بقلم: زهير دعيم
تناقلت بعض وسائل الاعلام خبر رفض مجلس طائفة الروم الاورثوذكس في الناصرة ، دفن سيّدة مسيحيّة أرثوذكسيّة من جنوب لبنان في مقبرة الطائفة .
وقد بّرر الدكتور عزمي حكيم رئيس الهيئة التمثيليّة في الطائفة هذا القرار قائلا ً:
"إنَّ رفضنا جاء على أساس أننا نعتبر انفسنا جزءًا لا يتجزّأ من الشعب الفلسطينيّ ، الذي يقاطع ولا يتعامل مع هؤلاء الخونة...".
وقفت طويلا أمام هذا القرار المجحف، وأمام هذا التبرير المُتسرّع وغير المقنع، وتساءلت وأتساءَل : الى متى سنبقى نَجْبِلُ كل قضية بطين السياسة ونخبزها في فرنها الداكن المعتم، البعيد عن الانسانية والاهم البعيد عن فكر الله؟!
الى متى سنبقى نُقدّس الارضيات بشوائبها ونتجاهل السماويات ؟
يا الهي لجنة الطائفة الاورثوذكسيّة وفي الناصرة بلد المسيح ، الذي غفر للزانية وللبشرية ، واشتراها بدمهِ ترفض أن تَهِبَ بقعة صغيرة لتستريح فيها ابنة دفع السَيّد دمه الغالي!!!
"من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"
أصداء هذه الآية الرائعة ما زالت تهدهد النفوس والارجاء ...اسألوا شباب وشيوخ اليهود الذين حاروا وخجلوا امام وقعها، فانسحبوا بانكسار وهزيمة بعد أن تحرّك فيهم الضمير، وكشف لهم الرب حقيقة نفوسهم وحقيقة انغماسهم في دنيا الخطيّة .
هل وقف الدكتور المحترم حكيم امام نور هذه الآية ؟! وهل وقف اعضاء الهيئة امامها ايضًا عندما قالوا بما معناه: لا...إنها نجسة، خاطئة"..
لا تدينوا كي لا تدانوا .. الم يسمعها هؤلاء الاحباء؟!..
الم يدروا اننا كلنا زغنا وفسدنا واعوزنا مجد الله؟!!
تصدمني الدهشة حقّا وانا اسمع وأرى والمس ، المس المسيحيّة في الكثير من المناطق بلا مسيح فتأتي عقيمة باهتة ، بلا روح.
وارى واسمع المجاملات تعلو فوق الايمان وانصت للقرارات الجوفاء ، الرنّانة والهادرة والتي تنضوي ابدَا تحت لواء المحبة ، المحبة التي تعطي من ذاتها، وتقدّم ذاتها على مذبح الفداء كما فعل الفادي .
لا فُضّ فوك يا غاندي الهند ، فإني اذكرك بالخير في كلّ يوم ، وأنا اسمع صدى قولك واعترافك الحكيم : " ما اروع الانجيل ، وما ابلغ الموعظة على الجبل، فلولا رجال الدين لأضحيتُ مسيحيّا ". وأنا أضيف لولا الهيئات التمثيليّة !!
خسر غاندي الملكوت ، وخَسر غاندي الملكوت ، وخَسَّر شعبه كذلك هذه النعمة المجانيّة العظيمة ، وخسرنا نحن اخوة بالملايين تركع في محراب الحقّ.
لا اريد أَن أُبَرّر ، ولا اريد أن ادافع عن " جيش لبنان الجنوبي " وابناء عائلاتهم، ولست في موقع الهجوم عليهم ايضا، فالظروف القاهرة اوقعت هؤلاء الناس في ورطة ، واقحمتهم رغم انفهم في دوّامة ما أَرادوها.
الكلّ يُخطئ ، والكلّ يتعثر ، ويبقى لنا وعلينا أن نسامح ونصفح ونغفر.
يبقى لنا ان نتجاوز الزلات وأن نتحلى بشيّم الكتاب المقدّس الذي نفتخر به.
لقد حان الوقت أن ننطلق فوق الجزئيات وفوق الصغائر والترهات ، آن لنا َأن نفهم ونعي ونُدرك البشارة كما هي ، فلا نطوّعها لارادتنا ورغبتنا ، ولا نُفسّرها كما يحلو لنا ويطيب ، فلا ندمغها بدمغة الفئوية والتقوقع السياسي الأعوج أصلا.
قال السيّد له المجد:
"اعطوا ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله"
فقد دفع هؤلاء القوم الجزية لقيصر ، ألا يكفيهم أنهم يعيشون في الغُربة؟
ثُمّ من قال أنهم اقلّ وطنية من نصر الله وحزب الله وغيرهم ؟!
نعم مَن قال ذلك؟!
ألا يخدم السالف ذكرهم الفرس والعجم على حساب العرب وبيروت ولبنان وهم يقولون : بعدي وبعدنا الطوفان !!
أين الوطنية في حرق بيروت مقابل اختطاف جثتين او ثلاث لجنود اسرائليين؟
اين الوطنيّة في حكومة داخل حكومة ، وجيش داخل جيش ودولة داخل دولة؟!
اين الوطنيّة التي يتشدق بها أرباب الوطنيّة في كل ّ يوم والمعارك مستمرة بين غزة حَماس ، وفتح الضفة والعنف والاتهامات والاعتقالات بين الجانبين تصل العنان!!
لقد هيمنت الضبابيّة على النفوس ، وغدا المقياس المزيّف ميزانًا ، وكأنه الحق، في حين غاب الحقّ الحقيقي ، غاب وسيعود ..
غاب ولم يمت!!
غاب خلف غيمة، ستبعثرها شمس الحقّ قريبًا ، وستتبخر هذه الخزعبلات "ويبان المرج" وتظهر الحقيقة ساطعة .
ويبقى السؤال:
هل هذه الهيئة التدريسية التمثيليّة وامثالها هي هيئات سياسيّة ام روحانيّة؟!
وهل هي تتبع الأرضيين ، ام خُطى ذاك الذي مشى على المياه؟!!
وهل دستورها أرضيّ من اسفل ، بشريّ ضيّق ، ام دستور الايمان ، بل دستور السماء؟!
لا اريد جوابًا، فالجواب كان واضحًا جليًّا في قرار الهيئة التمثيليّة الارثوذكسيّة في ناصرة المسيح. |