بقلم: نبيل المقدس
لا أعرف سببًا لتقوقع شعب الكنيسة والدخول في كنائسهم، حتى وصل بهم الحال أن أغلقوا الأبواب على أنفسهم من الداخل وأنعزلوا عن العالم والمجتمع تمامًا.. تاركين حقوقهم بسهولة عجيبة لزمن طويل بحجة أن البلد أصبحت بلد الآخرين, فإنسحبوا من الحياة العامة رويدًا رويدًا ساكتين تمامًا عما يحدث لهم من تكفير وإضطهاد وظلم، آخذين ما جاء في إنجيلنا ما قاله الرب يسوع في إنجيل (متي 5 : 10 – 12) [طوبى للمطرودين من أجل البر, لأن لهم ملكوت السموات.. وطوبى لكم إذا عيَروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين].
الحياة المسيحية تعني حرفيًا الصلاح المتحول إلى أفراح، فعندما يُرنم المسيحي فهو يُرنم من الأعماق لأنه هو فعلا ًسعيد جدًا، ولا يرنم لكي يجعل نفسه سعيدًا لأن سعادته ليست متوقفة على الأحداث والظروف بل قائمة علي الحياة، فالحياة المسيحية هي الحياة المنفتحة على الفرح وليست علي حياة البؤس والأتراح.
علينا أن لا نقاوم المخاوف فقط بل علينا أن نتخلى عنها لله.. علينا أيضًا أن لا نستسلم للقلق, فعندما يقف القلق عند الباب لا نقدم له أفضل كرسي ونسايره.. بل نقفل الباب بلطف قائلين له: "لقد وضعتك بين يدي الله.. فلا مكان لك ولا لك نصيب معنا"، ففي يوحنا 16 : 33 يشجعنا الرب بقوله: [في العالم سيكون لكم ضيق, ولكن ثقوا, أنا قد غلبت العالم].
أمر آخر علينا أن لا نتبعه، هو أن لا نكره أو نغضب إلى من يسيئون إلينا, لأن الحياة لم تُصنع للكارهين والغاضبين. لكن هناك غضب مشروع.. حيث مِن هنا أبدأ ما أريد قوله في هذا المقال.. يقول بولس الرسول في أفسس 4 : 26 [اغضبوا ولا تخطئوا]، أي علينا أن نُظهر عدم رضانا على ما يحدث لنا من سلب حرياتنا ومحاولة سيطرتهم وهيمنتهم على أحوالنا الحياتية من تفرقة في المعاملة، لكن علينا أن نبحث إلى الطريق الذي يؤدي إلى استرداد الحقوق بدون أن نخطئ أو نرتكب أعمالاً غير مرغوبة، علينا البحث واستغلال كل ما هو متاح لنا في تطويعه وتفعيله في نجاح كفاحنا بدون كراهية وبدون انسلاخ من واقعنا، فنحن في الواقع موجودين في مجتمع علينا أن ننتمي إليه بالإنتماء الذي يجعلنا نُحافظ علي هويتنا الشخصية ثم هويتنا العامة، نحن مصريين.. وسوف نستمر مصريين.. نحن نكافح ضد الإضطهاد منذ دخولهم أرض مصر.. لكن لم نستحدث نوعية الكفاح.. ولم نستغل الفرص الكثيرة التي مرت علينا في العصور السابقة لكي نُطالب بحقوقنا. تركنا الأمور وألقيناها على عاتق الكنيسة ورياستها، وهذه من أكبر الأمور الخاطئة والتي وقعنا فيها، لذلك وأقولها صراحة.. أن أغلب الذين استشهدوا من مسيحي مصر هم الرهبان والكهنة، لأننا ألقينا عليهم هذه المسئولية منذ بداية الغزو، وصل بنا الحال أننا ننتظر ماذا ستفعله المؤسسات الكنيسية والمتمثلة في البابا حول كل مشكلة كانت كبيرة أو صغيرة. جعلنا من الكنائس أماكن للصويت والصراخ.. جعلنا منها منبرًا لكلمة إلحقونـا يا عالـم..
حان الوقت لكي نخرج من الكنائس إلى المجتمع كما تخرج الشرنقة من قوقعتها لكي ترتبط بمجتمعها الخاص حتى تتحول إلى فراشات تطير بحرية، المحبة هي الوسيلة لكي نتخذها في سبيل إدماجنا في المجتمع الذي نعيش فيه بكل حقوقنا الروحية والحياتية، بالإضافة إلى أنه علينا أن نمتلك البطاقة الإنتخابية والتي هي الوحيدة التي تجعلنا ننطلق في إتجاه الحياة الطبيعة في بلدتنا مصر..
واجب على كل مسيحي قبطي أن يكون أمينًا مع نفسه.. ومع إخوته.. ومع الآخرين، أمينًا مع نفسه بأن يمتلك بطاقة انتخابية فهي مسئولية كبيرة لضمان حياة كريمة لأجيال المستقبل، وأمينًا مع إخوته بأن يحث ويشجع كل من يتكاسل في الحصول علي البطاقة الإنتخابية بل يتابعه حتي يحصل عليها، وأمينًا مع الآخرين بأن يشاركهم المسئولية في نمو البلد الواحد.
علينا جميعًا أن نخرج إلى الحياة العامة بكل ثقل وبكل همة، علينا أن نقتحم النقابات المهنية، علينا أن نرشح أنفسنا في النوادي ولا نجعل أنفسنا مثل الكراسي التي نجلس عليها، يجب أن يشعروا أننا قوة عددية لها تأثير واضح في تغيير مجرى الأمور.
وقبل أن أترك موضوع البطاقات الإنتخابية.. أتمنى أن لا تكون هذه البطاقات سبب بؤس لنا، فيجب التحري والإستعلام والسؤال على من هو المناسب لحياتنا ولإحتياجاتنا.
لذلك وبغض النظر أن زيارة أيمن نور مؤسس حزب الوفد والذي يحاول أن يرشح نفسه في إنتخابات الرئاسة القادمة لكنيسة مارجرجس بالإسكندرية هي قانونية أم غير قانونية.. أو أزعجت المؤسسة الدينية أم لم تزعجها ؟؟، فقد كانت فرصة جميلة أتت لنا ولكننا لم نستغلها، فقد فات علي الموجودين بأن يسألوا الدكتور أيمن نور عن ماذا سيكون موقفه من المادة الثانية للدستور لو تبوء الرياسة؟؟!!
من هنا نتعلم نوعية الأسئلة والتي تُلقي علي المرشحين ومنها نعرف توجهات هذا المرشح.. إن كانت تناسبنا أم لا تناسبنا.
أنت يا أيها الرب إعلان قلب الكون, لقد كشفت سر المحبة, أما نحن فقد أضعنا ذلك الس, ولذا نقضي أيامنا في تذمر وغبن, ونتلمس طريقنا, فلا نستطيع أن نري طريقك ولا طريقنا.. ساعدنا كي نبصر طريقك لنتمكن من إيجاد طريقنا. |