بقلم: جرجس بشرى
بعد الغزو العربي لمصر يُسجل التاريخ المحاولات المُستميتة التي قام بها الغـُزاة لطمس ومحو الهوية والحضارة المصرية، مثل فرض المستوطنين العرب لُغَتهِم العربية على المواطنين الأقباط أصحاب البلد الأصليين، وحرق التُراث القبطي القديم كي لا يُذكرهم بتاريخ مصر بعد الغزو.
ومن المُفزِع بحق أن العرب الغُزاة الذين احتلوا مصر واستوطنوها ونهبوا خيراتها وسبوا نسائها، لم يكتفوا بذلك فقط بل أن هناك دلائل وبراهين مُفزعة تُشير إلى أنهم لو تمكنوا من هدم الأهرامات وأبو الهول لهدموها فورًا، ولكنهم لم يستطيعوا وذلك لسببين مهمين وجوهريين -بحسب رأي بعض المُتأسلمين-، أولهما أن هذه الآثار المصرية كانت على درجة كبيرة من الضخامة بحيث يستحيل تدميرها بالأسلحة التقليدية آنذاك، وقد دلل على ذلك ابن خلدون عندما ذكر أن الرشيد حاول هدم إيوان كسرى ولكنه لم يقدر كما حاول المأمون هدم الأهرامات فلم يستطع بسبب ضخامتها!!
أما السبب الثاني الذي عزى إليه المُتأسلمين عدم قدرة من فتحوا مصر على هدم تماثيلها وآثارها القديمة، أن مُعظمها كان مغمورًا ولم يكُن ظاهرًا، فقد كان تمثال أبو الهول مثلاً مغمورًا كما أشار إلى ذلك العلامة المقريزي، وهو ما يجعل -بحسب رأيهم- من الصعوبة بمكان القضاء عليه وهدمه عمليًا!!!
والكارثة هنا أن التاريخ بدأ يُعيد نفسه وقد ظهرت على السطح ظواهر تؤكد استمرار الحكومة على المُضي قُدِمًا لاستكمال هذا المُخطط الخبيث لمحو الهوية المصرية وتعريبها لحساب العروبة والإسلام المُتشدد، وهذا ليس تجنيًا على الحكومة ولكن هناك من الظواهر التي تؤكد على ذلك مؤخرًا مثل تغيير اسم ميدان فيكتوريا بشبرا إلى ميدان نصر الإسلام وذلك نسبة إلى جمعية إسلامية سلفية، وبناء مسجد أمام كل كنيسة جديدة، وإطلاق أسماء إسلامية على المدارس الحكومية، بل ووصل الحد إلى إطلاق اسم عاصمة التراث الإسلامي على مدينة الإسكندرية!!!
وأخيرًا -وليس آخر- ما رأيناه مؤخرًا بالقرار الذي صدر في ليلة وضحاها بتغيير اسم قرية "دير أبو حنس بملوي بالمنيا" إلى "قرية وادي النعناع" دون تقديم أي مبررات منطقية وموضوعية لهذا التغيير المُباغِت!!
إنها فضيحة بكل المقاييس أن تتعدى الحكومة المصرية على تاريخ مصر وإرثها الحضاري والثقافي دون حياء لصالح ثقافات هويات هي في الأصل وافدة على مصر، ومع أن الحكومة تراجعت على مضض وبعد فضيحة عن قرار تغيير اسم القرية إلا أننا نؤكد في النهاية على أن التراث الحضاري الإنساني بصوره المختلفة والمتنوعة لم يعد حكرًا على دولة بعينها بل أصبح مِلكًا للإنسانية، والتعدي عليه هو بمثابة تعدي على الإنسانية كلها.
ودعوني أقولها صراحة أن هؤلاء المسئولين الذين يحاولون جاهدين من وقت لآخر طمس الهوية المصرية لا يمكن بشكل من الأشكال أن تكون انتماءاتهم للجذور التاريخية والحضارية المصرية القديمة خالصة تمامًا، وأنهم لا يقلون عن أولئك الذين قالوا "طُز في مصر واللي في مصر" أو "من الأفضل أن يحكمنا ماليزي مسلم وليس مسيحي مصري"، وأقول لهم هناك دول إسلامية مثل تركيا وإيران أخذت الإسلام ولكنهم حافظوا جاهدين على لغتهم الأصلية القديمة وملامحهم وتراث أجدادهم، ونحن ننتظر من الحكومة قرارات وممارسات تدلل لنا بها على أنها تحمل جينات مصرية 100%. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|