"كفاية" واخواتها.. هل فشلت في تحقيق الإصلاح المنشود؟
تحقيق: إسحق إبراهيم – خاص الأقباط متحدون
تراجع دور الحركات الإحتجاجية في الفترة الأخيرة بالرغم من تزايد عددها بدرجة غير مسبوقة، اعتقد الكثيرون بعد قيام حركة كفاية وكسر حاجز الخوف عند الناس في وجود دور قوي وفعال لهذه الحركات في الإصلاح السياسي والإقتصادى المنشود خاصة بعض ظهور حركات جديدة (بعضها يرفع مطالب فئوية تخص أبناء مهنة معينة والبعض الآخر يرفع مطالب وطنية للمصريين جميعًا) وأن تتكتل هذه الحركات للضغط على الحكومة وتنجح فيما فشلت فيه الأحزاب، لكن شهد العامان الأخيران تدهور في علاقة هذه الحركات بالشارع وعادت لتعبر عن النخبة التي تقودها فقط!!
تناولت الدكتورة أماني قنديل "المديرة التنفيذية للشبكة العربية للمنظمات الأهلية" لتطور الحركات الإجتماعية، مشيرة إلى حدوث نقلة نوعية على مستوى "مصادر" هذه الحركات الإحتجاجية، وأن البدايات الحديثة في الألفية الثالثة -في مصر- قد جاءت مع مثقفين وقوي سياسية مختلفة الانتماءات وعامة يغلب عليها الطابع السياسي، ومنها "حركة كفاية" ثم ظهرت حركات أخرى مصدرها أيضًا النخب المثقفة وقطاعات من المهنيين.. أبرزها حركة إحتجاجية مصدرها رجال القضاء وحركات إحتجاجية أخري مهمة ارتبطت بمراقبة انتخابات عام ٢٠٠٥ ثم حركات تطالب بالكشف عن أوجه الفساد وحركة المدونين وحركة مهندسون ضد الحراسة وحركة المعلمون للمطالبة بتعديل الكادر الوظيفي وحركة «أطباء بلا حقوق» للمطالبة بحقوق مهنية وحركة إحتجاجية ضد بيع بنوك القطاع العام وشركاته والمطالبة بالشفافية. بإيجاز شديد يمكن رصد عشرات الحركات الإحتجاجية التي ظهرت في مصر في السنوات القليلة الماضية، لكن مع تعددها وتنوعها كان مصدرها الرئيسي: المثقفين، والتيارات السياسية، والمهنيين. وحدثت النقلة النوعية الحقيقية في الحركات الإحتجاجية في منتصف عام 2007 من «مظاهر إحتجاج» غير مسبوقة تمس الحقوق الأساسية للمواطنين أو ما يعرف بـ «الإحتياجات الأساسية"، وهي تحتج على عدم إشباع احتياجات أساسية لهم أبرزها غياب المياة النقية وبحق المأوي أو السكن، وعرف «الغلابة» أسلوب التظاهر أمام مجلس الوزراء والبرلمان وأمام المحافظة.
وأضافت د. أماني أن هذه الحركات الإحتجاجية تطالب في واقع الأمر -ودون خطاب سياسي يستعمل تعبيرات معقدة- بالعدالة الإجتماعية، هي حركات إحتجاجية تكشف عن إخفاق السياسات العامة للدولة، وتعترض -دون أن تدري- على الفساد في توزيع مخصصات الدولة والذي يتجه إلى أعلى فئات في المجتمع (المدن الجديدة في الصحراء التي تخصص لها المياة، وملاعب الجولف، وحركة التعمير والبيع والشراء في الساحل الشمالي، ومزادات ترفع أسعار الأراضي وتصب حصيلتها في جيوب المستثمرين).
وقال عادل الضوي "الكاتب الصحفي وأمين لجنة الإعلام بحزب التجمع" أن الحركات الإجتماعية ظاهرة صحية وتعبر عن حراك اجتماعي، فالمجتمع يخلق أشكالاً تعبر عن احتياجاته شريطة أن تعبر عن مطالب حقيقية ومشروعة وان تكون نتاج طبيعي غير مفتعل ويتم إدارتها بشفافية وديمقراطية ولها أجندة واضحة المعالم ومتواصلة بشكل فعال مع من تعبر عنهم. وقد شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة نوعًا من الحراك بعيدًا عن المؤسسات الرسمية سواء الأحزاب أو القوى السياسية الموجودة على الساحة وبعيدة عن الخطاب الإعلامي الرسمي، واستخدم القائمون عليها وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت في الإتصال بالجماهير، لكن مشكلة هذه الحركات أنها ليست لها أجندة واضحة المعالم ولم تكن متواضعة في مطالبها، بعضها اعتقد انه خلق نوعًا من المعارضة الإفتراضية التي يمكن ان تملأ الفراغ الذي لم تستطع المعارضة التقليدية بوسائلها المختلفة أن تملأه.
وأضاف الضوي: بدأ الأمر أن هناك تنافس مكتوم بين الحركات الإحتجاجية مثل حركة كفاية أو 6 أبريل من جانب وبين القوى السياسية من جانب آخر، فالأحزاب تعاملت معهم بنوع من التهميش وسد قنوات الإتصال معهم واعتبرت الأحزاب أن هذه الحركات ستخصم من رصيدها الجماهيري فتعاملت بخفة معها بينما وقعت الحركات الإجتماعية في خطيئة اعتبار نفسها بديلاً عن الأحزاب مستغلة عدم قيام الأحزاب بدورها. هذا إضافة إلى أن هذه الحركات كان ينقصها الخبرات الفاعلة فاختزلت نفسها في شعارات جذابة لكن بعد فترة فقدت بريقها خاصة في ظل غياب التجانس بين رموزها وقياداتها كحركة كفاية التي تجمع القوى القومية والشيوعية والإخوانية، ولم تنجح في صياغة رؤية متماسكة واخفت نفسها وراء شعارات زائفة.
وحول علاقة هذه الحركات بجماعة الإخوان المسلمين أكد الضوي أن جماعة الإخوان المسلمين راهنت في البداية إلى احتواء القوى الإجتماعية الناشئة، لكن عندما وجدوا أنهم سيربكون حسابات الجماعة بدأت في إعادة النظر وفتر حماسهم في التعامل معهم ووصل الأمر لحد التلاسن مع بعض الحركات.
وأكد الدكتور نادر فرجاني "مدير مركز المشكاة للبحث والتدريب والمؤلف الرئيسي لتقرير التنمية الإنسانية العربية في الفترة من 2002 وحتى 2005" أن النظام الحاكم يجهل التعامل مع هذه الحركات ويغذي منابعها الإحتجاجية وهو يعتقد أنه يحاول قهرها، وهو ما يجعلني أقول بأن الأمل مفقود في إصلاح النظام الحاكم من داخله، وهو ما يعني أن الإصلاح في مصر لن يكون إلا بقوة الحركات الإحتجاجية. وأضاف أن حركات الإحتجاج في مصر لم تفشل، بل أنها أثبتت نجاحًا ملحوظًا، ومن أهم نجاحاتها أنها كسرت حاجز الخوف لدى المواطن ودفعته للخروج عن صمته والمطالبة بحقوقه المسلوبة والتي صمت عنها دهرًا طويلاً. كما أفرزت حركات الإحتجاج في الشارع المصري مجموعة من القيادات الرائعة المناضلة التي اكتسبت بمرور الوقت قوة وصلابة، ونجحت في تحقيق بعض مطالبها، لكنها ما زالت بحاجة إلى التنسيق والتكامل لتحقيق أهدافها الأساسية. ونجاح الحركات الإحتجاجية مرهون بتضافر قيادات الحركات الإحتجاجية في تشكيل قوى وكيانات قوية مستقلة، والتعاون في سبيل إقرار برنامج وطني للحركات الإحتجاجية، مع الإقرار بأن هناك 10 مقومات تتضافر فيما بينها في تشكيل حركة إحتجاجية ناجحة، تتمثل في: توسيع رقعة الاحتضان الجماهيري ليشمل قطاعات واسعة من الجموع الساخطة، والتواصل المستمر مع وسائل الإعلام المحلية والدولية بكافة أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، والحرص على حشد الدعم والمساندة من المنظمات الحقوقية المصرية والجسارة المتزنة بلا رعونة، والصلابة والمثابرة ونزع اليأس والقنوط، والتكاتف والتعاون والتكافل مع الإبداع والابتكار في الوسائل وأخذ زمام المبادرة، مع الحرص على الإتحاد ولمّ الشمل واتساع النطاق في ضوء التكاتف والتعاون والتكافل، مع اللجوء إلي القضاء كلما أمكن، وكسب تأييد المجتمع الحقوقي الدولي وخاصة المنظمات المعنية بمتابعة حالة حقوق الإنسان.
وأنتقد د. محمد رءوف حامد "أستاذ علم الأدوية بالمركز القومي للبحوث الدوائية وقيادي في بعض الحركات الإحتجاجية" تعامل السلطة مع الحركات الإحتجاجية، فبينما تتصور السلطة (من خلال البرجماتية الفجة لرجال الأعمال فيها، فضلاً عن قصور خبراتهم السياسية) أنها تنتصر بمناوراتها مع الإحتجاجيين وعدم الاستجابة لمطالبهم واعتقالها قياداتهم، فإنها في الواقع تساهم -من حيث لا تدري- في أمرين مهمين. الأمر الأول هو تقوية البصيرة والتعلم الذاتي للحركات الإحتجاجية، وبالتالي ارتقائها تنظيميًا وسياسيًا ومن ثم مأسستها. أما الأمر الثاني فهو دفع المصريين للاضطرار إلى ممارسة السياسة، حيث يزداد فهم الناس عامة للحدة المتنامية في الشارع السياسي، بين السلطة ورجال الأعمال من جانب، والإحتجاجات من جانب آخر.
وحول مستقبل الحركات الإحتجاجية أضاف د. رءوف أنه توجد صعوبة في وضع تصور حاسم عن مستقبل الحركات الإحتجاجية. في هذا الخصوص يمكن القول بوجود احتمالين يكاد أن يتساويان شكليًا. هناك احتمال بأن السلطة (وفيها رجال الأعمال ومعها الأمن) تستطيع في النهاية أن تفرض ما تريده، وأن يصاحب ذلك تحلل للحركات الإحتجاجية. والاحتمال الآخر أن تصل الإحتجاجات إلى درجات تنظيم وتأثير تؤدي إلى حدوث تغير في الرؤية (والاتجاه) عند المستوى الأعلى للسلطة (و/أو في الشارع السياسي ككل). |