بجهود مصرية إطلاق صفقة تبادل الأسري
القاهرة تتطلع إلي تتويج جهودها بالتوقيع علي اتفاق إنهاء الانقسام الفلسطيني
مثل كل الاحداث الكبيرة, يسود أولا الكثير من المراوحة بين الشك واليقين, ويتعاظم طنين اللغط بين التأكيد والنفي, وتتفاقم مثل هذه الاجواء بحدة إذا كان الأمر يتعلق بإنهاء صفقة الاسير الاسرائيلي الاكثر كلفة في كل الصراع العربي الإسرائيلي الجندي جلعاد شليط, الذي يمر اليوم24 ساعة فقط علي العام الثالث له في الاسر بعد ان كانت ثلاث فصائل فلسطينية هي, حماس واللجان الشعبية وجيش الاسلام قد اعلنت في2006/6/25 عن أسر شليط في عملية عسكرية أطلق عليها الاسم الكودي الوهم المتبدد نفذتها وحدات مقاتلة من هذه الفضائل عند منطقة كرم ابوسالم الي الجنوب الشرقي من غزة.
وكانت اسرائيل كعادتها, أمهلت الخاطفين24 ساعة لاعادة الجندي الاسير شليط, وبحساب الساعات يكون اليوم قد انقضي علي هذه المهلة أكثر من25 ألف ساعة قبل ان يتمكن الجيش الاسرائيلي وأذرعه الامنية من تحرير شليط. وكانت اسرائيل قد جردت ثلاث حملات عسكرية ضد قطاع غزة في السنوات الثلاث الماضية: امطار الصيف وفي كل هذه الاثناء كانت مصر تبذل قصاري جهدها كطرف الي جانب الفلسطينيين, وليس كوسيط لانهاء هذه الصفقة في الشروط الافضل للفلسطينيين.
ونتيجة لاستمرار هذه الجهود مع المتغيرات الجديدة المتسارعة في المنطقة اعيد وضع ملف صفقة تبادل الاسري مرة اخري علي رأس جدول الاعمال السياسية, وفي هذا الاطار استقبلت القاهرة يوم21 الماضي ايهود باراك زعيم حزب العمل ووزير الدفاع في الحكومة الاسرائيلية والي جانب موضوعات اخري بالغة الاهمية, جري تفعيل ملف صفقة تبادل الاسري وردت القاهرة بثقلها لإنهاء هذا الملف باعتبارها إحدي المراحل المهمة في استراتيجية مصرية متكاملة وشاملة لاعادة الاعتبار للمسألة الفلسطينية واستكمال شروط الجاهزية للمواجهة الوشيكة المحتملة مع حكومة نيتانياهو حول ملف التسوية السياسية.
وكانت معلومات غير رسمية قد نشرت عقب لقاء الرئيس مبارك وباراك اشارت الي حدوث اختراق كبير في هذا الملف, وأن العد التنازلي قد بدأ لانهاء هذه الصفقة, واشارت نفس المعلومات الي تحرك وفدين من أجهزة امنية سيادية في مصر الي غزة وتل أبيب لبحث الترتيبات الاجرائية لإنهاء, تدفيع الثمن, وقطف الورود الحمراء قبل ان تضطر في نهاية العام الماضي الي شن الحرب العدوانية الشاملة الرصاص المصبوب التي استمرت21 يوما علي غزة ومن الجهة الاخري كان اسر الجندي شليط والاحتفاظ به قد كلف الفلسطينيين ثمنا باهظا فسقط حوالي الفي شهيد كان من بينهم1450 شهيدا في حرب الرصاص المصبوب علي غزة وأكثر من6 آلاف جريح منهم مئات من المعاقين فضلا عن اكثر من الف اسير فلسطيني جديد كانت اسرائيل اعتقلتهم علي مدار السنوات الثلاث من تاريخ اسر شليط وحتي الآن.
ومرة تلو الاخري, كان الحديث ينفجر عن قرب التوصل الي صفقة لتبادل الاسري الفلسطينيين مع شليط, وقبل رحيله عن الحكم, كانت ازمة عاصفة نشبت بين اولمرت رئيس الحكومة السابق والجنرال عاموس جلعاد الذي كان يباشر مع القاهرة جهود الوساطة لانهاء صفقة التبادل هذه, وبعد الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة بدا وكأن هذه الصفقة دخلت مرحلة من الجمود والتجميد, وان حكومة نيتانياهو قد لاتكون مستعدة لدفع نفس الثمن الذي كانت وصلت اليه المفاوضات مع الحكومة السابقة.
هذه الصفقة وفيما يشبه اطلاق قنابل الدخان, تصاعدت من داخل اسرائيل عدة تصريحات رسمية تنفي او بالأحري تقلل من سقف التوقعات حول انهاء صفقة تبادل الاسري.
من جهته صرح باراك بأن الفريق الجديد للمفاوضات حول صفقة تبادل الاسري يستعد, وافترض انه سيبدأ العمل قريبا: وأضاف باراك: آمل ان يكون هذا العمل متواضعا وبعيدا عن العين وذلك لزيادة فرصة ان يعطي هذا الحمل ثماره.
ومن جهة كان نيتانياهو نفسه قد صرح بأنه لاصحة للمعلومات التي تؤكد قرب التوصل الي اتفاق حول تبادل الاسري الفلسطينيين مع الجندي الاسير شليط وقال انه اصدر تعليماته لكل الاجهزة السياسية والامنية لضمان تحرير شليط.
وقد تزامنت هذه التصريحات في تسريب مضمون التوصيات التي رفضتها لجنة يرأسها مئير شمفار رئيس المحكمة العليا السابق في اسرائيل والتي اقترحت علي الحكومة عدم الاستجابة لاجراء صفقات تبادل مع الاسري يتم بموجبها تحرير اعداد كبيرة من الفلسطينيين, والاكتفاء فقط بعدد محدود منهم مقابل كل اسير اسرائيلي حي ولايتم تبادل جثث الاسري الاسرائيليين الا بجثث لاسري فلسطينيين ونتيجة لهذه الاجواء تراجعت نسبيا احتمالات انهاء صفقة الاسري, لكنها عادت في مرة اخري الي صدارة التوقعات بعد الافراج المفاجئ عن عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني من حماس الذي قضي في الاسر ثلاث سنوات واعتبر الخبراء ان ذلك يدخل في اطار التقدم علي طريق انهاء الصفقة.
وتفيد المعلومات ان الصفقة سوف تتم علي ثلاث مراحل تبدأ بتسلم القاهرة الجندي جلعاد شليط ونقله الي مصر, وفور ذلك تقوم اسرائيل باطلاق سراح مابين350 ـ450 أسيرا فلسطينيا, ثم تلي ذلك المرحلة الثانية ويتم فيها نقل شاليط الي اسرائيل, وتقوم اسرائيل بتحرير500 اسير فلسطيني اخر وتنتهي المرحلة الثالثة باستكمال اطلاق الاسري ليصل عددهم الي قرابة الالف اسير.
كانت اسرائيل استخدمت ورقة الاسري الفلسطينيين للضغط علي حماس, فجمعت اسري حماس وباشرت حوارا معهم وأعطتهم بعض الامتيازات مثل اجهزة الهواتف المحمول للضغط لانهاء الصفقة.
وكانت اسرائيل قد اقدمت منذ عام1985 علي ابرام اربع صفقات لتبادل الاسري, الاولي جرت عام1985 وجري فيها تبادل جندين حيين احياء مع1150 اسيرا فلسطينيا وفي عام1998 جري مبادلة جثة جندي اسرائيلي مع60 اسيرا فلسطينيا و40 جثة, وفي عام2004 بادلت اسرائيل3 جثث لجنود مع مواطن واحد حي بـ36 اسيرا, وفي2008 بادلت اسرائيل جثتي جنديين مع5 اسري احياء, و197 جثة وتعتبر مصر ان انجاز صفقة تبادل الاسري الفلسطينيين مع شليط يمكن ان يؤدي للانتقال الي مرحلة جديدة يتم فيها الاتفاق علي تهدئة متبادلة لوقف الاعتداءات الاسرائيلية اليومية وللتوصل الي اتفاق لانهاء الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة وفتح المعابر.
كما تتطلع القاهرة مع العواصم العربية الاخري والعديد من العواصم العالمية الي يوم السابع من شهر يوليو القادم, الذي من المقرر ان توقع فيه كل الفصائل الفلسطينية علي اتفاق وطني لانهاء حالة الانقسام بين حماس وفتح, وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية انتقالية, تكون ذات مهام محددة: انهاء الحصار الاقتصادي وفتح جميع المعابر الي غزة ومنها البدء في اعادة اعمار مادمره العدوان الاخير علي غزة, واعادة بناء وتأهيل الاجهزة الامنية الفلسطينية علي اسس مهنية وطنية بعيدا عن التعصب والانتماء الفصائلي, وتهيئة كل الظروف لاجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة في موعدها المقرر في2010/1/25 المقبل.
ويبدو واضحا ان استمرار احتجاز الجندي الاسير شليط ومماطلة اسرائيل في اتمام صفقة التبادل كان يحجز ايضا الانتقال الي المراحل المهمة التالية, وان تحرير الاسري الفلسطينيين واطلاق العملية السياسية التي ستتوج باتفاق القاهرة في7/7 المقبل سيرسي قواعد الاستراتيجية الجديدة في مواجهة حكومة نيتانياهو واجبارها علي الانصياع للارادة الدولية وتحقيق التسوية السلمية علي اساس حل الدولتين. |