CET 20:19:59 - 29/11/2011

أخبار وتقارير من مراسلينا

 كتب: هاني سمير
قام فريق من الخبراء، ممثلًا للشبكة العربية لديمقراطية الانتخابات، بمتابعة الانتخابات التشريعية المصرية التي جرت يومي 28 و29 نوفمبر في جولتها الأولى، والتي حصلت في تسع محافظات، وتشكل الفريق من ثمانية خبراء جاءوا من: "لبنان" و"السودان" و"اليمن" و"مصر" و"الأردن" و"البحرين"، وتوزَّع إلى فريقين، قاما بزيارات ميدانية طالت دوائر القاهرة الأربع (شمال، شرق، وسط وجنوب). كما قام الفريق العربي بجولة استطلاعية قبل أسبوعين، وقام بمراقبة الانتخابات النيابية والبلدية في "لبنان"، والرئاسية في "موريتانيا"، والتشريعية والرئاسية ومجالس الولايات في "السودان"، وانتخابات المجلس الانتقالي في "تونس".

وحصل الفريق العربي على إذن من اللجنة العليا للانتخابات، وأعطي صفة "الزائر" في خطوة مثالية أتاحت أمام الخبراء العرب متابعة الانتخابات المصرية والإطلاع على مجرياتها الإدارية والتنظيمية، وكان الفريق قد قام بزيارة استطلاعية قبل أسبوعين من تاريخ الانتخابات للإطلاع على سير التحضير والإعداد للانتخابات، وتقييم البيئة السياسية، حيث التقى اللجنة العليا والإدارة المسئولة عن الانتخابات في وزارة الداخلية، وممثلين عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

وفي ختام مهامه، أصدر الفريق ملاحظاته على العملية، والتي لا ترتقي إلى مستوى التقرير عن الانتخابات؛ نظرًا لعدم إحاطته بكل مجرياتها في كافة الدوائر، إلا أنه تلمس الأجواء العامة على المستويات السياسية والقانونية والأمنية والإدارية والتنظيمية. وقد جاءت الملاحظات على الشكل التالي:

 

أولًا- الملاحظات العامة على الانتخابات:
1- المناخ السياسي العام:
شهدت "مصر" حالة من التوتر السياسي الذي سبق الانتخابات بأسبوع، حيث دعا حزب العدالة والحرية إلى مليونية يوم 18 نوفمبر، أي عشرة أيام قبل الانتخابات. وكان هدف المظاهرة التصدي لمحاولات المجلس العسكري إصدار وثيقة تحتوي إعلان مبادئ حاكمة للدستور تعطيه صلاحيات أوسع في إدارة العملية السياسية وشئون البلاد عمومًا.
تلى التظاهرة اعتصام نظمه عدد من عائلات الجرحى والشهداء في ميدان التحرير، مطالبين بحقوقهم المغبونة، فما كان من القوى الأمنية إلا أن تصدَّت للمعتصمين وقامت بإزالتهم بالقوة من الميدان، ما استدعى ردة فعل القوى والأحزاب السياسية التي دعت إلى العودة إلى الاعتصام في ميدان "التحرير" لمنع القوى الأمنية من ممارسة القمع والحؤول دون تدخل العسكر بالشؤون السياسية، ووقف محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية. فتصدت القوى الأمنية للمتظاهرين مجددًا، موقعة عدد من الشهداء وآلاف الجرحى معظمهم إصابات في الأعين. فصعدت القوى السياسية من تحركاتها ودعت إلى تظاهرة يوم الثلاثاء في 22 نوفمبر داعية إلى استقالة المجلس العسكري وتعيين مجلس مدني لإدارة شؤون البلاد. فصعدت القوى الأمنية من قمعها المركّز، ما أدى إلى تصعيد التحركات الشعبية في مقابلها، فما كان من رئيس الوزراء إلا أن تقدَّم باستقالته بعد أن اُتهم وزير داخليته بقمع الحريات وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي واستخدام الغاز المسيل للدموع وغاز الأعصاب ضد المدنيين. وفي مواجهة التصعيد الأمني من قبل القوى الأمنية، دعا شباب ميدان التحرير إلى مظاهرة شعبية واسعة يوم الجمعة في 24 نوفمبر، أي ثلاثة أيام قبل الانتخابات المقرَّرة نهار 28. قابل هذه التظاهرة الشعبية الضخمة، تظاهرة دعت إليها مجموعة "نحن آسفين يا رئيس"، وأعلن حزب العدالة والحرية مقاطعة ميدان التحرير، وأوعز لقواعده المشاركة في التظاهرة الثانية التي حصلت في ميدان العباسية، وكان شعار التحرك "نحن آسفين يا مشير".

 

قبل رئيس المجلس العسكري استقالة الحكومة تحت ضغط قوى الثورة في ميدان التحرير، وكلفها تصريف الأعمال، وكلف بعدها رئيسًا للوزراء كان رئيسًا للوزراء سابقًا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. أثار هذا التكليف حفيظة المعتصمين في ميدان "التحرير"، فرفضوا التكليف، وطالبوا بتعيين مجلس انتقالي مدني وحكومة تتمثل فيها قوى التغيير، مع المطالبة بتأجيل الانتخابات إلى حين يتم تسليم السلطة إلى المدنيين؛ لتشكيكهم في حيادية المجلس العسكري، وفي نزاهة الانتخابات التي قد ينظمها.

إن هذه الأجواء التي سبقت الانتخابات في أيام محدودة خلقت حالة من التوتر السياسي الحاد والتوتر الأمني، ما دفع ببعض القوى بالتشكيك في قدرة المجلس العسكري في ظل حكومة تصريف أعمال تنظيم الانتخابات في ميعادها، إلا أن أحدًا لم يجرؤ على الإعلان عن ذلك، في الوقت الذي أصر فيه المشير على حصول الانتخابات في توقيتاتها المحددة سابقًا.


2- الثغرات القانونية:
يعتري قانون المنظم للعملية الانتخابية العديد من الثغرات التي أشار إليها الفريق العربي في تقرير سابق صدر بتاريخ 14 نوفمبر على إثر الزيارة الاستطلاعية التي قام بها أيام 12، 13 و14 نوفمبر الجاري.

ومن بين هذه الثغرات؛ الالتباس في توزيع الصلاحيات بين الجهات المنظمة، أي المجلس العسكري، الذي يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية واللجنة القضائية العليا للانتخابات ووزارة الداخلية المسئولة عن الإعداد الإداري للعملية الانتخابية. فانعكس ذلك على تحديد موعد الانتخابات الذي جاء من قبل المجلس العسكري في حين لم يكن لدى اللجنة العليا للانتخابات قول في ذلك. فضلًا عن قرار المجلس العسكري تمديد الانتخابات إلى يومين بحجة تخفيف الضغط عن اللجان وتوفير حظوظ للناخبين للإدلاء بأصواتهم، ذلك من دون الرجوع إلى اللجنة العليا للانتخابات.

ثانيًا- الملاحظات العامة على مسار العملية الانتخابية:
1- الملاحظات العامة:
ساد اليوم الانتخابي الطويل أجواء أمنية جيدة، ما خلا بعض الأحداث الفردية التي سجلت في بعض الحالات، والتي أدت إلى إغلاق بعض اللجان لفترات محدودة من دون أن يؤثر ذلك في سير العملية الانتخابية عمومًا.
الأداء الجيد للقوى الأمنية والجيش في تعاطيهم مع المواطنين والمرشحين عمومًا رغم الازدحام والتدافع الشديدين اللذين أديا إلى بعض التوتر أحيانًا.

من الواضح أن العملية الانتخابية بشكل عام جاءت مكتملة من حيث التدابير والإجراءات، إلا أن بعض ثغرات سُجلت في العديد من اللجان، والتي لم تؤثر على المسار العام للانتخابات.
وبينما اتسمت العلاقة مع المتابعين المحليين والدوليين والزائرين وممثلي الإعلام في اليوم الأول بشكل إيجابي، وقوبل وجودهم بالترحيب من قبل المواطنين والناخبين واللجان، ففي اليوم الثاني تغيَّر أسلوب التعاطي معهم من قبل القوى الأمنية والجيش، كما أعرب بعض رؤساء اللجان عن تعليمات حصلوا عليها تقضي بمنع دخول المتابعين والمحليين والدوليين والعرب إلى اللجان. ربما يعود ذلك إلى عدم الارتياح للتقارير التي أصدرها المتابعون حضورهم الإعلامي مساء اليوم الأول، وأشارتهم إلى المخالفات والتجاوزات والأخطاء الإدارية التي حصلت خلال العملية الانتخابية.
لم تتوفر في أي من اللجان التسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة أن العدد الأكبر للجان كان في الطوابق العليا للمراكز، ما أدى إلى صعوبة شديدة في وصولهم إليها، وقد سجلت بعض الحالات حيث قام رئيس اللجنة بالنزول إلى الطابق الأرضي وتعبئة القسيمة وإيصالها إلى صندوق الاقتراع نيابة عنهم.

 

2- الإعداد الإداري
اعترت الفترة التحضيرية للانتخابات جملة من الثغرات التي انعكست إرباكًا في العملية الانتخابية نفسها. فعدم إصدار المجلس العسكري قانونًا يقضي بعزل من شارك في الفساد السياسي والمالي والمساهمة في قمع المدنيين أربك لجان قبول طلبات الترشيح ولجان قبول الطعون، فأدى ذلك إلى تأخير إنجاز القوائم والمرشحين على الدوائر الفردية. كل ذلك ساهم في تأخير الحملات الانتخابية لتعريف الناخبين بالمرشحين في الوقت المناسب.

من الواضح أن اللجنة العليا للانتخابات، ونتيجة للالتباس بصلاحياتها، ونتيجة للتداخل في الصلاحيات، لم تتمكن من القيام ببعض مهامها بشكل جيد؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: عدم تعميم المعايير التي تقبل بموجبها طلبات فئة العمال والفلاحين، وتحديدًا بالنسبة إلى الاعترف بأحقية النقابات المستقلة في التعريف عن أعضائها، ما ترك استنسابية لدى لجان قبول طلبات الترشيح ولجان قبول الطعون بها، وترك مجالًا للإرباك في تحديد المرشحين حتى اللحظات الأخيرة.

إناطة مسئولية إعداد وتوزيع بطاقات الاقتراع المعدة سلفًا بوزارة الداخلية ما لم يسمح لها بضبط افتتاح اللجان في المواعيد المحددة، فتأخر العديد منها إلى ما بعد الحادية عشر والنصف قبل الظهر، ما أدى إلى تزاحم وتدافع شديدين أمام اللجان. كما وجدت بعض البطاقات عشية الانتخابات في بعض الدوائر، ومنها ما وجد ملقىً في الشارع يوم الانتخاب، ومنها ما كان مختومًا ومعلمًا مسبقًا، وفي بعض اللجان لم يكن عدد البطاقات كافيًا حسب عدد الناخبين.

كما لوحظ خلل في إعداد القوائم الانتخابية، حيث وجد فيها أسماء لأشخاص متوفين وأسماء مكرَّرة، ما يضع تساؤلًا حول فعالية استخدام الرقم القومي لإعداد قوائم الناخبين.


3- أداء مختلف الأطراف:
* الإدارة:
- تأخر في وصول القضاة رؤساء اللجان حينًا وتأخر وصول القوائم المعدة سلفًا حينًا آخر، أديا إلى تأخر في موعد افتتاح اللجان، وقد أدى ذلك إلى طوابير طويلة وازدحام شديد، وفي بعض الأحيان إلى توتر خارج اللجان والمراكز.
- إن تخصيص غرف صغيرة للجان مع عدد كبير للناخبين فيها، أو عدد من اللجان في بعض الحالات، أديا إلى بطء العملية وازدحام شديد في العديد من المراكز.
- لم تراع حدود المنطقة العازلة في محيط اللجان، حيث يمنع تواجد مندوبي المرشحين والترويج لهم، وقد لوحظ هذا التساهل في معظم الدوائر واللجان، وهذا يؤثر في حرية الناخبين وازدياد الازدحام في المراكز.
- لم تُستخدم العوازل بشكل سليم، حيث معظمها كان مكشوفًا للجان ولمندوبي الأحزاب، ومنها ما كان قريبًا من النوافذ، حيث يتمكن الأشخاص المتواجدون بالخارج من ملاحظة كيفية الاختيار.
- غياب إشارات إرشادية في المراكز تشير إلى اللجان المخصصة لكل ناخب، بالإضافة إلى غياب لوائح الناخبين عن معظم اللجان، ما ادى إلى عدم قدرة تحديد الناخبين لجانهم المخصصة للاقتراع.
- دوام العمل.

* المرشحون:
- لوحظ قيام ممثلي بعض القوائم والمرشحين بالترويج داخل المراكز وعلى أبواب اللجان وبشكل واضح.
- قيام معظم القوائم بتوفير خدمة "النت" للناخبين خارج المراكز واللجان، حيث يحددون رقمهم ورقم لجانهم ويدونوها على أوراق معدة سلفًا تتضمن أسماء مرشحيهم، ما يؤدي إلى توجيه واضح للناخبين.
- وقد لوحظ أن ضغوطًا مورست على الناخبين قد زادت في اليوم الثاني من خلال توجيههم بشكل مكشوف من قبل مندوبي الحرية والعدالة، كما لوحظ عملهم على توجيه مكثف للنساء.

* الناخبون:
- عدم معرفة اللجان والمرشحين سلفًا، ما أدى إلى إرباك في العملية الانتخابية، وحالة من الفوضى داخل وخارج المراكز واللجان.

* المراقبون:
- لوحظ تدخل بعض المراقبين في سير العملية الانتخابية وفي توجيه بعض الناخبين، وهو عمل لا يُعد مهنيًا.

ثالثًا- الخلاصة:
شهدت "مصر" عرسًا للديمقراطية لأول مرة بعد عقود من غياب ممارستها نتيجة طبيعة الأنظمة السياسية التي قلصت الفرص أمام المواطنين للمشاركة للسياسية.

وعلى الرغم من الملاحظات التي أشار إليها الفريق العربي في تقريريه الاستطلاعي بتاريخ 24 نوفمبر والمتابعة في 28 و29 منه، إلا أن المسار العام في "مصر" يسير بالاتجاه السليم. فالملاحظات ناتجة عن طبيعة المرحلة الانتقالية التي لازالت تشهد تلمسًا للخطوات نحو الانفتاح السياسي والديمقراطية. فكان لنشوء أحزاب سياسية جديدة وخروج الأحزاب القديمة من هاجس الضغط والملاحقة الأمنية، أدى إلى حراك سياسي مشهود يؤسس لمرحلة لاحقة وإعدة في ممارسة الديمقراطية. كما أن قيام المجتمع المدني بدور كبير في التوعية والإعداد والمتابعة أدى إلى رفع منسوب الوعي والحس بالمسئولية الوطنية حيال الحياة السياسية عمومًا والممارسة الديمقراطية على وجه التحديد.


إن الملاحظات التي أوردها الفريق العربي في تقريريه إنما تهدف إلى المساهمة في تصويب المسار وإعارة الثغرات اهتمام المرجعيات المعنية في العملية الانتخابية؛ لتلافيها في المراحل القادمة للعملية الانتخابية، وفي الانتخابات المقبلة.
كما يرتدي تشكيل الفريق العربي خطوة باتجاه تفعيل دور وتحسين اداء المجتمع المدني في تطوير عملية التحول الديمقراطي في البلاد العربية، من خلال تكريس دوره، وتوسيع تجاربه وخبراته بما يسمح له بالزود عن الحريات وتثبيت الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان في المشاركة السياسية وتحديد خياراته ومحاسبة المسئولين عن أدائهم السياسي وممارساتهم اليومية، لاسيما في الأمور العامة التي تؤثر في حياتهم.

وأكّد الفريق في نهاية تقريره أن الانتخابات الحرة التي تشهدها "مصر" لأول مرة تنبئ بمستقبل واعد لشعوب المنطقة، مؤكّدًا على إدراكه للتحديات والصعوبات التي تواجهها ولكنه على قناعة راسخة بأن هذا المسار قد بدأ، وسيستمر إلى أن تسود الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق