بقلم: ماجد سمير
"ثالثهما الاستعباط" الاسم المناسب لعقود طويلة ظل فيها العقل المصري حبيسًا بين أوامر البريهات وفتاوى العمامة، أوامر يصدرها رجل صارم الملامح يرتدي بزة عسكرية ويغطي رأسه "ببارية" غالبًا يكون "كاكي" اللون وعلى المتلقي التنفيذ دون تفكير وحسب القاعدة العسكرية المتعارف عليها ليس من حقك الاعتراض إلا بعد التنفيذ "نفذ وبعد كدة أتظلّم".
وكلمة أتظلّم بفتح حرف "الظاء" مكونة من حروف كلمة أتظلم بكسر بنفس الحرف، ولأن صاحب "البارية" لا يخطئ أبدًا فالنتيجة هي نفذ وأخبط دماغك في الحيط.
وليس بغريب أبدًا التحالف الذي يصل لحد الائتلاف الفكري بين البارية "الكاكي" و"العمامة" سواء البيضاء أو السوداء فالأمر العسكري يلزمه في أحيان كثيرة فتوى دينية تعضده وتسنده في وقت الزنقة، وما إجتمع كلا من الباريه والعمة إلا وكان ثالثهما "الاستعباط"، ويشهد التاريخ استخدام الاثنين لتظبيط العقل المصري على التردد الملائم لإرسال الحكومة فتحول المواطن إلى مجرد ريسيفر يستبقل فقط ولا يعرض إلا ما يتم بثه عن طريق الطاعة العمياء لأن الأمر العسكري واجب النفاذ ولا أصبح المخالف عميل وخائن ويعطل مصلحة الوطن وكذا الخلاف مع فتوى العمامة لا يصدر إلا عن كافر خارج عن الدين.
وواضح بشدة أننا نعيش في مرحلة "الاستعباط" فبعد قرون طويلة من الاستعمار نجحت الثورة بشكل منقطع النظير في نقل الوطن لمرحلة "الاستعباط" فبات الكل يضحك على الكل بشكل يجعل منّا نحمل لواء الريادة في نظرية "الاستعباط على الخلق والعباد" على مستوى العالم، وظل القادة العظماء يتعاملون مع المواطن على أنه ساذج يحتاج إلى أب يرعاه يوفر له المأكل والمشرب والزواج ويوهمه أنه المدافع الوحيد عنه ضد الأعداء، وبدأ الإصلاح الزراعي والتأميم ومصادرة كل أملاك أبناء الشعب لصالح أي شيء غير الشعب، وظهر ما يسمى بالقطاع العام ومع الوقت أصبح الكل مقضيها استعباط، الشعب عامل إنو بيشتغل والحكومة عاملة إنها بتقبضوا مرتب مقابل أن تقوم الحكومة بتصدير الشعور بعدم الأمان للمواطن.
ويصاحب هذه الأبوة العسكرية باقة من الفتاوى الدينية على نهج وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم أو يحاول البعض إقناع الشعب بأن "ابن الطاعة تحل عليه البركة" أيه من الكتاب المقدس حتى يغلق عليك باب النقاش والحوار رغم أن المسيح ظهر بذاته وجلاله "لتوما" لكي يقنعه بأنه صلب من أجله.
ويتذكر التاريخ الحديث واقعة تجسد إتحاد البارية مع العمامة، فبعد النكسة أو الوكسة العسكرية في 1967 وفيلم التنحي تم شحن الشعب من أجل القتال ضد الإسرائيليين عن طريق الدين وبدأ الإفراج التدريجي عن الإخوان المسلمين من المعتقلات وكذا عودتهم الحميدة من دول البترو دولار، وبعد الانتصار المجيد في أكتوبر تم تلخيص أسباب النصر في صيحة الله أكبر فقط وقال أحد رجال الدين البارزين أن الملائكة حاربوا مع مصر، وألغى التصريح الخطير كل شيء عن شجاعة الجندي المصري وعبقرية العسكرية المصرية العريقة وكيفية دراسة العدو بشكل كبير وكذا حكمة القيادة في وقف إطلاق النار في الوقت المناسب.
وبعد تحقيق النصر جاء الدور على اتفاقية السلام -أذكي قرار تم اتخاذه في تاريخ مصر الحديث– فبدأ ائتلاف العمامة والبارية في حث الشعب على الموافقة على الاتفاقية المرجوة ووجد الائتلاف العبقري ضالته في الدين فباتت الآيات المقدسة هي السبيل الوحيد للأمل المنشود، وفي أقل من عشر سنوات حاربنا إسرائيل بالدين وتصالحنا معها بالدين أيضًا.
ولن ينتهي دور البارية والعمامة في تحديد مصيرنا لأننا ارتضينا أن نكون منفذين للأمر دون تفكير وكذا اقتنعنا أو أقنعا أنفسنا أن الحكومة مسئولة بشكل فعلي عن دخولنا الجنة وتظل الحياة تسير بنفس المنوال البارية والعمامة وثالثهما الاستعباط. |