إيلاف - كتب: بوعلام غبشي |
السؤال العريض الذي يطرحه الكثير من المهتمين الغربيين بالشأن العربي والمصري تحديدًا، هو: أي مصير ينتظر الجيش المصري؟ فأمام إصرار الشارع المصري على الانتقال بالبلد من دولة عسكرية إلى دولة مدنية، يعتقد هؤلاء أنه لم يبق أمام هذا الجيش إلا العودة للثكنات والمساهمة بإيجابية في نقل هذا البلد إلى مصاف الدول الديمقراطية.
وفي هذا السياق تقول المتخصصة في الشأن العربي أنياس لوفالوا، في حديث لـ"إيلاف"، "رغم ذهاب مبارك النظام لم يتغير، وتتمتع المؤسسة العسكرية بوجود قوي في جميع دواليب الدولة...ّ، وهذا، بنظرها "يطرح مشاكل كبيرة أمام التغيير". وتغيير حقيقي، الذي يفضل البعض من المراقبين وصفه "بالراديكالي"، في مصر لا يمكن أن يتأتى، بحسبهم، بالسهولة التي يمكن أن يتصورها البعض، نظرا لنفاذ عنصر الجيش في جميع القطاعات، و إنما يمكن جدا أن يحدث بنوع من الألم، لأن الجيش لا يبدو أنه مستعدا للعودة لثكناته كما في أي بلد ديمقراطي. وبالنسبة للمتخصصة الفرنسية في الشأن العربي "من المفروض أن تمر مصر من هنا، فالجيش سمح بالثورة في شطرها الأول، وها هو اليوم يحاول أن يحافظ على امتيازاته، وهو أمر يرفضه الشعب الذي يتطلع إلى الديمقراطية". أما المتخصص في العلوم السياسية زياد ماجد فهو يميز، في حديث لـ"إيلاف"، بين الجيش الذي له تاريخه في مصر والعالم العربي والمجلس الأعلى العسكري الذي يحاول، بحسبه، أن "يحافظ على حصته في السلطة..."، لأنه على حد قوله "تعود على ذلك...". الإخوان المسلمون فقدوا الكثير يقول مراقبون إن الإسلاميين، وبالتحديد الإخوان المسلمون، سيفقدون الكثير من بريقهم في الشارع المصري بموجب هذه الثورة الثانية، بعد انسحابهم من ميدان التحرير في اليوم الثاني لها، وينظر إليهم اليوم على أنهم جزء من الأحزاب التقليدية في مصر القابلة لجميع التوافقات مع النظام القائم لأجل الوصول إلى السلطة. وفي هذا الشأن، تقول الإعلامية و المختصة في الشأن العربي حنان حراث، "أعتقد أن العسكر اختاروا الإسلاميين حليفهم السياسي من ذي قبل. لا يجب أن ننسى أن الإخوان المسلمين كانوا دائما الحلفاء السياسيين للنظام القائم في مصر والذي استعملهم في كل مرة لضرب وحدة المعارضة قبل أن يدير لهم الظهر، بل ويلقي بهم في السجون". و تزيد قائلة، في تصريح لـ"إيلاف": "الإخوان يعيدون إنتاج نفس المخطط مع الجيش: عندما يطالب الشارع بمجلس تأسيسي، الجيش وضع لجنة بممثلين فقط للعسكر وللإخوان المسلمين. وحديثا تم التوقيع على ميثاق سمي "بميثاق سلمي" والذي يضمن علو قرارات الجيش فوق تلك التي تصدر عن البرلمان، وهذا بموافقة الإسلاميين". المستفيد الأكبر المستفيد الأكبر من هذه المرحلة، بحسب رأي المراقبين،هو محمد البرادعي، الذي عرف كيف يظهر قويا هذه الأيام بعد الضربات التي تلقاها في الداخل من الإسلاميين، وفي الخارج من طرف إسرائيل التي وجهت له العديد من الاتهامات بخصوص الملف النووي الإيراني. وإصرار شباب ميدان التحرير على تعيينه رئيساً للحكومة في المرحلة المقبلة للتحضير للمحطات السياسية المقبلة، والتعاطي السلبي للجيش مع هذا المطلب، لا يمكن في اعتقاد هؤلاء، إلا أن يقويه أكثر أمام خصومه السياسيين خصوصا بعد أن أعلن أنه سوف لن يترشح للرئاسة إن تم تعيينه لهذه المهمة، ما يعطي الانطباع للرأي العام المصري أنه يهدف بالأساس لتقديم خدمات لبلاده ليس إلا وليس له أي أطماع في الحكم. البرادعي عبر عن استعداده لهذه المهمة، لكن بشروط، تتمثل بالأساس في توسيع هامش تحركاته كرئيس للحكومة لحمل البلاد لانتقال سياسي حقيقي، لكن الجيش، برأي مراقبين، لا يمكن أن يتنازل بهذه الطريقة عن تلك المساحات التي ظل يشغلها لعقود من الزمن، ولا يمكن أن تتحول الأمور في الاتجاه الذي يأمل فيه شباب ميدان التحرير إلا باستمرار الضغط منهم. وتعتقد حراث "أن الرهان اليوم ليس بين الحكم العسكري والإخوان المسلمين، وإنما بين الحكم العسكري ومعه الإخوان المسلمين من جانب والشباب ومعهم المتطرفين الذين ينددون بتواطؤ الإخوان مع النظام من جانب ثاني". لتصل إلى القول "باختصار، المصريون يوجدون أمام اختيار مستحيل: سواء القبول بدولة مدنية مع عدم الدخول في أي محاسبة مع الجيش، أو رفض الوصاية العسكرية، لكن مع خطر السقوط بين أيدي المتطرفين جدا. فالجيش بسلبه للحكم من المدنيين عاد إلى نفس منهجية مبارك "إما أنا أو الفوضى الكلية"، بحسب قول الباحثة. ولا يمكن تحقيق المطالب إلا من خلال الاستمرار في الضغط من طرف الشباب، يقول زياد ماجد، إن يدفع "المجلس الأعلى العسكري للقبول بتسوية يكون فيها جزءا من السلطة وليس فوقها..."، بحسب تعبيره. فوز الإسلاميين محتمل جدا ولا يستبعد بل من المحتمل جدا أن تعطي الانتخابات الجارية فوز الإسلاميين. أحد المعلقين اعتبر النموذج التركي هو التقليعة الجديدة سياسيا بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية، ولا يمكن لمصر أن تحيد عنه علما أنها مهد الإسلام السياسي. وفوز من هذا النوع لا يمكن أن يقبل به الجيش إلا بضمانات، متفق عليها مسبقا، لأنه يخشى أن يفقد المساعدة المالية الأميركية المقدرة ب 800 مليون دولار سنويا ومعها طبعا، موقعه في السلطة. هذه المساعدة يراها مراقبون مرتبطة باحترام القاهرة لاتفاقية السلام مع تل أبيب والمعروفة بمعاهدة كامب ديفيد، إلا أن وصول الإسلاميين إلى السلطة، بنظر هؤلاء، أو شق منهم، قد يؤدي إلى مراجعة مضامينها إن لم يصل الأمر إلى مستوى إلغائها، بمعنى آخر توقيف المساعدة المالية الأميركية. وفي المقابل لا ينتظر أن يحصد العلمانيون، على الأقل في الظرف الحالي، نتائج مهمة، لأن وجودهم مهمل بلغة أصحاب الرياضيات، ومصر ليست هي تركيا، برأيهم، التي تعرف بكونها تتمتع بثقافة مختلفة من خلال وجود قوى قوية سواء في الجيش أو الساحة السياسية تحول دون أي انزلاق ممكن نحو المجهول. ويقول الباحث زياد ماجد إن "العلمانيين موجودون في مجموعة من التكتلات، وفوز الإسلاميين اليوم في جميع البلدان التي مر من منها الربيع العربي يفسره بكونهم "أكثر تنظيما وتماسكا في الوقت الحالي..."، ويتوقع ظهور قوى أخرى في المستقبل "ربما لم تسمح لها طبيعة الأنظمة سابقا بالخروج إلى الوجود...". |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ٤ تعليق |