«عندما تذهب إلى إدارة المرور للحصول على رخصة قيادة، هناك تقسيمات واضحة، هناك رخصة ملاكي أي رخصة شخصية تسوق بها سيارتك وسيارة عائلتك فقط، وهناك رخصة أجرة يحق لك من خلالها نقل الآخرين، وهناك رخصة نقل عام تجيزك أن تسوق أتوبيسا أو شاحنة نقل. هذا القانون يجب أن يطبق على الفتاوى وعلى ترخيص الصحف وعلى برامج التلفزيون. الحل في قوانين المرور. لو كان عندي تليفون حسني مبارك لقدمت له هذه النصيحة التي تفك البلد من الضيق والتيه الذي هي واقعة فيه».
هكذا باغتني عجوز من قريتنا لم ينل من التعليم قسطا، لكنه معروف بخفة ظله وروحه العالية، يأتي للسلام علي كلما ذهبت إلى الصعيد، وأسعد دائما بملاحظاته التي تبدو بسيطة في ظاهرها ولكنها لا تخلو من عمق الفكرة، جاء كلامه ردا على على سؤالي: ما رأيك يا عمي في ثورة الإعلام التلفزيوني وبث الفتاوى على الهواء، وكذلك زيادة عدد الصحف التي نشهدها الآن؟
«ولكن حتى الآن لم أفهم هذا الربط بين المرور والفتاوى والصحف؟ يا ريت تختصر الموضوع وتفهمني ماذا تقصد بتحويل الفتاوى من إدارة الأزهر إلى إدارة المرور؟» قلت للعجوز. قال: زي ما قلت لك من قبل الحل هو ربط الفتاوى والصحف والفضائيات بإدارات المرور.
فقلت له كيف؟ أجاب:
شوف ياسيدي، زي ما السيارات تأخذ رخصة ملاكي، نمنح من يحفظ أجزاء «عم» و«تبارك» و«قد سمع»، أي ثلاثة أجزاء من القرآن ومئتي حديث، يحصل على رخصة ملاكي للفتوى، فيحق له أن يعظ ويفتي في بيته، يصلح من حال أولاده وزوجته وأقاربه من الدرجة الأولى. أما إذا «ظبطناه»، أي أمسكنا به، متلبسا بالوعظ والفتوى خارج هذه الدائرة الصغيرة من الأقارب أعطيناه مخالفة، وإذا أمسكنا به مرة أخرى مخالفا أعطيناه الإنذار ما قبل الأخير، كارت أصفر يعني زي بتوع الكورة. أما إذا أمسكناه مرة ثالثة يفتي خارج بيته، أعطيناه الكارت الأحمر وسحبنا منه رخصة الفتوى تماما.
وما المؤهلات المطلوبة للمفتي العام الذي له الحق بالإفتاء لكل الناس؟ سألت العجوز. قال: المفتي العام يجب أن يكون مشهودا له بالسيرة الحسنة ورجاحة العقل، وأن يكون حافظا للقرآن كله ويجيده ترتيلا وتجويدا، كما أنه يجب أن يكون حافظا لصحيح البخاري من الأحاديث، ويجب أن يخضع لامتحان كل عامين مثل سائقي الأتوبيس، فإذا رسب في الامتحان، تسحب منه الرخصة حتى يعاود حفظ المطلوب. ومن هنا أقول لك لا بد من ربط الفتوى بقوانين المرور. المشكلة اليوم في بعض الذين يفتون هي أنهم كمن لديهم رخصة ملاكي أو رخصة قيادة جرار زراعي فقط، ومع ذلك يريدون أن يسوقوا الأتوبيسات العامة غير مبالين بالخطر الكبير الذي يمكن أن يلحقوه بالبشر الذين يصدقونهم ويتبعونهم. حالة فوضى في المرور وفي الفتاوى.
وماذا عن الصحف وبرامج «التوك توك شو»؟ كيف نربط هؤلاء بإدارة المرور؟ سألت العجوز وعلى وجهي ابتسامة شجعته، فقال:
شوف يا دكتور (ودائما ما أكون حذرا منه عندما يسبق اسمي بلقب)، بعض الناس الذين لديهم برامج اليوم وتملأ الدنيا صياحا، من حيث الثقافة والتعليم لا يصلحون حتى لسواقة سيارة ملاكي ولا حتى جرار زراعي. عيب أن تخرج للناس تحدثهم بكلام غير مدروس، يعني معقول أنا بكلامي «المفشول ده» يستضيفونني في يرنامج توك شو في التلفزيون.. أغلب الكلام الذي نسمعه على التلفزيون «كلام زي التراب»، ربما ما نقوله الآن في جلسة سمر أفضل منه بكثير.
ولكن ألا يجب أن نمنح هؤلاء المذيعين ومقدمي البرامج وضيوفهم فرصة؟ سألته، فأجاب:
نمنحهم فرصة ولكن بنفس طريقة السواقة، يعطى الواحد منهم فرصة واثنتين ويطرد في الثالثة إذا ما استمر فاشلا. يا دكتور البلد مليانة ناس، هو مفيش غير سواقين «التوك توك» دول في البلد؟ ووقف فجأة وكأن حية لسعته، وقال بصوت عال: دول كلهم عشرة أنفار وعشرة ضيوف بيطوفوا على التلفزيونات ليل نهار، والله أنا عديتهم أكثر من ميت مرة، البلد مليانة ناس بتفهم يا دكتور، فمن أين أتى هؤلاء؟
وماذا عن الصحف؟
الصحف أيضا يجب أن ترتبط بإدارة المرور، لأن هناك صحفا لا تصلح إلا كمنشور يوزعه الصحافي على أهل بيته وأصدقائه، يعطوه رخصة ملاكي ويخلصونا، أما أن تمنح هذه الصحف رخصا وكأنها لإعلام الناس والشأن العام، فهو كمن يسمح لسائق جرار زراعي بأن يقود أتوبيسات النقل العام. هذا مخالف لقوانين المرور.
والله العظيم، لو عندي تليفون حسني مبارك لقلت له هذا الكلام. الفتاوى وبرامج «التوك توك شو» والصحف في مصر لا بد أن يطبق عليها ما يطبق في إدارات المرور. المرور هو الحل، هكذا قال العجوز، وغادر السهرة غاضبا عندما لمح على وجهي ابتسامة ربما ظنها خاطئا أنها ابتسامة سخرية.
info@aljarida.com
مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية
نقلا عن جريدة الجريدة |