CET 00:00:00 - 03/07/2009

مساحة رأي

بقلم: عزيز الحاج
من المقولات المحببة إليّ، قول نجيب محفوظ بأن أقوى صراع في الوجود هو بين الحب والموت.
الموت نصيبنا جميعا، ولكن حب الأهل والأصدقاء يجعل الراحل حيا في القلوب والنفوس، أما النسيان،  فإنه هو آفة الموت.
حديثي هو عن بسطاء الناس، فعظماء السياسة والفكر والثقافة والفن والموسيقى والغناء يظلون خالدين في المؤلفات والتاريخ السياسي، أو الأعمال الفنية الرائعة. أما بسطاء الناس، أو الناس العاديون، من الطيبين حقا، فهم ما باقون ما بقي محبوهم على قيد الحياة.
كلما رحل لي إنسان عزيز تعود لمداهمتي أفكار الموت والحياة، وتنثال الذكريات، وتتداعى المشاعر وتتلاطم.
هاهي المرحومة سكينة محمد علي ترحل عن ولديها، فيصل وغازي، وعن كل أحبابها في السويد ليلة الثاني من تموز، بعد مرض عضال. الراحلة كانت زوجة ابن عمي المحامي المرحوم محمود شكر، شقيق الموسيقار سلمان شكر، ووالدة كل من المهندس فيصل وغازي شكر، المقيمين في السويد.
إن ذكرى كل من الراحلين الثلاثة، تفجر عندي ذكريات شخصية وسياسية، وقد كتبت عن سلمان، ولو كان ثمة اليوم عراق يرد الجميل، ولا ينكره، لاحتفل في بغداد بذكراه، وأعيد تسجيل وبث مؤلفاته الموسيقية.

محمود كان ممن شجع لدي قراءة الأدب والفلسفة، وهو ما أوردته في بعض كتب مذكراتي، وكان وسكينة يستقبلانني في دارهم كلما كنت أبحث عن ملجأ من البوليس، وذلك منذ عشية سجني أواخر 1948. كانا يرحبان بي، بلا تردد ولا خوف ومهما كانت الظروف البوليسية صعبة. وبعد ثورة 14 تموز، وعندما وضع الناصريون والبعثيون اسمي في القائمة السوداء، استقبلاني بحرارة، وبكرم، فكنت كأني في دار والدي الغاليين.
نماذج طيبة وشجاعة هؤلاء الذين يساعدون الآخر في المحنة حبا بالمساعدة وبكل نكران ذات.

إن البطولة أشكال ودرجات، ومن الأبطال، كما أرى، من يهبون بطيبة خالصة لتقديم العون للآخرين عند الحاجة، ومنهم كان المرحومان الوالدان، [سأعود إليهما في حلقة قادمة.] وقد شاهدت في ريبورتاجات تلفزيونية أميركية حية مئات من عمال البناء يتطوعون مجانا لبناء، أو لتحسين، دار عائلة أو إنسان لهم مشاكل خاصة، كتلك المرأة التي تبنت أربعة أطفال لم يكن أحد راغبا فيهم، وكذلك الجندي الأميركي العائد برجل مقطوعة من العراق، فيكيفون بيته ليسهل عليه التحرك في البيت. والأمثلة كثيرة.

أليس هؤلاء المتطوعون أبطالا حقا لأنهم يضحون بالطاقة والوقت، ويشتغلون ليل نهار بلا مقابل، بل لمجرد ترضية الضمير، وحبا لتقديم العون للآخر.
لقد عرفت في حياتي نماذج غير قليلة من أمثال هؤلاء، الذين يمكن وصفهم بالأبطال المجهولين، الذين رحلوا مخلفين وراءهم مشاعر الحب، وإن حذاء كل منهم أنبل وأنظف من سارقي أموال الشعب، ومن كل الواقفين في ظلام الكهوف، والمبشرين  بالكراهية، ويستسهلون موت الآخر.
حثالة القوم لها مصير واحد، هو القمامة، وذلك مهما كان واحدهم كبير المنصب أو العمامة والاسم، أما الطيبون الراحلون، كسكينة ومحمود وسلمان، [ أذكرهم كأمثلة ترد بالمناسبة]، فإن واحدهم يموت وهو "غصن مزدهر"، وفي "الغصن المزدهر ما ليس في غابة يابسة"، [جبران]، و"في حبة القمح ما ليس في رابية من التبن."

وسلاماً على روح سكينة محمد علي، أم فيصل وغازي، وتعازيي الحارة لهما. سلاما سلاما.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق