القس نصرلله زكريا
بدأ الإهتمام بعيد الأم في الولايات المتحدة الأمريكية عقب الإنتهاء من الحرب الأهلية التي خلّفت الكثير من المآسي في الأسرة الأمريكية، وقد نظمت إحدى سيدات ولاية فيلادلفيا «تدعى مس جارفيس» إتحاداً لمساعدة الأسر التي تفككت جراء الحرب للم شملها ثانية، وقد كان لهذه السيدة ابنه اسمها «آن» رافقتها في حملتها لمساعدة تلك الأسر المنكوبة، لكن العمر لم يمهل تلك السيدة حتى تحقق ما خططت له ووافتها المنية يوم الأحد الثاني من شهر مايو عام 1905م، وقد حزنت الفتاة آن لفراق والدتها وأرادت أن تجعل من يوم وفاة والدتها عيداً تُكرَّم فيه الأمهات، وفي الذكرى السنوية لرحيل والدتها قامت آن بدعوة بعض الأصدقاء لبيتها وأعلنت خططها للإحتفال بيوم عيد الأم وجعله مناسبة قومية فوجدت تشجيعاً من أصدقائها، ومن ثم قامت بكتابة خطاب للمشرف على خدمة مدارس الأحد بكنيستها تقترح فيه أن تحتفل الكنيسة بيوم لتكريم الأمهات وليكن هذا اليوم بمثابة عيد للأم، ووجد خطابها صدى وتجاوب فعّال، ففي يوم الأحد 10 مايو عام 1908م أقيمت أول خدمة دينية في كنيسة أندراوس بولاية وست فرجينيا تكريماً للأم، وبعدها بعامين أعلن حاكم الولاية أن الأحد الثاني من شهر مايو عيداً رسمياً لتكريم الأمهات، وتأكيداً لرغبتها شجعت «آن جارفيس» أهل ولايتها للإحتفال بهذه المناسبة، حتى أنها كانت تنفق على هذا الإحتفال من مالها الخاص.
ولجعل عيد الأم عيداً قومياً وعالمياً كتبت «آن» للكثير من الرؤساء والملوك والوزراء، حتى جاء اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي ويلسون في 9 مايو عام 1914م إعلان بتخصيص يوم الأحد الثاني من مايو في جميع الولايات المتحدة الأمريكية عيداً للأم، وقد أصدرت الحكومة الأمريكية طابعاً بريدياً خاصاً بهذا العيد؛ ومن أمريكا انطلق الإحتفال بتكريم الأم لجميع دول العالم ليكون عيد الأم عيداً عالمياً ومناسبة عالمية لتكريم الأمهات.
ويختلف يوم الإحتفال بعيد الأم باختلاف البلدان، فمثلاً النرويج تحتفل به يوم 2 فبراير، بينما تحتفل به الأرجنتين يوم 3 أكتوبر، وقد اقترح الكاتب الصحفي مصطفى أمين في عموده فكرة بجرية الأخبار أن يكون 21 مارس -مطلع الربيع- يوماً مناسباً للإحتفال بعيد الأم في مصر، ولاقى اقتراحه قبولاً واسعاً، وأصبحت مصر تحتفل بعيد الأم في 21 مارس من كل عام، ومن مظاهر الإحتفال بهذا اليوم تقديم الهدايا من الأبناء لأمهاتهم، ومن الأزواج لزوجاتهم.
وقد تستحق الأم فعلاً يوماً خاصاً للإحتفاء بها وتكريمها، فقد ولدت البنين والبنات، وسهرت على تربيتهم وتهذيبهم ليكونوا جيلاً فعالاً لبناء المجتمع، وتظل الأمهات طوال حياتهن يقمن بالإهتمام بأبنائهن مهما تقدم بهن العمر، لكن ألا تستحق الأم أن تلقى هذا التكريم والإحترام من الأبناء طوال العام؟.
إن هذا اليوم فرصة رائعة –يجب ألا يفوتها أي ابن- لكي يكرم أمه، بالطريقة التي يحببن أن يكرمن بها، وأن من تعوقه الظروف ومشغوليات الحياة لأن يُظهر الإكرام لوالدته عبر أيام السنة، فليكن هذا اليوم تعويضاً عما فاته.
ولمن فقد والدته لأي سبب، فقد حرصت بعض شعوب العالم على تسمية هذا العيد بعيد الأسرة، لكي يحرص كل أفراد الأسرة على إكرام بعضهم بعضاً، وإذا خرجنا من المفهوم الضيق للأسرة، يكون هذا اليوم فرصة لأن نقدم فيه الإحترام والتقدير والإكرام لكل أم، ولأي أم، فكما أن هناك بعض الأبناء فقدوا أمهاتهم، فهناك من الأمهات اللواتي فقدن أبنائهن، فليكن هذا اليوم فرصة لتحقيق الإحتفال بالأسرة بمفهوم أوسع وأشمل.
مرة أخرى هذا هو شهر تقديم الشكر والإكرام لله وللأم، فقد أنعم الله علينا بالكثير من النعم التي يستحق أن نقدم له من أجلها الشكر، كما منحتنا الأم من الحب والرعاية ما يجعلنا أن نقدم لها الإكرام، والرائع أن كلا العيدين ينطوي على العطاء، فياليتنا نُشيع في محيطنا ووسط عائلاتنا، وأقربائنا وأصدقائنا ومجتمعنا هذا المناخ الذي يقوم على الحب والتقدير والشكر، فما أجمل أن نعطي وأن نقدم حباً وإكراماً، ويكون لسان حالنا وحال قلبنا هو الشكر.
|