بقلم: أماني موسى
أستيقظ عم سعيد مسعد أبو السعد من نومه ليجد الحال غير الحال، فإذ بزوجته تهمس بأذنه وتربت على كتفه قائلة (ياللا قوم يا حبيبي أفطر) ومع همسات صوتها الخافت همسات لموسيقى ناعمة!!
استغرب عم سعيد،،، ابتسام تحضر له الفطار لغاية السرير على غير العادة، والمدهش أنها كانت مبتسمة ضحوكة وكانت ترتدي جلباب أنيق على غير العادة أيضًا وقد خسرت من وزنها النص فراح كرشها المتدلي وكل الحاجات الزوايد المتزودة الزائدة!
فاندهش عم سعيد وقال لها خير يا ابتسام أنا بحلم ولا إيه أنتي مش لابسة الإيشارب ولا ضاربة بوز ولا عايزة فلوس ولا بتزعقي في العيال وجايبة لي الفطار كمان؟! فضحكت ابتسام بخجل وصوت خافت (زي أيام الخطوبة) وقالت لجوزها: يووه بقى يا سعيد متكسفنيش، وبعدين هو أنا عندي كم سعيد، دة حتى السعادة بقت عملة نادرة في زماننا دة يا خويا.
فابتسم سعيد وقال في سره ربنا يستر.......... وبيقول بسم الله وبيشوف الفطار اللي جيباه ابتسام فلقاه رغيف عيش كبير ومدور ومنور من غير مسامير ولا بواقي حشرات!! وكوباية لبن وجبنة بأنواعها وأشكالها (رومي وفلامنك و......) وزيتون وشرائح خيار و........ حاجات كتير، فزادت دهشة عم سعيد وسألها: أمال فين الفول والطعمية؟ فضحكت وقالت له: أهو ننوع يا راجل فرصة أن الأسعار رخصت بعد الأزمة الاقتصادية دي اللي بيقولوا عليها وبعد الزيادة اللي جت لك بالمرتب مع العلاوة العشرة في الميه.
فسألها أمال فين العيال؟ فقالت له أنهم راحوا لمدارسهم وسرور راح شغله الجديد وبعد ما يخلص هيطلع يوف الشقة اللي بيجهزها لجوازه اللي بعد أسبوع، وأنها عايزة تروح تزور بنتها في بيتها وتطمن عليها خصوصًا أنها عروسة جديدة، فقال لها سعيد: صح روحي واجب برضه.
وبعد ما فطر عم سعيد نزل على شغله، وهو ماشي في الشارع زادت دهشته، لقى الشارع فيه شجر على الصفين والأرض متسفلته والعربيات قليلة وهادية والناس ماشية بتضحك ومتفائلة والأغرب من كدة أنه ركب الأتوبيس من غير زحمة وتدافع ولقى كرسي يقعد من غير زنقة وشعبطة زي كل يوم والسواق محترم مشغل موسيقى هادية وبيقف في كل محطة ووقت كافي عشان الناس تلحق تركب وتنزل، ولما جت محطة عم سعيد ودّعه الكومسري بابتسامة خفيفة!!
وحين وصل للمصلحة التي يعمل بها وجد كل العاملين في هدوء ومبتسمين أيضًا ويقومون بأداء واجبهم الوظيفي ويقضون مصالح الجمهور دون تعطيل ولكاعة، ووجد شكل المصلحة قد تغير، فوجد الجدران نضيفة ومتلمعة والمكاتب نظيفة والكراسي غير متهالكة بعدما كانت المصلحة أشبه بمصلحة السجون التي يذهب إليها الموظفون كنوع من العقاب النفسي والبدني، أو أشبه بتربة الموتى فكانت الجدران متهالكة ومتسخة وعليها العديد من الرسومات والمقولات التي اختلطت بالأتربة وعوادم الجو والقاذورات لتعمل سيمفونية رائعة من القذارة والتلوث البصري.
وهذا الحال كل يوم مع عم سعيد من أحداث سعيدة وجميلة لدرجة أنه زهق من الراحة والسعادة وقعد يتحسر على أيام زمان اللي كان يتشعبط في الأتوبيس ويجري وراه لغاية ما يوصل للمكان اللي عايزه مشي، وطوابير العيش والفول المسوس الصحي اللذيذ.
والعيال بقوا ناجحين في مدارسهم من غير دروس خصوصية وسرور اتجوز وبنته الكبيرة كمان، وبينما هو يشكر الحكومة في سره سمع صوت قوي جاي من بعيد بيصرخ (أصحوا أصحوا.....جاتكوا القرف قرفتوني، وإذ بخُف جمل يغرس في لحمه وعظامه مع الصوت اللي بيقول أنت يا خويا ياللا اتنيل قوم عشان تلحق تجيب لنا العيش والفول نفطر.........) وهنا فقط أدرك عم سعيد أنه كان بيحلم حلم سعيد بعد أكلة اللحمة اللي أتعشى بيها امبارح وكان بقاله شهر مشفهاش ولا حتى شم ريحتها.
فابتسم عم سعيد وقال حاضر!!!
عادي في بلادي: يظل المواطن غير راضي على أحواله ولا يسعى للتغيير فلا يملك إلا أحلامه التي يحاول الاستمتاع بها قبل ما تغلى ويتفرض عليها ضرايب. |