CET 00:00:00 - 03/07/2009

قرأنا لك

عرض: سحر غريب
برغم كل شيء يجب أن نشيد بجهود الحكومة ونجاحها في تحقيق هدفها... فقد نجحت في جعل البلد غالية على كل مواطن فيها... وأصبح النداء الوطني في كل مكان هو (مصر هاتفضل غالية عليا) مصر هاتفضل غالية عليا.. واللحمة هاتفضل غالية عليا.. والشقة هاتفضل غالية عليا... والأكل والشرب والعيشة.
كانت هذه كلمات الكاتب التي لم أجد غيرها لأستهل به عرض كتاب أخبط راسك، وهو الكتاب الثالث للكاتب دكتور تامر أحمد بعد كتابه "حدث في أنتيكا" وكتابه "الآخر ضربة حب".
كتاب عرض اليوم هو كتاب متنوع يستحق أن تعيش داخله من الجلدة للجلدة والكتاب صادر عن دار كيان للنشر والتوزيع عام 2009، ويصنف الكتاب علي أنه من الأدب الساخر وهو متنوع ففيه المقال والذكريات.
والكتاب عبارة عن157 صفحة من القطع المتوسط مقسم إلى 26 مقالة مختلفة ما بين قصة قصيرة ونقد لاذع مع ما يتميز به الكاتب من سخرية تجعل مخك يفكر بلا إجهاد، فيضحكنا على واقع أليم موجود بالفعل.غلاف الكتاب

يفتتح الكتاب بالفصل الأول وعنوانه (حتى يطير الدخان) ويتكلم فيه عن التلوث الذي صار من معالم الحضارة المصرية الحديثة التي تبهر السواح والأجانب مع الزبالة والفهلوة ليحلوا محل أهرام الجيزة الثلاثة. ويعتقد الكاتب أنهم لو قاموا بعمل دراسة علمية لوجدوا أن مركز ثقب الأوزون يقع مباشرة فوق جراج وزارة الداخلية، فما عليك إلا أن تتأمل أي سيارة بوكس مكتوب عليها بحروف فاخرة (شرطة) ولكن لا تطل النظر فكلها ثوان ويلتهم الدخان أحرف لوحة الأرقام قبل أن يبتلع السيارة بالكامل ويمتد ليخنق المواطنين من حوله ليتغير الشعار الشرطي للمرة الألف ويكون أكثر واقعية (الشرطة في خنقة الشعب).
ثم يتساءل الكاتب بمرارة عن مدى صعوبة أن تعكش الشرطة أي مزارع يقوم بحرق قش الأرز ثم يرد بأن الشرطة تعتبر هؤلاء المزارعين شركائهم في نقابة الملوثين الجدد.. ثم ساق حاجتنا إلى بطل قومي لحل مشكلة السحابة السودة وأن الأمل الوحيد المتاح أمامنا هو في تولي صلاح الدين منصب وزير البيئة.
(شموسة كارد) هو عنوان أحد فصول الكتاب ويتحدث فيه الكاتب عن موضة العصر وهي الكروت الذكية أو الكروت المدفوعة مقدمًا والتي أعتبرها البعض أعظم أحداث القرن الواحد والعشرين بعد نصر أكتوبر وفوز الأهلي على الزمالك 6/1، فقد انتشرت موضة تلك الكروت انتشار النار في الحشيش، فأصبحت تلك الموضة أقوى من المقاومة وانتشارها أصبح صعب السيطرة عليه، حتى أننا سمعنا أحد المسئولين في الحكومة الذكية يقترح أن تكون المياه والغاز والصرف الصحي بكروت ذكية، اللي يشحن تيجي له الميه والغاز ويستجيب له السيفون ليصرف عنه مخلفات الصرف الصحي، أما اللي مايشحنش بقى ذنبه على كارته.

وفي فصل آخر بعنوان (البحبحاني) تكلم الكاتب فيه عن مفتي ماركة أبو جهل وتخيل لقاءًا تليفزيونيًا مع هذا البحبحاني فيقول الكاتب يخرج علينا هذا المفتي الفاضي والذي أنفق آخر أربعة أيام في تمشيط ذقنه التي من فرط طولها يعبئها في عدة أكياس للحفاظ عليها، ويحرم كل شيء في الحياة وفي نهاية البرنامج تبدأ في إعداد عدتك للإقامة الدائمة في جهنم وبئس المصير، فمثلاً هذا الذي حرم الصور حتى تلك التي في المراجع العلمية، فخبرني بالله عليك ما هو الحرام في صورة سرطان الخلايا الليمفاوية تحت الميكروسكوب؟! هل هي صور مثيرة والعياذ بالله... أم أن السرطان الليمفي عورة وإحنا مش عارفين؟
ثم تساءل عن دور الأزهر في تلك المهازل الفضائية، وعن دور الشيوخ المعتدلين أصحاب البصيرة المُتفتحة في الرد على تلك التخاريف اليومية.
وفي فصل آخر وهو بعنوان (المدينة الجامعية) ويحكي فيه عن تجربته الحقيقية مع المدينة الجامعية وذلك حين جاءه التنسيق على جامعة الإسكندرية، فيحكي دكتور أحمد عن مغامراته في المدينة الجامعية والذي شجعه على الالتحاق بها حكايات أبيه عنها والتي صورت له بأنه سيقضي سنة في عاصمة الجنة، فقرر أن يخوض التجربة بنفسه فذهب لاستلام غرفته بالمدينة وحين دخلها لأول مرة أصيب بالصدمة فالغرفة التي طالما حلم بها لا تتسع له وللحقيبة معًا إلا بأوضاع هندسية معقدة، فما بالك بالحياة فيها لمدة عام كامل؟!

وعند الأكل أكتشف أن الطعام هناك له طقوسه الخاصة فالأرز يتم تنقيته أثناء الأكل، والخضار يجب أن يُوضع عليه أطنان من الملح حتى يطغي على طعمه الذي ليس له طعم، هذا قبل أن تكتشف بأن الملح غير صالح للاستخدام الآدمي أساسًا، أما السلطة فيبدو أنها مضروبة بالشبشب، والفاكهة لا تؤكل، والطامة الكبرى كانت في الخبز الذي كان صلبًا للغاية، استحالة يؤكل أو يُقطع إلا بمنشار كهربائي، ثم تمكن منه اكتئاب المدينة الجامعية وأكتسب صفة التتنيح والسنتحة واللتين تعرفان طبيًا بمتلازمة المدينة الجامعية.
وفي فصل بعنوان (حرب القهاوي) فيقول الكاتب فيه أن الخبراء العسكريون يقرون بأن الحرب العسكرية بمفهومها التقليدي ستختفي تمامًا في المستقبل وفي ظل تحريم الأسلحة النووية فإن الخبراء يبحثون عن طريقة جديدة للحرب في المستقبل، طريقة أكثر تحضرًا ويتجه النظر الآن إلى اختيار إحدى الألعاب الرياضية لتكون هي الفيصل بين الزعماء في إنهاء النزاعات السياسية، فمثلاً تقام مباراة كرة القدم بين مجلس الوزراء الإسرائيلي ومجلس الوزراء الفلسطيني ويحكم المباراة حكم من الأمم المتحدة، والفريق الفائز يتسلم مفتاح القدس في ارض الملعب وتنتهي المشكلة.
ولكن البعض عارض هذا الاختيار حيث أن هناك مجالاً واسعًا للعنف والخناق وبكدة الموضوع برضه مش حضاري، وقد أقترح الجانب المصري اختبار لعبة الطاولة حيث أن جميع الشروط تنطبق عليها والمعترض عليه التقدم باختيار أفضل.

وفي فصل (الصين صديقي) يقول الكاتب أنه يحب الصين جدًا جدًا كأي مواطن مصري غلبان والذي يجد أمامه منتجًا مصريًا مخسوف الجودة وآخر صينيًا متميز الجودة والسعر لا يقارن، فيتجه لاإراديًا لتشجيع صناعة الصين.
وقال أن الفارق يعود للعامل الصيني الحاج شونج يانج الذي يصحو مبكرًا ليذهب إلى مصنعه فيعمل طوال اليوم بجد واجتهاد، ثم يعود أخر اليوم ليجد الست أم كيم وقد أعدت له غذاء شهيًا، عالمًا أنه سيقبض أخر الشهر ما يكفيه لحياة كريمة... بعكس العامل المصري الأسطى برعي الذي يصحو عند الظهيرة عالمًا بأن خليل زميله في المصنع قد وقّع بدلاً منه في دفتر الحضور اليومي، ويبدأ يومه بضرب فكيهة التي تقاعست ربع ثانية عن عمل الشاي ثم يذهب إلى ورشته الخاصة التي يقضي بها النهار كله ثم يذهب للمصنع يمضي انصراف له ولخليل الذي زوغ بدوره ويروح يهبد فكيهة علقة تانية بمناسبة عيد العمال.

(التعليم كالماء والهواء) هو عنوان أحد الفصول وفيه يقول الكاتب أن التعليم كالماء والهواء متاح للجميع وضروري ومجاني ولكن يبدو أن التعليم قد ناله ما نال الماء والهواء من تغيير وأصبحنا كما قال الأستاذ أحمد رجب "نحن البلد الوحيد الذي تكلف فيه مجانية التعليم أضعاف أضعاف ما لو كان التعليم بمصاريف"، ثم أكد أن تلك المقولة ستبقى ثابتة وصحيحة على مر الأعوام لتثبت عبقرية الأجداد، ولكن وجب تعديلها قليلاً أو كثيرًا لتتماشى مع التغيرات الراهنة في مجتمعنا لتصبح كالتالي:
التعليم كالماء والهواء... لا طعم ولا لون ولا رائحة... لا قيمة له.... ملوث... فسد بفعل الإهمال... أسود ومهبب.. غير صالح للاستهلاك الآدمي.. ضار جدًا بالصحة.. ولا أمل في إصلاحه.

وفي فصل (الضرائب مصلحتهم أولاً) تحدث فيه الكاتب عن شعارات الحكومة لتشجيع المواطنين على دفع الضرائب ثم تساءل: أليست نسبة العشرين في المائة نسبة مبالغ فيها في حين أنك في بلدنا تدفع الضرائب ثم تذهب للمستشفى فيطالبونك بإحضار القطن والشاش والبنج والأوكسجين، ولو أتممت جميلك وأحضرت طبيبًا وممرضة يبقى كتر خيرك.
وفي مصر تدفع الضرائب وتذهب زوجتك لتقدم لأبنائك في مدرسة لتفاجأ بأن المصاريف أصبحت أكثر من مهرها هي شخصيًا، بل ومن مهر كليوباترا أيضًا، وذلك لأن الضرائب على التعليم قد ارتفعت.
تدفع الضرائب وتذهب للسينما أو المسرح تجد التذكرة زائد عليها قيمة ضريبة ملاهي.
الواقع أن أموال الشعب هي أموال منظورة ومبصوص فيها... الحكومة تدفع الرواتب وعينها فيها.. مش هاين عليها تدفعها.. وبمجرد أن تدفع تبدأ في الجباية والشفط واللهط من جيوب المواطنين، ثم تنبأ الكاتب أن تفرض الحكومة الضرائب على التسول ويكون أسمها (ضريبة الحسنة) وفيها يجبر كل شحاذ على إعطاء فاتورة مختومة لكل من يعطيه إحسانًا وذلك قبل أن يتعمم الموضوع ويتم تأميم الحسنات والصدقات.

وفي فصل بعنوان (الفن الساقع) يتكلم الكاتب فيه عن برودة أعصاب أزواج نجمات الأغراء وتكلم عن السينما النظيفة وهي السينما الخالية من القبلات والمشاهد الساخنة، ثم أورد بعض النصائح التي تقدمها فنانة مُعتزلة لكل بنات جنسها كي تحتفظن باحترامهن وملابسهن في الفيلم ومنها على سبيل المثال ادعاء الإصابة بالبرد الدائم ويستحسن أنفلونزا الطيور وذلك درءًا للقبلات، تصوير الأفلام كلها شتاءً فالشتاء سُترة، مع اختيار أبطال الفيلم من نجوم الزمن الماضي فكلهم كبروا وماحدش بقى يفكر في الكلام الفاضي دة، ثم جابتها من الآخر واقترحت فكرة الاعتزال حتى تريح بالها وتربي عيالها.

فصل آخر بعنوان (قف للمعلم) ويتكلم فيه الكاتب عن التطور الذي نال من مكانة المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً في بيت الشعر الذي كتبه أحمد شوقي، هذا المدرس الذي تطور كثيرًا عن المدرس البدائي في العصور الوسطى حيث كان يعلم أبناء الطبقة الراقية والراغبون في التعليم مؤديًا رسالته بكل نزاهة... أصبح الآن يعيش على الدروس الخصوصية ويتغذى على أموال أولياء الأمور، وانتشر بين الطلبة شعار جديد يقول:
قف للمعلم واعطه البقشيشا ... واسأله لو في جيبه حشيشة
فالمدرس في الدرس الخصوصي يقف تحت العمارة منتظرًا رنة على تليفونه من الطالب فإذا رن يصعد المدرس ويعطي الحصة، وإذا نفض له انصرف من سكات عالمًا أنه سيقبض تمن الحصة ويبرر تصرفه بأن كل واحد عارف مصلحته.

وفي فصل (عنق الزجاجة) وكتب فيه: عنق الزجاجة المصطلح الذي نعبر به عن كل أزمة نمر بها... وكل مهمة صعبة يتطلب منا إنجازها.. نمر بعنق الزجاجة قبل الامتحانات حين نكتشف أننا قد أضعنا وقتًا طويلاً في اللهو وأن الوقت الباقي قبل الامتحان يكفي بالكاد للهرش عدة مرات قبل البكاء بحرقة خوفًا من الرسوب.. عنق الزجاجة تمر بها الحكومة والشعب معًا في كل عام حين تضع الحكومة قوانين اقتصادية جديدة وتطالب الشعب بالصبر للمرور من هذه المرحلة... فأصبح عنق الزجاجة موروثًا ثقافيًا لدينا لا نستطيع التخلي عنه، وهو مبرر موجود دومًا لتهوين الظروف السوداء التي نمر بها.. فمصطلح عنق الزجاجة يعني أن بعده انفراجة.. وهي انفراجة لا تأتي أبدًا، فعنق الزجاجة ممتد على مدار العُمر والمراحل حتى يوشك أن يتحول أنبوبًا ننحشر فيه حتى ينقضي العمر ولا نخرج منه إلا إلى الدار الآخرة.

كتاب عرض اليوم كتابًا يستحق أن تقرأه وتتعمق في معانيه. 

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق