بقلم– مجدي ملاك
كنت أظن كما كان يظن بعض المتابعين أن كل الضعوط التي تم ممارستها في الفترة السابقة على الحكومة من خلال التقارير الدولية منها والمحلية سوف تساعد على قيام الحكومة بإتخاذ خطوات جادة نحو العمل وبشكل سريع على إنهاء ظاهرة التعذيب في السجون ولكن وبكل أسف جاء تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان الأخير مخيب لكل تلك الآمال بل ويمكن أن أقول في الحقيقة إنني صدمت بشكل شخصي نتيجة هذا التقرير التي رصدت فيه المنظمة المصرية ما يقرب من 13 حالة وفاة، و56 حالة تعذيب شديدة في فترة قصيرة جداًَ، وهو ما يعني إستمرار منظومة الفساد والقهر داخل مجتمعنا ما سوف يعمل على زيادة الإحتقان بين الشرطة والمجتمع بشكل عام ولعل هذا ما يفسر في كثير من الأحيان زيادة حوادث الإنتقام بين أفراد المجتمع، وزيادة العنف المتبادل بين الشرطة والمواطن.
والغريب في قضية التعذيب أن القانون المصري به مواد تحرم ذلك التعذيب بشكل كبير بل وتعاقب عليه بعقوبات شديدة ولكن المشكلة الرئيسية في تلك الظاهرة إنها تمر في مصر دون أدنى مسائلة، وهو أمر بالطبع يعود إلى سلطة ونفوذ رجال الشرطة حيث يعتقد الكثير منهم أنه بمنأى عن أي مسألة نتيجة هذا النفوذ، وهو يتأكد يوماً بعد يوم، فالمواطن البسيط في كثير من الأحيان يخشى جبروت رجال الداخلية ويخشى الدخول في مشاكل على الرغم من تعذيبه.
ولهذا فمن المؤكد أن الرقم الذي أعلنته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لا يتضمن سوى الحالات الفعلية التي إستطاعت المنظمة المصرية حصرها نتيجة وجود بلاغات رسمية من جانب الأفراد الذين تعرضوا للتعذيب داخل السجون المصرية ولكن إذا تضمن التقرير الحالات التي رفضت الإبلاغ عن التعرض للتعذيب فأعتقد أن الأمر سيكون غاية في السوء، وسوف تزداد الكارثة التي يعيشها المجتمع المصري.
فالتجاوزات في مختلف الأماكن والمؤسسات أمر وارد ولكن الأهم من النظر لتلك التجاوزات هو وجود الآلية التي تستطيع بها تصحيح الأوضاع وبما يعمل على تجنب الوقوع في تلك الأخطاء في المستقبل، وهو ما يعطي شعور للمواطن بأن الدولة ترغب بقوة في إعمال القانون وفي الحرص على كرامة المواطن وعدم المساس بها مهما كان الأمر، وهو ما يساعد بالطبع على زيادة إرتباط الفرد بمجتمعه بشكل عام، لذا فخروج مثل هذا التقرير بهذا الشكل يعني أن الدولة المصرية لا تريد بشكل عملي وواقعي العمل على إنهاء تلك الظاهرة على الرغم من تشكيلها مجلس قومي لحقوق الإنسان تكون مهمته الأولى رصد ومتابعة التطور في تنفيذ المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ومع كل ما ترصده تلك التقارير من تجاوزات وحينما تصدر منظمات دولية تقارير توضح مدى الإنتهاكات التي تتم داخل الدولة المصرية وإحتلال مصر لمرتبة دنيا ضمن الدول التي تحترم حقوق الإنسان، نقوم ونتهم تلك المنظمات بعدم الشفافية وأن الهدف منها تشويه سمع مصر، وهو أمر لا شك لا يستقيم مع ما نراه من تقارير لمنظمات محلية ترصد الوضع السيء الذي وصلت له مصر في مجال إحترام الحقوق والحريات، فعلى الدولة المصرية بكافة مؤسساتها أن تدرك أن واحد من المعايير التي أصبح العالم يقيس بها تطور الدول وتقدمها هو مدى إحترامها للقانون والإنسان في نفس الوقت، وأيضاًَ مدى القدرة على تقديم المخطئ للمحاكمة خاصة إذا كان الشخص واحد من الذين يجب عليهم إحترام القانون وعدم المساس به مثل الشرطة والداخلية.
إن أمر التعذيب في مصر يمكن القول أنه إستفحل ولا يليق بسمعة وحضارة مصر التي نتغنى بها، يجب أن يواكب تلك الحضارة التي نتغنى بها، حضارة في السلوك، وحضارة في التعامل لتشمل الحضارة كل أوجه الحياة، ولا تقتصر على الماضي فقط، وإن لم تحاول الدولة المصرية أن تعمل وبقوة في خلال الفترة القادمة على إيجاد وسيلة قوية وفعالة للعمل من أجل لا اقول الحد بل القضاء على تلك الظاهرة لا يمكن أن نتطور، فالتطور الإقتصادي والإجتماعي والنفسي داخل المجتمع يعتمد بشكل كبير على المدى الذي يشعر فيه المواطن بكم الإحترام الذي تقدمه له الدولة، فالإنتاجية في كثير من الأحيان ترتبط بثقة الشخص في الحصول على حقوقه حتى من أعلى السلطات داخل الدولة.
يجب أن نوجه نداء خاص للحكومة والنظام المصري بضرورة العمل وبقوة على وقف تلك الإنتهاكات حتى لا يكون التعذيب صناعة مصرية ويكفينا أن نتفرغ لغيرها من الصناعات الإنتاجية التي تدر على الدولة قيمة مضافة تستطيع أن تنقذ المجتمع من براثن الفقر والذل بدل من زيادة الإحتقان بين المواطن والدولة بما يعمل على قتل روح العمل وفقدان الثقة لدى المواطن، فلنصرخ جميعاً بضرورة وقف التعذيب حتى لا تتحول إلى صناعة يربح من وراءها الكثير لنكون نحن الخاسرين.
|