بقلم: نبيل عبد الملك* ويُرجع البعض هذه الحالة إلى وجود ثورة مضادة لثورة 25 يناير التي أطلقها الشباب، تقودها قوى معاكسة "للثورة الشعبية" وتنتمي إلى فلول النظام البائد، بل ويرى آخرون أن المجلس العسكري، الحاكم الفعلي للبلاد في هذه الفترة "الإنتقالية"، له يد، سواء بشكل مقصود أو نتيجة لافتقاده الخبرة السياسية، في عرقلة مسيرة التحول الديموقراطي وقيام الدولة المدنية المبتغاة. في هذا الجو الملتبس والمناخ المتلبس بالعنف والفوضى وعدم الاستقرار، تعرَّض الأقباط إلى العديد من حوادث العنف الجماعي من تيارات سياسية إسلامية أو من جماعات دينية متطرفة، وفي حالات أخرى من انتهاكات صارخة على يد أفراد من القوات المسلحة وجهاز الأمن المدني. وكان الأقباط- ممثَّلين بالرئاسة الكنسية- في لحظة تجلي، مثلهم مثل بقية المصريين، يتوقعون أن تأتي مع الثورة حلول لقضاياهم التي اختزلوها في مطلبين أساسيين: بناء وإصلاح الكنائس دون عراقيل، وإصدار قانون للأحوال الشخصية يتفق مع رؤية الكنيسة، التي تؤكد أن "لا طلاق إلا لعلة الزنا". وهما مطلبان تكررت المطالبة بهما مند سبعينيات القرن الماضي، دون أن تستجيب لهما الدولة بأي حال. والملاحظ أنه، على مدى أربعة عقود تحديدًا، قد تعرَّض الأقباط لمسلسل فاضح من التمييز والتهميش والأسلمة القسرية والاضطهاد، حيث دمرت ممتلكات وكنائس، وقًتل منهم المئات على الهوية، دونما أية محاولة من الدولة لإتخاذ أية تدابير عملية، سواء من جهة إعمال القانون لردع الجناة، أو نشر ثقافة التعايش لوقف التحريض، أو تحقيق العدالة لمنع التمييز الممنهج ضدهم. أمام كل ذلك من انتهاكات حقوقية صارخة كانت كل الأبواب موصدة أمام الأقباط (كجماعة أو مجتمع، أو أقلية دينية قومية) لانتزاع حقوقهم الجماعية المشروعة: السياسية، والقانونية، والاجتماعية، والثقافية؛ إذ أوهمتهم الدولة بأن ما يتعرضون له هو "فتنة طـائفية" من جماعات متطرفة يعاني منها المجتمع المصري بأكمله، بل وتعاني منها الدولة نفسها في حالات كثيرة!. وإذا كانت الجماعات الدينية، والتي وُصفت "بالإرهابية" خاصة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، قد شنَّت هجمات على بعض رموز الدولة والمجتمع، وهدَّدت صناعة السياحة، وقتلت سياحًا، كما ارتكبت العديد من الجرائم في حق الأقباط وعلى مستوى جماعي وفردي- إلا أن العنف الديني قد استمر ضد الأقباط فى العقدين التاليين على يد جماعات أخرى لم تنتمي لتلك الجماعات، إنما على يد العامة من المسلمين من سكان قرى مجاورة، بعد شحنهم وتحريضهم دينيًا، وفي حالات كثيرة من داخل المساجد. قد يبدو ما أشرت إليه أعلاه معلومًا للقارئ، ولكن كان لابد من ذكره هنا للأسباب الآتية: تصدَّرت الكنيسة المشهد السياسي كممثل للأقباط، سعيًا لنيل أي من حقوقهم، إلا أنها لم تكن مؤهَّلة للتعامل سياسيًا ولا حقوقيًا لتحقيق المطالب العادلة والمشروعة للأقباط. والواقع، أن دور المؤسسة الكنسية هذا قد رُسم لها وفرض عليها من أعلى سلطة فى الدولة؛ لعزل الأقباط عن المجال العام، ودفعهم بعيدًا عن المجال السياسي، لينكفئوا على أنفسهم في حضن الكنيسة!. إن الصراع في أساسه سياسي بين طرفين: نظام فاسد ومستبد، دأب على استخدام الدين وتوظيفه في صراعه ضد الطرف الآخر، معارضوه على اختلاف اتجاهاتهم السياسية والفكرية والعقائدية. أما دور الأقباط هنا، فهم مجرد ورقة يلعب بها النظام في لعبة الموائمات والمراوغات وتحويل الأنظار عن التحديات التي تواجهه من خلال خلق الانقسامات في المجتمع، سواء بين الأحزاب السياسية المعارضة أو بين فئات الشعب المصري بوجه عام. في ضوء التحليل السابق، وأمام المرحلة التي تمر بها "مصر" الآن، والتي أشرت إلى طبيعتها باختصار، وفيها تفتقد الدولة لعديد من المؤسسات، وبدونها يصعب تحقيق العديد من مصالح الشعب المصري بأكمله، وليس الأقباط فقط. لذلك يصبح من الترف، بل ومن السذاجة، أن ينشغل الأقباط فى هذه اللحظة المصيرية بأي مطالب على حساب مشاركتهم الضرورية في رسم مستقبل البلاد. "مصر" في مرحلة بداية إعادة بناء الدولة بكل مؤسساتها، ولكي ينال المصريون حقوقهم، والتي صدحت بها حناجرهم في كل ميادين "مصر"، وفي قلبها العدالة الاجتماعية، عليهم أن يتجهوا إلى صناديق الانتخابات في الأسابيع والشهور القادمة، لكي يشكِّلوا البرلمان الجديد، ففيه تُرسم السياسات، ومنه يصدر الدستور الجديد، ثم القوانين التي تُفعل مبادئ هذا الدستور. وهنا لا يطالب الأقباط بنيل حقوقهم بل بأخدها استحقاقًا لمشاركتهم السياسية، وهو أهم حق من حقوق المواطنة، وعليه تنبني بقية الحقوق. هذه فرصة تاريخية أمام كل المصريين، وخاصة المهمشين- سواء المرأة أو الأقباط أو غيرهم من الأقليات- للمشاركة الفعلية في بناء الدولة المصرية الجديدة، ونظامها الديموقراطي القادر على الوفاء بحقوق كل المصريين على قدم المسـاواة، وعلى أساس المواطنة الكاملة للكل. هذا ما كان حادثًا إلى حد كبير في الفترة الليبرالية قبل ثورة 23 يوليو 1952. لذلك، فتقاعس الأقباط، تحت أي سبب أو ذريعة أو رأي مؤسس على آراء انهزامية لاكتها الألسن على مدى سنين، يمكن أن يؤدي بهم إلى كارثة وجودية، بمعنى أن مرحلة الانتخابات وما يليها هي مرحلة "نكون أو لا نكون"، مرحلة يصنع فيها كل المصريين- أقباط ومسلمون- مصيرهم المشترك في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. إن الانتتخابات البرلمانية الآتية ستتم بنظام الانتخاب بالتمثيل النسبي (لثلثي مقاعد البرلمان)، أي بقوائم حزبية، وهي طريقة تعطي لكل صوت انتخابي قيمة فعلية تُترجم بتمثيل عادل داخل البرلمان، الأمر الذي سيؤدي إلى تمثيل أفضل للأقباط وكل فئات الشعب المصري إذا ذهب كل مصري، وخصوصًا الأقباط، للإدلاء بأصواتهم. ومما يجعل لهذه الانتخابات أهمية أكثر من أي انتخابات سابقة، إن المصريين خارج "مصر" (ممن لديهم بطاقة الرقم القومي) لهم الحق في التصويت في البلاد المقيمين فيها، وذلك في مقار القنصليات المصرية بتلك البلاد. الخطوة الأولى إذن، أن يسجل كل قبطي، وكل مصري بوجه عام، بياناته الشخصية والرقم القومي على الموقع الإلكتروني للجنة المصرية العليا للانتخابات: http://www.elections2011.eg/ ، بدءًا من يوم الخميس القادم الموافق 10 نوفمبر 2011 ولمدة أسبوع، بعدها سيوجه الناخب إلى القنصلية المصرية الموجودة في البلد المقيم فيه للإدلاء بصوته. مرة أخرى، المشاركة السياسية بالتصويت في الانتخابات أو بالترشح لعضوية البرلمان، هو المدخل لممارسة حقوق المواطن. إن الحقوق لا تُوهَب أبدًا، ولكنها- أكـرِّر- تُصاغ دستوريًا، وتفعَّل قانونيًا، وتُمارَس عمليًا، بدايةً عن طريق التصويت في الانتخابات. المستقبل تشارك في صنعه الآن.. أو تتركه للآخرين ليصنعوه لأنفسهم فقط!!!!.
|
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |