CET 00:00:00 - 26/06/2009

بصراحه

بقلم: مجدي ملاك
الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر طوال الأسبوع الماضي يدفعنا إلى تحليل غاية في الأهمية فيما يخص العلاقة بين الأقباط والدولة، فعلى ما يبدو أن الدولة المصرية تريد تحويل الصراع لا ليقتصر فقط على المتطرفين الذين يحاولون من وقت لآخر تنفيذ اعتداءات تدل على كراهية وميراث من التعاليم التي تدفعهم لذات السلوك، وإنما يعبر ذلك عن رغبة الدولة في أن يشملها ذلك الصراع وأن تكون فاعل فيه، وأرجو أن لا يتم أخذ هذا المقال أنه من جانب التهييج أو الرغبة في رفع الصوت من أجل وضع مزيد من البنزين على النار كما يقولون ولكننا نحاول فقط تحليل بعض من الأحداث التي تعبر بحق عن وجود أزمة كبيرة في علاقة الدولة مع الأقباط.

والمشكلة الأكبر أن تلك الأزمة انتقلت لتشمل المسئولين في الدولة على المستوى الأكبر، فقد كنا في الماضي نسمع بعض الأصوات التي تحدثنا أن أزمات الأقباط سببها المتطرفين ذو الثقافة الضحلة أو من بيروقراطية الجهاز الإداري للدولة، ولكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن هذه الأزمة انتقلت ليصبح الفاعل الرئيسي فيها هم المسئولين أنفسهم، ولنا في ذلك على سبيل المثال بعض الأحداث، أحداث قرية دير أبو حنس التي تسبب فيها محافظ المنيا، أحداث بنى سويف الأخيرة التي غاب فيها الأمن بل انضم الأمن إلى المتطرفين الذين هاجموا المسيحيين هناك، قضية دير أبو فانا، قضية المباني الكنسية التي لا يرغب محافظ الاسكندرية في ترميمها سواءًا كانت كنائس أو مباني للخدمات، وغيرها من الأحداث التي تشير بقوة إلى تحول جذري في هذه العلاقة، وقد يذهب البعض ويقول أن هذا الأمر لا يوجد فيه جديد فهذا التواطئ متواجد منذ زمن، ألم تقرأ وتسمع ما سجله التاريخ بخصوص أحداث مثل الكشح والعديسات وجرزا ومنيا القمح وغيرها وغيرها من الأحداث، وسوف يكون ردي لا بل على العكس فأنا متابع لكل ما يحدث بل ولدي أرشيف خاص لكل تلك الحوادث التي تشهد اعتداءات على الأقباط، ومن أجل هذا أري وبالرغم من هذا الميراث الذي قد يرى البعض أنه متواجد منذ فترة أن هناك جديد في تلك المسألة، والجديد هنا أنه حتى لو كان هناك في الماضي تواطئ من قبل المسئولين فقد كان كل منهم يحاول بقدر الإمكان إخفاء هذا التواطئ بشكل أو بآخر، ولكن الملاحظ في الحوادث الأخيرة أن المسئولين هم من بادروا بافتعال بعض من تلك الأزمات، والفارق هنا لا يجب أن يأخذ على أساس أنه لا جديد، بل على العكس أنا أرى شخصيًا أنه تطور خطير في دولة الأزمة مع الأقباط التي تشهدها مصر منذ ثورة عام 1952.

وهذا التطور له عدد من النتائج الخطيرة التي يجب أن نتحسب لها في الفترة القادمة، منها على سبيل المثال أن هذا التطور في علاقة المسئولين بالأزمات القبطية سيعطي مزيد من التبرير وسوف يعطي تفهم ضمني أن هناك من سيغطي على أي من الأحداث التي يمكن أن يتعرض لها الأقباط، وإذا كان الأمر في الماضي بشكل مستتر فيبدو أن هذا الماضي قد ولّى وأصبحت العلانية شعاره في الفترة القادمة، وبشكل أو بآخر ستزيد الحوادث الطائفية نتيجة تواجد هذا الشعور، فالمتطرفين يشعرون أن الدولة طرف مع وليس طرف ضد أو على الأقل طرف محايد ومن ثم فالمتوقع هو مزيد من أحداث العنف الطائفي طالما أصبح المسئولين جزء من الأزمة لا جزء من الحل.

أيضًا واحد من النتائج التي يجب أن نتحسب لها بشكل كبير أن ثقافة قبول الآخر قد اضمحلت تقريبًا بعد أن تخلت الدولة عن حوار فعال يمكن أن يثمر عن تغير في ثقافة المجتمع، خاصة تجاه بعض من الأمور التي تخص الأقباط منها على سبيل المثال أحقية الأقباط في بناء دور عبادة كجزء من ثقافة قبول الآخر، أضف إلى ذلك أن قانون بناء دور العبادة الموحد حبيس الأدراج وعلى ما يبدو أنه سوف يكون حبيس الأدراج لفترة طويلة أكبر مما نتوقعها ومن ثم فثقافة قبول الآخر التي كان يجب أن تسير بالتوازي مع أي اقتراح قانوني، فالقانون وحده لن يحل الأزمة أو ينهي الصدامات الطائفية، ومن ثم تجاهلت الدولة وتجاهل المسئولين فتح حوار على مستوى المجتمع لمناقشة أحقية الأقباط في بناء دور عبادة دون أن يمثل ذلك إحساس بالغبن أو الضغينة من أطياف المجتمع المختلفة.

زيادة التباعد بين أفراد المجتمع والعزلة بينهم هي أيضًا واحد من النتائج الخطيرة التي ربما لا نشعر بتأثيرها الكبير في الوقت الحالي، ولكن مع الوقت ستمتد تلك العزلة وستزداد وسيدفع في ذلك الإتجاه الزيادة الرهيبة في الحوادث الطائفية التي يشهدها المجتمع في فترات قصيرة جدًا، فلا يمكن أن نتوقع أن تحدث انتهاكات طائفية داخل قرية معينة دون أن يصاحب ذلك عزلة بين الأقباط وغيرهم داخل نفس القرية، وهو بالطبع ما سيعمل على انفصال جبري في العلاقات الإجتماعية التي تنشأ بالطبيعة نتيجة تلك الحوادث القريبة من حيث التوقيت الزمني.

زياة الإغتراب داخل المجتمع هي أيضًا واحد من أخطر النتائج التي سنشهدها نتيجة تلك الحوادث، والإغتراب هنا ناتج عن عدم شعور المواطنين بحيادية الدولة في تعاملها مع كافة المواطنين ومن ثم يدفع المسئولين تجاه زيادة شعور الأقباط بالاغتراب داخل بلادهم، وهذا بالطبع ليس تبرير لذلك الإغتراب بقدرما هو توقع نتيجة ما يتعرض له الأقباط وإحساس دائم بعدم المساواة في التعامل، وقد يذهب البعض إلى أن شعور الإغتراب موجود، وهذا صحيح، ولكن الزيادة الكبيرة في تلك الحوادث سيدفع في زيادة الشعور بذلك الإغتراب.
إذًا دولة الأزمة مع الأقباط هو أمر في غاية الخطورة أن نصل إليه، ولكن الواقع أن الدولة هي التي أوصلت العلاقة إلى الأزمة معها بشكل مباشر وعلى الدولة نفسها أن تجد المخرج لتلك الأزمة التي تظهر عوارضها في العديد من الأحداث، وإن لم تعمل الدولة على الخروج من تلك الأزمة أو إخراجها بأقل الخسائر فسيشهد المجتمع المصري وستشهد العلاقة مع الأقباط أمورًا ربما تخرج عن نطاق السيطرة وهذا ما لا نتمناه ولكننا نحذر منه.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق