CET 00:00:00 - 30/06/2009

مساحة رأي

بقلم: محمود الزهيري
وكأن الكتب السماوية تحتاج إلي دليل أو برهان لأن يصدق بها الناس ويعتنقوا عقيدتها، وكأن الكتب السماوية يشوبها العجز والقصور في البيان وتحتاج إلى من يكمل هذا القصور ويصحح هذا العجز، وكأن الكتب السماوية ليست من عند الله وتحتاج إلى من يعلم الناس أنها كلام الله، وكأن الكتب السماوية قد أراد الله لها أن تتصارع وتتعارك فيما بينها لينتصر كتاب سماوي مقدس على آخر مقدس وكأنه لا يحوز ثمة قداسة لدى الآخر.

 هذه هي الحالة الذهنية المرضية التي تنتاب عقول أدعياء الربط بين المقدس السماوي والعلمي الأرضي، بين المطلق والنسبي، بين المقدس والمدنس، بين رأي البشر وحكمة الله!!

ما لذي يحتاجه الإنسان المؤمن في عصرنا اليوم؟!!
هل يحتاج إلى أدلة وبراهين على وجود الله، وعلى صدق كتبه السماوية المقدسة؟
هل يحتاج الإنسان المعاصر إلى ما يثبت به قلبه ويؤيد فؤاده بأن هناك إله خالق للكون والإنسان والكائنات، وأن هذا الخالق دلالة وجوده هي كتبه المقدسة التي يؤيدها العلم والحقائق العلمية التي كانت بالأمس حقيقة واليوم صارت لا حقيقة، وفي الغد القريب أو البعيد قد تكون أكذوبة؟!

 هناك العديد من الإبتلاءات التي صنعها أصحاب نظريات الربط بين الدين والعلم، ولم يكن الغرض من هذا الإدعاء سوى الإنتصار لدين من الأديان على حساب الدين الآخر، لأن الصراع في الأساس صراع أديان يريد أصحاب المصالح أن يؤججوا هذا الصراع لدرجة أن يتم لعن وسب أصحاب الأديان بعضهم بعضًا في بيوت الله لدرجة يبدو معها تسفيه جميع الأديان وأتباعها من جميع المنتسبين للأديان، لدرجة يتبدي معها كل صاحب دين هو الوحيد الذي يتبع الحق وحده وغيره من أصحاب الأديان الأخرى على الباطل المطلق، ولدرجة تم احتكار فيها الجنة والنار وما يتبعهما من أحكام دينية في التكفير والتلعين والتفسيق والتجهيل والطرد من الرحموت والملكوت!!

أصحاب هذه النظريات أعتقد أن من أمامهم مصلحة، ومن خلفهم مجحفة، وعن أيمانهم ثلة من المدفوعين لتأجيج الصراع، وعن شمائلهم ثلة من مضللين، ويحيط بدائرتهم الغوغاء والدهماء والسوقة من ضعيفي الإيمان.

المسألة ورائها أنظمة تدعي الإنتصار للمقدس على حساب الإنسان، وهذه الأنظمة علي يقين بما تفعله لتغييب عقول الناس من الدهماء والغوغاء والسوقة عن قضايا الإنسان الرئيسية، فتلهيهم عن تلك القضايا بدعاوي الإنتصار للمقدس وتعميق الإيمان به، على حساب الواقع المأزوم والمكلوم بفسادات تلك الأنظمة.

تبدأ الحكاية من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والإعجاز العلمي في السنة النبوية، وكذلك الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس / الإنجيل.

قرأنا قديمًا لعبد الرزاق نوفل ومصطفى محمود وعبد المجيد الزنداني وزغلول راغب النجار، وأخيرًا طلع علينا صمويل العشاي بكتابه الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس، وكأنه يريد أن يتصارع مع أصحاب النظريات الدينية للمسلمين الذين يريدوا أن يدللوا على صدق القرآن والسنة بالعلم، وهو كذلك أراد بكتابه الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس أن يبرهن علي صدق الإنجيل بربطه بالعلم الحديث، فكانت الحملة شعواء على صمويل العشاي، وبدأت معه رحلة العذاب والألم من المسيحيين أنفسهم، بل وأشتدت الحملة شراسة من المسلمين، وبدأت حملات التكفير والتلعين والتفسيق لا لتصيب صمويل العشاي وحده، بل لتمتد إلي غيره من المسيحيين، فكان أن فكر البعض في طرده من الكنيسة، وكأن أن نعته آخرين بأبشع النعوت وأسوأ الصفات، وهذا ما حدث المسلمين مع أدعياء الربط بين المقدس السماوي والعلم الأرضي من الرافضين لتلك النظريات الخاطئة.

وكنت أتمنى أن يتم التراشق بالأقلام قبل السيوف، وبالتفكير قبل التكفير، وبالعقل بديلاً عن الهوى.

 أعتقد أن الأزمة لدى المسلمين والمسيحيين فقط، لأننا لم نسمع عن اليهود أنهم دللوا علي كتابهم المقدس بأي دليل من الأدلة العلمية الحديثة أو القديمة، لأنهم في غالبيتهم أصحاب معظم المنتجات العلمية والحضارية الحديثة.

 والذي اتمناه أن يتم جمع أصحاب نظريات التدليل على صدق الكتب السماوية بالعلم الحديث أن يجتمعوا معًا في مكان واحد، وتجري المناظرات العلمية والدينية بين هؤلاء الأدعياء في حضور أساطين العلم الحديث من المتخصصين في الطب والهندسة والفلك والكيمياء، وذلك في مناظرات علنية على شاشات الفضائيات، ليوضحوا للناس أن الإستناد إلى الأكاذيب والترويج للترهات لا يفيد الأديان، ولا يدلل على صدقها لأن الإيمان لا يحتاج إلي تدليل والعقائد لا تحتاج إلى تأييد من أحد أو تشكيك من أحد!!

فهذه دعوة أوجهها إلى هؤلاء وهؤلاء، هؤلاء من أدعياء النظريات العلمية المرتبطة بالتصديق بالدين، وهؤلاء من أصحاب النظريات العلمية المجردة، ليتضح في نهاية الأمر أن الكتب السماوية ليست كتب طب أو صيدلة أو فلك أو كيمياء وفيزياء، وإنما هي كتب عقيدة وإيمان وتنظيم علاقات البشر بينهم وبين إله البشر، وبينهم وبين الناس، وأن هذه الكتب السماوية المقدسة تنتصر للإنسان، ولا تنتصر لذاتها لأنها من كلام الله، والله عظيم لا ينفعه الإنتصار لذاته، ولايضره من كفر بذاته.

 فهل يستجيب للدعوة زغلول النجار وصمويل العشاي في مناظرات تجمع أساتذه العلم والنظريات العلمية المجردة من أمثال الدكتور خالد منتصر؟!

أم أن الدعوة ستكون هي والعدم سواء، وسنظل في حالات مرضية تنتصر للمقدس علي حساب الإنتصار للإنسان والمشتركات الإنسانية؟!!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق