أخذتنى رحلة إلى الولايات المتحدة، للمشاركة فى مؤتمر عقده معهد «آسبن» الشهير بولاية كولورادو حول «الأدب والديمقراطية»، وقبل أن أسافر حذرنى كل الأصدقاء من أنفلونزا الخنازير التى أتت إلينا أول حالات الإصابة بها من الولايات المتحدة ثم سرعان ما انتشرت خلال حوالى شهر لتقترب الآن من الـ٧٠ حالة.
قال لى البعض ونظرة الشفقة فى أعينهم: احترس فأنت ذاهب إلى بلد ذلك الوباء اللعين الذى أصاب الناس جميعاً بالهلع، وقال البعض الثانى: خذ معك أقنعة واقية لتلبسها على أنفك بمجرد نزولك من الطائرة، فلابد أن هناك أزمة الآن فى مثل هذه الكمامات! وقال البعض الثالث: ضع فى حقيبة سفرك كمية من عقار «تاميفلو» فلابد أن ثمنه هناك وصل الآن إلى مئات الدولارات.
أما أحد الأصدقاء الذى لا يشغل عقله إلا الاهتمام بالكرة فقال لى: يابختك يا عم ستشاهد مباراة مصر وأمريكا على الهواء فى تليفزيون بلدها.
والحقيقة أننى أمضيت أسبوعاً كاملاً فى الولايات المتحدة قضيت منه ثلاثة أيام فى نيويورك وأربعة فى آسبن، وقابلت عشرات الأشخاص من مختلف المجالات فلم يحدثنى أحد عن أنفلونزا الخنازير ولا عن تلك المباراة التى جرت بين مصر والولايات المتحدة، كما أننى لم أقرأ خبراً واحداً فى أى صحيفة هناك - سواء القومية منها مثل الـ«نيويورك تايمز» أو الـ«واشنطن بوست» أو المحلية مثل «آسبن تايمز» أو «آسبن ريفيو» - عن ذلك الوباء الفتاك الذى أصابنا هنا بالذعر الذى تتابع أجهزة الإعلام يومياً أعداد المصابين به وكأنها عداد سيارة أجرة كل يوم «يرمى رقماً جديداً» - على حد قول سائقى التاكسى.
ولقد قابلت صحفيين وكتاباً ومثقفين ورجال مسرح وأساتذة جامعة وحدثونى جميعاً عما يشغل بالهم، مثل سياسة أوباما فى الشرق الأوسط ورد الفعل عندنا للخطاب الذى ألقاه فى القاهرة، ومثل الأزمة الاقتصادية التى خلفتها إدارة جورج بوش، وتأثيرها الآن على الحياة فى أمريكا، لكن أحداً لم يذكر أمامى مرة واحدة أنفلونزا الخنازير، ولا شاهدت أحداً فى الشارع أو فى المسرح يضع على أنفه تلك الكمامة التى انتشرت عندنا فى الأسابيع الأخيرة أكثر من انتشار المرض نفسه.
كذلك لم ألاحظ اهتماماً غير عادى بمباراة مصر والولايات المتحدة، ولا قام التليفزيون الأمريكى - أو على الأقل قنواته الكبرى مثل «C.N.N» أو «C.B.S» أو «F.O.X» أو «A.B.C» - بإذاعة تلك المباراة التى علمت بعد عودتى أنها كانت محور الاهتمهام عندنا، ابتداءً من أجهزة الإعلام إلى بعض المسؤولين الذين قيل إنهم اضطروا إلى التدخل لتهدئة الأوضاع بعد إعلان النتيجة التى تلتها حالة من الحزن القومى لم يكن ينقصها إلا تنكيس العلم لمدة ثلاثة أيام.
وللحق فقد نوهت إحدى نشرات الأخبار فى الجزء الأخير منها الخاص بالرياضة إلى أن الفريق القومى الأمريكى سيلاعب غداً الفريق المصرى، وما لفت نظرى، وأنا أهم بتغيير قناة التليفزيون، أن المذيع أعقب ذلك بقوله: «والفريق المصرى فريق قوى!» لكن لم تتم إذاعة المباراة على الهواء ولا توقفت الحياة وخلت الشوارع وقتما جرت.
وقبل مغادرتى الأراضى الأمريكية قلت لموظف الاستقبال بالفندق، وقد كان لطيفاً خدوماً طوال فترة إقامتى، فأردت أن أخصه بهدية خاصة: «إن لدى بعض الكمامات الطبية التى أتيت بها من مصر ولم أستخدمها، كما أن لدى كمية لا بأس بها من عقار (تاميفلو) المضاد لأنفلونزا الخنازير التى لم أحتاجها».
فقال لى الموظف فى أدب: «إذا كنت تقصد أن سلة المهملات التى فى غرفتك لا تتسع لتلك الأشياء فسأرسل لك عاملاً يأخذها بنفسه إلى الصندوق العام للقمامة أسفل الفندق»، فقلت بسرعة: «نعم نعم هذا ما كنت أقصده، لكن قل لى هل سمعت عن أنفلونزا الخنازير؟»، قال: «بالطبع، سمعنا جميعاً عنها»، قلت: «وماذا تفعلون حين يصاب أحد بها؟»،
قال: «لا شىء غير عادى، إن توجيهات الدوائر الصحية تقضى بأن يعتكف كل من يصاب بها فى بيته، ويخبر الطبيب حتى يتابع حالته إلى أن يشفى»، قلت وعلى وجهى علامات الذهول: «وماذا لو مات؟» قال: «لا أحد يموت من أنفلونزا الخنازير، إن عدد من ماتوا بها أقل ممن يموتون كل سنة بالأنفلونزا العادية».
وأردت تغيير الموضوع فقلت: «هل شاهدت مباراة مصر والولايات المتحدة؟» قال: «لا، فقد جرت خارج البلاد على ما أعتقد، لكن أظن أن الفريق الأمريكى هو الذى كسبها، أليس كذلك.. هاردلك لكم». قلت: «نعم هاردلك لنا فى كل شىء».
نقلا عن جريدة المصري اليوم |