CET 00:00:00 - 07/07/2009

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
من المناظر التي ما تزال عالقة بذهني رغم مرور أكثر من أربعة عقود عليها هذا المنظر الذي يعود بي إلى مصر في الستينات من القرن الماضي، وكان فريق البرازيل لكرة القدم وعلى رأسه بيليه اللاعب المعجزة الملقب بالجوهرة السوداء قد دُعيّ ليلعب مباراة حبية في القاهرة أمام منتخب مصر، كان من حظي أن أحضر هذه المباراة، ولا أنسى ما حييت منظر بيليه يقف قبل بداية المباراة في وسط الملعب ويمسك بالصليب المعلق حول عنقه ويقبله. كانت هذه لفتة جميلة حيّتها الجماهير، وكتب عنها الكتاب المصريون بالإعجاب ومنهم كما أتذكر الكاتب الكبير أحمد الصاوي محمد في عموده اليومي الشهير في ذلك الوقت بجريدة الأهرام تحت عنوان ما قل ودل.
فأنا لا أعتقد أن هناك مشكلة في التعبير البسيط البريء عن التبرك بالمقدسات طلبًا للمعونة الإلهية قبل القيام بمنافسة مثل ماتش كرة قدم. ولكن السؤال هو هل الأمور في مجال الرياضة قد تخطت الآن ما هو مقبول وتعدته إلى التعبير عن التعصب الديني أو السياسي سواء من الرياضيين أو الجماهير؟

لا شك أن هناك مناسبات رياضية كثيرة في الماضي رأيناها تتحول من المنافسة الرياضية البريئة إلى تصفية حسابات دينية أو سياسية.
عندما أعلن كاسيوس كلاي الملاكم الأمريكي إشهار إسلامه وتغيير إسمه إلى محمد على كلاي هلل له بعض مسلمو العالم، واعتبروا انتصاراته إنتصارا للإسلام. ولكن جاء وقت أصبح كلاي في غير لياقته البدنية وانهزم في عدة مباريات من ملاكمين غير مسلمين. ولا أدري ماذا كان التفسيرالديني عند هؤلاء المعجبين بكلاي عندما هُزم؟
وظهر بعده ملاكم آخر اسمه مايك تايسون وعُرف عنه أنه كان رجلاً مشاغبًا عنيفًا وخريج سجون وأُدين مرة في قضية إعتداء جنسي ضد فتاة وحُكم عليه بالسجن. ولكن تايسون حاول أن يلعب بورقة الدين فأشهر إسلامه وكان في كل مرة ينتصر على منافسه يعزي انتصاره للإسلام. إستمر هذا حتى قام ملاكم منافس اسمه هوليفيلد وأعلن أنه مسيحي وكتب آيات من الإنجيل على حزامه. وانتظر الناس في قلق ماذا ستفسر عنه المباراة التي بدت وكأنها منافسة بين الإسلام والمسيحية. وشكر الجانب المسيحي الله أن هوليفيلد قد انتصر على تايسون في المباراة ليعيد لهم كرامتهم وكرامة دينهم بحسب تفكيرهم.

وفي مجال السياسة أذكر في أيام وجود الإتحاد السوفيتي أنه كانت هناك منافسة سياسية كبيرة بين المعسكر الشيوعي بقيادة روسيا والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة. وظهرت هذه المنافسة في الأولمبيات الرياضية حيث كان كل من المعسكرين ينفق الأموال الطائلة في إعداد الرياضيين لإحراز تفوق رياضي ضد المعسكر الآخر. وكان الإتحاد السوفيتي يقتطع من قوت شعوبهم الفقيرة لينفقوا على تدريب الرياضيين الذين كانوا تحت ضغوط قاسية أن يتفوقوا. وكانت دائمًا تُعقد المقارنات بين عدد الميداليات وخاصة الذهبية التي أحرزها كل فريق بالمقارنة بالفريق الآخر وذلك كله كان لإثبات أن كل نظام سياسي هو أفضل من النظام الآخر.
ومن أمثلة طغيان السياسة على الرياضة ما حدث بعد حرب جزائر الفولكلاند وهي جزائر قريبة من الأرجنتين كانت تملكها بريطانيا ولكن الأرجنتين كانت دائمًا تعتبرها جزءًا تاريخيًا من أراضيها. وفي يوم من الأيام أعلنت الأرجنتين قرارها باستعادة ملكية هذه الجزائر ووضعت عليها اليد. وفي الحال أرسلت بريطانيا جيوشها ودخلت في معارك مع الأرجنتين وهزمت الأرجنتين واستعادت سيادتها على هذه الجزائر. واستمرت الأرجنتين تعاني مرارة الهزيمة العسكرية إلى أن واجهت بريطانيا في كأس العالم في كرة القدم. وطبعًا كما هو متوقع أن فريق الأرجنتين قد لعب بكل قوة ليحقق النصر ضد الفريق البريطاني ليس لمجرد إحراز النصر الرياضي بل وأهم من ذلك لمحو آثار مهانة الهزيمة الحربية.

وفي الأسابيع الماضية خلال المنافسات على كأس القارات لكرة القدم في جنوب أفريقيا رأينا النعرة الدينية تطفو على سطح المنافسات الرياضية من جديد. فكان الفريق المصري يذهب إلى وسط الملعب عقب كل إنتصار ويسجدوا لله ويرددوا الشعارات الدينية. ولذلك سماهم البعض فريق الساجدين. وانتقلت حمى الدين إلى اللاعبين الآخرين فقيل أن بعض أفراد الفريق البرازيلي بعد مباراتهم الختامية وهزيمتهم للولايات المتحدة وإحرازهم للبطولة أنهم إرتدوا فانلات بيضاء مكتوب عليها شعارات تعلن عن إنتمائهم المسيحى مثل I love Jesus (أنا أحب يسوع) وأيضًا I belong to Jesus (أنا أنتمى ليسوع). وقد أثار هذا التصرف حفيظة الإتحاد الدانماركي لكرة القدم الذي قدم احتجاجًا على تصرفات البرازيليين. وهذا أدى الإتحاد الدولى إلى تأنيب اللاعبين وتحذيرهم من مغبة ممارسة الطقوس الدينية داخل الملعب في المستقبل مطالبًا اللاعبين بالإحتفاظ بمشاعرهم الدينية لأنفسهم. وهذا بدوره أدى بعض اللاعبين بالشكوى من أن القوانين لا تطبق على الجميع بالمساواة في إشارة إلى ما عمله اللاعبون المصريون (الفراعنة) بعد هدف الفوز على إيطاليا دون أن يتدخل أحد بنقدهم على تصرفاتهم.

المنافسات الرياضية قديمة قدم الإنسان، وغرضها كان دائمًا التقارب والتحابب بين الشعوب. تصفية الحسابات الدينية أو السياسية ليس مكانها الرياضة فهي تفسد جمالها وبراءتها. أتمنى أن تعود الرياضة لتصبح مجرد رياضة وأن تعود الروح الرياضية للحياة من جديد. الروح التي كانت تتجلى عندما كان يذهب الفريق المهزوم إلى الفريق المنتصر ويصافحه ويقول له: الفريق الأفضل قد إنتصر- تهانينا لكم. فيرد الفريق المنتص: نأسف أن الحظ لم يحالفكم هذه المرة – حظًا سعيدًا في المنافسة القادمة.
ولكن يبدو أن الروح الرياضية قد فاضت إلى باريها وتحتاج إلى معجزة لتقوم من بين الأموات.
Mounir.bishay@sbcglobal.net

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٢٦ تعليق