بقلم: نبيل المقدس
قصة حقيقية من زمن الحب الصامت ...... 1983 .
تعودت أنا وصديقتي في العمل أن نقضيا فترة الراحة في محل كافيه بجوار مكان شركتنا ... حيث كنا نشعرا بشيء من التغيير, وكانت صديقتي هذه تجدها فرصة في أن تبوح لي بما في قلبها من هموم ومشاكل الزواج والأبناء ... وكانت تحسدني دائماً أنني لم أقع في هذا الشرك الذي تسميه بالزواج ... أكيد طبعا
كانت تتكلم من وراء قلبها فقد كان كل من زوجها وإبنها حياتها ... لكن ربما كانت تتكلم بها الأسلوب لأنني كنت لم أعد متزوجة, مع أنني جميلة ومثقفة.
بعد سرد قصصها المنزلية تبدأ الكلام عن فلان وعلان زملائنا في العمل , وإن كل واحد فيهما يتمني رضاي النهاردة قبل بكره , وكثيرا ما قلت لها أنني
أريد شخصا ً يجعلني أتلهف علي رؤيته بمجرد أن يتركني لحظة ... إلاّ أنها تضحك من كل قلبها وتقول لي " مافيش يا أختي الحب الأفلاطوني بتاعك ده ... كان زمان وجبر !!" ... وفجأة سمعتها تقول لي : إنت واخذه بالك من الشاب الحليوه إللي دايما يقعد في الركن إللي علي شمالنا وكل يوم يغيّر كرافتته .؟.. قلت لها : أنا فعلا شدتني كرافتاته , يظهر عليه مندوب مبيعات ... ضحكت وقالت لي: فعلا طالما بيغيّر كرافتات كل يوم يبقي إما مندوب تأمين أو مندوب مبيعات لشركة منظفات , والغريب تجدينه دائما ساكت مع ان مندوب المبيعات لازم يكون رغاي . ضحكنا ثم بدأنا نترك المكان وعند إجتيازنا الركن الذي يجلس فيه هذا الشاب شعرت بدوخة كنتُ شعرت بها من قبل وإذ أجد نفسي في لحظة بين ذراعي هذا الشاب يسندني تجنبا ً للسقوط . إنسحبت من بين ذراعيه وأول شيء عندما إستردت وعي , لمحتُ جمال لون الكرافتة التي تطوق رقبته. شكرته كثيرا ً وأخذتني صديقتي لنعود إلي العمل .
رجعت إلي البيت وكنت مرهقة جدا وتوهمتُ أنني عندما ألقي بنفسي علي السرير أذهبُ في سابع نومة ... لكن تذكرت كرافتة هذا الشاب وبهرتني نظرات عينيه التي كادت تقول لي : ألف سلامة يا أفندم !! شعرت بذراعيه طحُوتني من آلام الجسد التي كنتُ أشعر بها ... أتصلتُ بزميلتي وقلت لها إنت فاضية لأتكلم معكي : قالت أنا علي علم تام بما تريدين أن تتكلمي فيه ... يا بختك بالكرافتات يا مدام الأستاذ مندوب مبيعات الصابون ... إندهشتُ أنها عرفت ماذا كنت سوف أتحدث عنه ... قلتُ لها: هل لا حظتي وجود دبلة ... ضحكت صديقتي من أعماق قلبها ... وقالت حالا ً وقعتي في الحب يا شابة؟! ... قلت لها : الحب أعمي وأخرس كمان, وبالرغم من عيوبه والتي لا أعرفها بعد , أنا شعرت بميل غريب إليه .. قالت لي : تصبحي علي خير والصباح رباح, يا زوجة مندوب شركة توريد الكرافتات.
تعمدتُ أن أكون بملابسي العادية, وذهبنا كالعادة في فترة الراحة إلي الكافيه وبطرف عيني لم ألمحه, طمأنتني صديقتي وقالت لي : زمانه جاي ... لكنه فعلا ً لم يأتي , طيلة الأسبوع ... إزددتُ إشتياقا ً له ... قامت زميلتي كما كانت تفعل من قبل لتسأل الجرسون عنه ... وقالت لي وهي تضحك : ده أكيد قاعد متخفي وبيراقبك . بعد سماعي لها أحسست فعلا ً أنه متخفي تحت إحدي الطاولات المنتشرة في صالة الكافيه ... وبطريقة لا شعورية إرتفعت يداي تعيد توضيب شعري , لأنني توهمت أنه فعلا ً بيراقبني , وأخذني الخجل .... وفجأة أقبلت إلينا سيدة في منتهي الشياكة ويبدو عليها أنها من العائلات الكبيرة ويرافقها شخص كنت أراه من قبل جالسا ً مع الشاب أبو كرافتة ... وإذ بهذا الشخص يُوجه إلينا كلامه : "لا مؤاخذة يا هوانم أقدم لكم باكيزة هانم " طبعا ً ده إسمها لزوم القصة ... قلت لها أهلا ً يامدام ... قالت لنا : من فيكم الآنسة سماح ؟ ... نظرتُ إلي زميلتي وأنا مندهشة , لكن الشخص الذي كان يرافقها قدمني لها ... هي دي يا هانم !! ... وإذ أفاجأ بها تأخذني في حضنها والدموع تسيل من عينيها ... ولمحت الشخص المرافق لها يخرج منديلا ً لكي يمسح دموعه هو الآخر ... لحظات وجدت زميلتي هي أيضا ً تسحب الورقة التي كانت تحت الفنجان لكي تخبيء دموعها ... أنا لم أفهم شيئا ً مما يحدث حتي أنني أحسستُ بدموع تسيل من عيني أيضا ً, وتحول المشهد إلي مجموعة من المشاعر والعواطف أنا وزميلتي لا نعرف أسبابها ... قالت لي باكيزة هانم , أنا آسفة أني عكننتُ عليكما فترة الراحة , ثم وجهت كلامها لي : ممكن يا سماح يا بنتي أحكي معكِ شوية ؟! ...
قلت لها : بخصوص إيه يابكيزة هانم ... قالت لي يُستحسن يكون كلامي معكِ علي إنفراد ... فأخذتني علي طاولة أخري وقالت لي : ما تزعليش مني يا سماح ... أنا عرفت كل حاجة عنك من أمين ( قصدها الشخص المرافق لها ) ... تتصوري إبني أحبك منذ رآكِ هنا في الكافيه وإزداد حبا ً عندما حاول يجنبك الوقوع ... قلت لها لكن عرفتي إسمي من مين ؟ قالت : صدقيني يا بنتي اللي عملته هو واجب كل أم تحب أبنائها ... هو لم يأتي ثاني يوم ما إرتميت عليه لأنه كان عنده ميعاد مع المحاسب , وأتي في اليوم الذي يليه وفهم من الجرسون أنكِ سألتي عنه ... آتاني وبشرني وقال لي طالما هي سألت عني فهي أكيد أحبتني ... قلت لها: هو إبنك يعمل مندوب مبيعات ! ... وجدتها تضحك وقالت هذا هو سبب تعلقه بكِ ... فأنت أو زميلتك سألت الجرسون عن سبب غياب مندوب المبيعات أبو كرافتة جديدة كل يوم ... قلت لها عموما ً هو شاب لطيف ومؤدب ... لكن لماذا لا تأتي إلي بيتنا وتتقابلي مع والدتي وخالي لأن والدي قد إنتقل منذ خمس سنوات ... قالت لي : ذهابنا لمقابلة ست الوالدة يتوقف علي رأيك أنتِ الأول ... قلت لها والدمعة في عينيها ... قد رآكِ وأحبك وكان يريد أن يتكلم معكِ لأن أمين في تلك اللحظة لم يكن معه لكي يعبر لكً عن مشاعره ... ظروفه كده ... إندهشتُ وقلتُ لها هل هو ؟؟؟؟؟؟ قاطعتني ووضعت يديها علي فمي قائلة : ما تكمليش ... أتركيني أنا أنطقها ... نعم يا بنتي أنه أبكم ... لكنه بصير الإحساس والقلب. هو غني جدا وعنده ممتلكات ... هو أحس بكِ لأنك أحببتيه ( لا تنكري ) علي أساس أنه يا دوب مندوب مبيعات ... إستعدت للقيام وقالت لي : سوف أتركك الآن لكي تفكري علي راحتك ... أنا لا أغصب عليكِ .... أنا تصرفت كأم.
أصبح هو كل حياتي ... كان لديه من الذكاء والعقل في كيفية إدارة ممتلكاته بالإضافة إلي كيفية إدارة مشاعري وأحاسيسي نحوه ... شعرت بالآمان بين ذراعيه ... كان يحبني من قلبه ... كان سعيدا بي ... كانت كل حوراته بنظراته ... رزقنا الله بإبن جميل سماهُ سامح ... لكنه لم يعد يراه رجلا ً ... لكنه خلف رجلا ً ... كان سامح هو ثمار حبي الغير ناطق ... فقد رحل حبيب القلب بعد عشرة سنوات من زواجنا ... ومن وقتها فقدت الأمــــان ... وأصبحتُ بدونــــِـه .... وحيدة خرســــــــــاء ! |