CET 00:00:00 - 06/07/2009

فاقد الأهلية

بقلم: سحر غريب  
كنت كافية خيري شري وعايشة حياتي راضية في بيات دائم لا ينتهي ولا يعترف بفصول السنة، لا أفكر سوى في زوجي وأولادي... فطار،غدا، عشا مذاكرة للأولاد... خادمة ومُربية ولكن بشهادة عُليا، أُم بدرجة ليسانس.
وبعد خمس سنوات كاملة استيقظت من سباتي العميق على حقيقة مُفزعة وهي أين موقعي من هذا العالم؟ هل توقف مخي عن العمل الدءوب وتوقفت حواسي إلا عن حياتي العائلية؟

لا أرى، لا أسمع ولا أستجيب إلا لمُتطلبات زوجي وطفلاي، استيقظت يومها على حقيقة مُفزعة ماذا لو غاب زوجي عني؟ ماذا عندما يمر العُمر ويتزوج الأبناء ويلتفت كل منهما إلى مصيره وطريقه المرسوم؟ أأعيش الباقي من عمري أبكي على أطلال الماضي الذي ضيعته تحت أقدامهم؟ هل سأندب وقتها سوء اختيارات الحاضر وأتحسر على عمر ولى واسأل نفسي ماذا قدمت لعقلي ولعملي؟
هنا ثارت ثائرتي وتمردت وأعلنت العصيان على أفكار الجارية المُستكينة، وبدأت أفكر في نفسي ككيان منفصل عن عائلتي الصغيرة ونظرت خارج نطاقها ونزلت سوق العمل، وكانت الصدمة الكبرى.

هل ارتحت ؟ هل حققت أحلامي في عمل ودخل ثابت يشعرني بكياني ومكانتي في المُجتمع؟
لقد صدمني الواقع بقيّمه الجديدة ووجدت نفسي موضة قديمة عفا عليها الزمان، واكتشفت أنني لا أصلح في هذا العالم الذي تحول أثناء غيابي إلى غابة جرداء يأكل فيها القوى الضعيف، ويستغل فيها المُقتدر حاجة المعوز ويمتصه بلا رحمة وبلا مقابل. وجدت شبابًا زي الورد ينزل سوق العمل ويقبلون العمل بصفة متدربون ولكن تلك الصفة تلتصق بهم لوقت طويل فيصبحون متدربون حتى الثمالة مع استغلال صارخ من أصحاب العمل، وجدت أجور لا تتناسب مع المجهود المبذول والحجة جاهزة هو حد لاقي؟ وجدت برامج تليفزيونية لقنوات مُحترمة أو يُقال عنها أنها مُحترمة تستضيف شباباً ليتكلمون عن إنجازاتهم ويستغلون جهل هؤلاء الشباب بأن لقاءاتهم الحوارية يُصرف عليها مُقابل مادي يستولى عليه مُعدون البرامج –وهم السمك الصغير الذي يلتهم السمك الأصغر منه ويستغله- وجدت عالمًا لا يعترف بالمطالبة بالحقوق المادية والتي اعتبرت رجس من عمل الشيطان، ومن الموبقات التي تدخلك في حيز النسيان لأنك تجرأت وطالبت بحقك على نتاج مجهودك.

وجدت أن المُطالبة بالحق حرجًا ما بعده حرج، ولاحظت سكوتًا قاتمًا يخيم على المكان عند المطالبة بالمُقابل المادي لخدمة تؤديها.
اكتشفت أن وقتي الذي بخلت به على أبنائي يذهب هباءًا في عمل لا طائل من وراءه.
صُعقت، وتمنيت أن أعود إلى صومعتي وبياتي الدائم مادام سوق العمل في بلدنا لا يعترف بعرق الفكر والجبين، فهل تقبل صومعتي التي تمردت عليها أن تستقبلني من جديد، أم تُعاقبني وتتمرد هي الأخرى على وجودي داخلها؟

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٩ تعليق