيَّب آمال الجميع، فقد أعلن نفسه طرفاً في هذا الصراع وانحاز بقوة إلى محمود أحمدي نجاد، واعتبر إعلان نتائج الانتخابات سليمة وصحيحة ولا مجال في الطعن بها، بل وهدد بالحرب على المعارضة، وأنه لن يتورع عن ارتكاب حمام دم لمنع تغيير النظام. وبذلك فقد كشف علي خامنئي الوجه الحقيقي الكالح لنظامه الإسلامي، وأسقط ورق التوت وبان المستور القبيح.
لقد ظهر خامنئي خلال خطابه مذعوراً ومهزوزاً، إذ راح يرعد ويزبد ويهدد الجماهير المنتفضة وقادتها بالويل والثبور وعظائم الأمور، بالمواجهة الدموية، وبارتكاب حمام دم ضد المعارضة، وتحميلهم مسؤولية المجزرة المنتظرة. كما وحاول شق المعارضة باسترضاء الشيخ هاشمي رفسنجاني المعارض، والذي هو رئيس مجلسي الخبراء وتشخيص مصلحة النظام، فراح يكيل له الثناء والمديح وتبرئته من تهمة الفساد...الخ في محاولة يائسة لاستمالته، ولكن يبدو أنه فشل في ذلك حيث تم اعتقال ابنة رفسنجاني، فائزة، في اليوم التالي، لمشاركتها في التظاهرات الاحتجاجية، بالإضافة إلى أربعة آخرين من أفراد العائلة.
في الحقيقة ليس غريباً أن يصدر مثل هذا التهديد من زعيم ديني مثل علي خامنئي الذي يعتبر نفسه الحاكم بأمر الله وأنه الولي الفقيه لجميع مسلمي العالم. فهذه هي سياسة الحاكم الديني الذي يمتلك السلطتين، الدينية والدنيوية في كل مكان وزمان، ويؤمن إيمانا مطلقاً بامتلاك الحقيقة المطلقة، وأي انتقاد له مرادف للكفر، معتمداً على أيديولوجية دينية شمولية تبرر له قتل كل من يختلف معه، ناهيك عن الذين يطالبون بالحرية.
لم يكن في خطاب المرشد أية إشارة تصالحية أو تفهم لمعانات الشعب الإيراني، وخاصة الملايين من الشباب الذين دفعهم اليأس من المستقبل إلى المجازفة بحياتهم والنزول إلى الشوارع في تحد شجاع لأعتى جهاز بوليسي قمعي، وهم يعلمون ما ينتظرهم من مخاطر. لقد جازف هؤلاء الشباب بحياتهم لأنهم ليس لديهم ما يخسرونه سوى أغلالهم- على حد تعبير ماركس.
وبتهديده للمعارضة بارتكاب حمامات دم ضد المعارضة، فقد قضى خامنئي على كل أمل في المصالحة، ولا بد من أن تكون هناك مواجهة دموية وربما حرب أهلية، وبالتالي غالب ومغلوب في هذه الصراع. وبذلك فقد خسر خامنئي وحكومة الملالي السلطة الأخلاقية التي ادعوها على الناس.
وكما علق الكاتب الإيراني المعروف أمير طاهري قائلاً: أن خامنئي بخطابه هذا قام بدفن الجمهورية الإسلامية وأعلن إمارة إسلامية بدلاً عنها، وصار هو أميراً للمؤمنين وخليفة للمسلمين.
فهل نجح المرشد الأعلى في وقف الانتفاضة وإجهاضها؟ وهل ستتوقف الجماهير عن الاستمرار في التظاهرات، أم ستستمر إلى أن تحقق ما تريد من أهداف وعلى رأسها إنهاء النظام الثيوقراطي الشمولي وإخراج إيران من عزلتها الخانقة، والانفتاح على العالم الحر؟
إن معظم الدلائل، وتصريحات قادة المعارضة تشير إلى استمرارية الانتفاضة حتى النصر النهائي ومهما كانت التكاليف.
فقد تحدت الجماهير تحذيرات خامنئي وواصلت في اليوم التالي تظاهراتها في أنحاء مختلفة من طهران العاصمة وعدد من المدن الأخرى. وفعلاً لم تتوانى الأجهزة القمعية في استخدام القسوة المفرطة في مواجهة المحتجين العزل، نلخص حصيلة المواجهات تلك، وفق ما نشرته وكالات الأنباء كالتالي:
قامت السلطات الإيرانية بنشر آلاف رجال الأمن في شوارع طهران بعد أسبوع من التظاهرات والمواجهات أسفرت عن مقتل 10 أشخاص يوم السبت، إضافة إلى 11 قتيلاً في مواجهات الأيام السابقة وجرح عشرات آخرين. ووصل عدد المعتقلين في المواجهات التي جرت مساء السبت في محيط ساحة آزادي في طهران إلى 457 معتقلا، إضافة اعتقال نحو 500 من المعارضة من قبل. كما وأسفرت المواجهات عن إصابة أربعين شرطيا بجروح وتضرر 34 مبنى حكوميا. واعتقال 33 صحفيا ومدونا منذ بداية الاحتجاجات. وطالبت السلطات الإيرانية مراسل بي بي سي، جون لاين بمغادرة البلاد. وقام المحتجون بإضرام النيران في محطتين للوقود وهاجموا نقطة عسكرية. (موقع بي بي سي نقلاً عن الإذاعة الرسمية الإيرانية. 22/6/2009)
وعلى أثر تهديدات خامنئي، حذر الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، المؤسسة الحاكمة من خطورة تداعيات منع المظاهرات الاحتجاجية على نتائج الانتخابات، وأشار في تصريح له بقوله: "إن منع الناس من التعبير عن مطالبهم عبر أساليب سلمية له عواقب خطيرة على البلاد". وكذلك أصدر رجل الدين الإيراني المعارض، آية الله حسين علي منتظري، بياناً على موقعه على الإنترنت قال فيه "إن مجابهة مطالب الشعب أمر محرم دينياً"، ودعا منتظري إلى الحداد ثلاثة أيام "على أرواح القتلى الذين سقطوا في المظاهرات الأخيرة في إيران". (نفس المصدر).
ولنظرية المؤامرة حضور أيضاً، فكالعادة في مثل هذه الحالات عندما ينفجر الوضع الداخلي ضد الاستبداد، ألقت الحكومة الإسلامية وعلى لسان وزارة خارجيتها، اللوم [على "القوى الغربية المعادية" ووسائل إعلامها بمحاولة نشر الفوضى والتخريب والسعي لتفكيك إيران.]
الملاحظ أن مطالب وطموحات الجماهير المنتفضة هي أعلى من مستوى وطموحات قيادتها السياسية المتمثلة بالسيد مير حسين موسوي وآخرين. فموسوي أمام اختبار عسير، إما أن يستجيب لنداءات الجماهير ويرتفع إلى مستوى المسؤولية، فتواصل الجماهير ثورتها وصولاً إلى التغيير المطلوب، أو يتراجع ويخذل الجماهير فيخسر مصداقيته وينتهي كسياسي، الأمر الذي سيدفع بجماهير الانتفاضة للبحث عن زعيم آخر كفء يناسب المرحلة. ويبدو أن السيد موسوي قد أدرك هذه الحقيقة، إذ صرح مؤخراً في بيان له قائلاً:"إن الأمر لم يعد محض قضية انتخاب، إنه يتعلق بطبيعة النظام بشكلٍ كلي". وهذا ما تناضل من أجله الجماهير.
لذلك فالمطلوب من قادة المعارضة، وبالأخص السيد موسوي، أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية وطموحات الشعب، ويتبنوا تكتيكات ذكية بأن يضعوا السلطة القمعية أمام مسؤولياتها إزاء كل قطرة دم تسفكها قواتها القمعية، وذلك بإعلان العصيان المدني السلمي، والاستفادة القصوى من التكنولوجيا الإعلامية المتطورة وكافة وسائل الإعلام العالمي لفضح السلطة الديكتاتورية، وإيصال كافة بياناتها ومطالبها إلى العالم وأنها تتبنى الوسائل السلمية لتحقيق مطالبها المشروعة، وبذلك سيحرج قادة المعارضة السلطة وتفضحها أمام العالم، خاصة وأن جميع القوى التقدمية وأنصار الحرية والديمقراطية في العالم يتعاطفون مع الانتفاضة.
نستنتج من كل ما تقدم ما يلي:
أولاً، إن الشعب الإيراني في حالة ثورة على النظام الثيوقراطي المستبد، تشبه إلى حد كبير ثورة عام 1979 على ديكتاتورية الشاه، وما تزييف نتائج الانتخابات الرئاسية إلا بمثابة إشعال فتيل هذه الثورة.
ثانياً، أن النظام الإسلامي أثبت فشله الكامل في حل مشاكل الشعب الإيراني المتفاقمة، وشعار (الحل في الإسلام) هو شعار خادع وزائف وفاشل، يقصد به خدع المسلمين لفرض الدكتاتورية باسم الدين.
ثالثاً، أن النظام الإسلامي، هو نظام ديكتاتوري مستبد ومهما تستر بالانتخابات، فهكذا نظام يستخدم الانتخابات لخدع شعبه والعالم، والادعاء بأن الإسلام السياسي لن يتعارض مع الديمقراطية، بل هو ديمقراطي أصلاً!! ولكن في نفس الوقت لن يتردد المرشد الأعلى عن التدخل الفظ لتزييف نتائج هذه الانتخابات وفرض مرشحه المطلوب رغم أنف الجماهير، وحتى اللجوء إلى الكذب الصريح.
رابعاً، إن النظام الإسلامي عنده الاستعداد الكامل لمواجهة الجماهير المحتجة إذا ما خرجت بمظاهرات احتجاجية ومهما كانت سلمية، وإغراق البلاد ببحر من الدماء، واتهام قادة المعارضة بأنهم عملاء للإمبريالية والصهيونية. وبذلك فقد أعلن خامنئي عن إفلاس نظامه، سياسياً وفكرياً وأخلاقياً.
خامساً، وأخيراً، إن ما يجري في إيران، هو درس بليغ للسياسيين الإسلاميين في العراق الذي تحرر تواً من نير الديكتاتورية الفاشية القومية، فلماذا يريدون توريطه في ديكتاتورية أخرى وبواجهة إسلامية؟ وهل يريد هؤلاء توريط الشعب العراقي لثلاثين سنة أخرى من المعاناة بديكتاتورية إسلامية أثبت فشلها في إيران وغير إيران وفي كل مراحل التاريخ؟ ولماذا يعملون على تكرار هكذا تجربة فاشلة ومميتة في العراق؟
لذلك، نهيب بكافة الساسة العراقيين، أن يستفيدوا من التجربة الإيرانية، بأن لا يدخلوا العراق في نفق النظام الإسلامي المظلم، فالعاقل من يتعظ بتجارب غيره
Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب:
http://www.abdulkhaliqhussein.com/ |