بقلم: هيام فاروق
لفت نظرى غضب أحد المعلقين فى مقالتى الأخيرة بعنوان ( حوار الأجيال ) لإستخدامى عبارة ( التدين المريض ) .. هل ننكر وجود ما يسمى بالتدين المريض ؟
سأسرد لكم بعض المواقف و عليكم أن تحكموا
عودت أولادى مُنذ نعومة أظافرهم وضع نظام مُعين حسب ما تربيت أنا فى بيت والديا ، حيث إعتدت مُنذ صغرى على الإستيقاظ مُبَكرا يومى الأحد و الجمعة لحضور القداس الإلهى و إحترام يوم الرب .. حرصت كل الحرص على أن يشبا أبنائى على هذا الإحترام اللائق بيوم الرب . وعانيت كثيرا فى تأصيل هذه العادة فيهما نظرا لتعودهما حسب ظروف عمل والدهما على السهر إلى ساعة متأخرة من الليل و بالتالى يصبح إستيقاظهما مبكرا أمر فى منتهى الصعوبة و التغصب .. و لكن عندما كبرا بدأ تمردهما يزداد حيث أصبحا مأخوذين أكثر للسهر أمام الكمبيوتر و التليفزيون .. و إزداد الإستيقاظ مبكرا صعوبة .. فكنت دائمة الجدال معهما بسبب تقاعسهما فى الذهاب بعض الأيام
و فى زيارة أحد الآباء الكهنة لنا و هو أبى الروحى .. شكوت له كسلهما و عدم إهتمامهما بحضور القداس من أوله و فى بعض الأحيان التكاسل عن الذهاب أساساً .. و بالطبع بدأ أبى يناقشهما فى كيفية إحترام يوم الرب .. و كيف يكون الحب هو الدعامة الأساسية التى تدفعهما إلى حب اللقاء مع الرب .. .. إلخ من كلامه المملوء من إرشاد الروح القدس .. و لكنى فوجئت أثناء هذه المناقشة بكلام أولادى و الشكوى منى .. فقال أحدهما : يا أبى بل أنا الذى أشكو لك من أمى .. فعندما يضيع منى يوم الأحد أو الجمعة أو كلاهما و لم أذهب إلى الكنيسة .. فالقيامة لم تقم .. و أحيانا أنا من تلقاء ذاتى أغضب من نفسى داخليا و أعوضه فى الأسبوع الذى يليه .. و لكنى أقابل وابل من التأنيب الزائد من والدتى و كأنه قامت الدنيا و لم تقعد و كأنى سأقابل الرب حالا و أنا غير مستعد .. و ناهيك عن أنه إذا حدث شىء أو حدث سىء خلال هذا الأسبوع تسرع أمى قائلة لى : ( أرأيت كيف تمر الأيام التى لم نبدأها مع الرب ؟ أرأيت كيف تسير الأمور على ما لا يرام ؟ ) مع أن هذه الأمور و الأحداث ربما تحدث أيضا حتى لو ذهبنا إلى الكنيسة .. فهى أحداث يومية .
هذا التدين من قِبَل والدتى هو الذى ينفرنى فى بعض الأحيان من الذهاب إلى بيت الرب
سمعت هذا يا أحبائى و كنت فى منتهى الخجل من نفسى .. و نصحنى أبى الروحى قائلا : يا إبنتى هذا هو التدين المريض الذى ينفر الآخرين من الرب ، إذن فعليكِ بالتنبيه عليهما ليلة ذهابك إلى الكنيسة و السلوك المعتاد فى الإستعداد ليلة التناول .. و فى الصباح عليكِ بإيقاظهما برفق قبل ذهابك .. و هما أصبحا واعيين بالقدر الكافى الذى به يعلما مدى إحتياجهما للرب .. و لا تقومى بتأنيبهما بعد ذلك .. و الأهم من كل هذا هو مداومتك فى الصلاة من أجلهما ، و إطمئنى أن صوت الرب سوف يناديهما بقوة أكثر و أعلى و أوضح من صوتك . آمين . مبارك هو فمك يا أبى
و إسمحوا لى أن أسرد لكم موقف آخر .. فى بداية خدمتى فى الكنيسة فى المرحلة الجامعية .. إستلمت مرحلة إعدادى بنات .. و كانت معى خادمة أخرى .. هى صديقة لى ، و لكنى لاحظت إنجذاب البنات لى و كثرة إلحاحهم فى الجلسات الفردية معى ، إرتبطوا بى و إرتبطت بهم جدا و تكونت بينى و بين كل واحدة منهن علاقة جميلة مستمرة حتى يومنا هذا و أشكر الرب الذى أعطانى نعمة فى عيونهن .. و لكن كان هذا يثير إحراجى مع زميلتى و خصوصا أنها صارحتنى بهذا و هى متألمة نفسيا .. لماذا تبتعدن عنها البنات ؟ و بالطبع رأيت لزاما على أن أصارحها بسبب نفور البنات بالأخص فى هذا السن منها .. و هو عدم إهتمامها بمظهرها و لا بشعرها و لا بهندامها على الإطلاق .. فى حين أن الخدمة عبارة عن خادم يعرف كيف يكون صورة جميلة و رائحة ذكية تجذب النفوس و تشعرهم أن الإقتراب من الرب يزيد الإنسان جمالا و رونقا .. لابد أن يساير الخادم العصر الذى يعيشه مخدوميه لكى يندمج معهم و يدخل إلى أعماقهم بدءا من خطوط الموضة التى يحرصون عليها إلى مواقع الإنترنت التى يدخلونها إلى أماكن نزهاتهم إلى إسلوب حياتهم بالكامل .. لكى يستطيع تصحيح مساراتهم و تطويعها داخل طريق الرب .. و أوضحت لها أنه طالما أنا إبنة الملك فلابد أن يكون مظهرى و سلوكى كسلوك أبناء الملوك .. حتى لو لم تتوافر معى إمكانيات مادية .. أستطيع أن أظهر فى شكل أبناء الملوك بأقل الإمكانيات و الرب يكمل عمله
و لكنى فوجئت بها تقول لى : لا .. لا و ألف لا .. لا يصح إلا الصحيح .. لا ينبغى أن أسمح لهم ببعض التجاوزات التى تسمحين أنتِ بها لكى أكسبهم .. فرضا الرب أهم .. قلت لها : سماحك لهم ببعض التجاوزات من صميم معاملة الرب .. و لكنها كانت متجمدة فى الفكر و ليس عندها أدنى إستعداد للمرونة تحت بند التدين و رضا الرب .. و مازالت صديقتى هذه تعانى من نفس المشكلة و هى نفور الجميع منها .. أليس هذا تدين مريض يا أحبائى ؟؟؟؟؟؟؟؟
و ليس أدل على هذا مما نحن فيه الآن فى مجتمعنا الذى أطاح بمعالم الحب و الود و المواطنة و الإنتماء تحت بند التدين المريض الذى كان العامل الأساسى الذى أوقعنا فى براثن الإضطهاد و التفرقة و التطرف .. فما حدث فى عزبة بشرى و أحداث عين شمس ، و عزبة النخل ، و الإسكندرية و أحداث دير أبو فانا .. و إمتد التدين المرضى فى مجتمعنا حتى إلى رجال الأمن و رجال القضاء و ليس أدل على هذا أيضا من إستمرار حبس أبونا متاؤس وهبة و أبونا راعى الكنيسة فى عزبة بشرى ؟
ليتنا نتحرر فى علاقتنا مع الرب و لتكن هذه العلاقة هى قدس أقداس بين الإنسان و ربه .. هى المخدع الداخلى الذى يستمتع به الإنسان و يتذوق حلاوة العشرة الحرة مع الرب الذى حررنا قائلا : لم أدعكم عبيد بل أبناء .. فهذه حرية مجد أبناء الله
تحياتى لجميعكم |