بقلم: مجدي ملاك
لا أعرف إذا كان يجب أن نكتب دعوة للتعجب أم دعوة للاستنكار أو نتعامل مع الأمر على أساس أنه أمر عادي، وفي الحقيقة أنا أميل إلى الاحتمال الثالث وهو أن نتعامل مع الأمر باعتباره شيء تعودنا عليه ولا يوجد فيه جديد.
فاليوم حدثت فتنة طائفية بالمنيا بعد العديد من الحوادث الأخرى التي سبقت هذا الحاث ولا يمكن لأحد أن يحاول إقناعنا أن هذه السرعة الرهيبة التي تحدث بيها الفتن الطائفية هو أمر سينتهي قريبًا أو ربما تحله القيادات في الفترة القادمة، فهو أمر لا يمكن لمجموعة أو للنظام أن يسيطر عليه بأي شكل من الأشكال فالأمور قد استفحلت بالشكل الذي جعل من هذه الفتن سرطان انتشر في الجسم المصري كله، ومن ثم علاجه ربما يحتاج إلى معجزة حتى يكون هناك أمل في تغيير هذا الواقع المر الذي نعيشه كل يوم في فتن طائفية تأتى على الأخضر واليابس على الدولة المصري.
ولكن يجب في البداية أن نعلم إن تلك الفتن الطائفية ستستمر وهذه ليست دعوة للتشاؤم بقدر ما هو تعبير عن واقع نعيشه واستمرار تلك الفتن الطائفية يرجع إلى استمرار أسباب ومسببات تلك الفتن الطائفية التي يمكن تلخيصها في عدد من الأسباب:
مقدمة تلك الأسباب التي تجعل تلك الفتن تظهر بشكل سريع ومتواصل هو ذلك الشحن ضد الأقباط خاصة في الجوامع وهو أمر لا يمكن أن ننكره أو نحاول تجميله، ففي المنطقة التي اسكن فيها اسمع ما لا يمكن أن يقبله أي إنسان مسلم على نفسه من دعاء على النصارى واليهود وكل الكون ما عدا المسلمين في العالم ومن ثم تمثل عمليه الشحن عامل أساسي في دفع الأفراد لكراهية الأقباط بشكل كبير.
وإذا كان هذا الشحن على المستوى الشعبي فهناك شحن على المستوى الأكبر وهو الشحن الإعلامي الذي تستخدم فيه برامج تليفزيونية بعضها حكومي لتكفير الأقباط واعتبارهم أهل شرك ومن ثم تكتمل دائرة الشحن بشقيه الشعبي والرسمي.
ثاني تلك الأسباب هو غياب حقوق للأقباط تدفعهم للعمل من أجل الحصول على تلك الحقوق حتى لو بمخالفة القانون، وأول تلك الحقوق التي تمثل تلك الأزمة هو الحق في بناء كنيسة يصلون فيها، ففي تصريح أخير للشيخ خالد الجندي على موقع العربية أوضح أنه يجب أن يُسمح للأقباط ببناء كنائس مثلهم مثل المسلمين وهو ما يعني أن هناك اعتراف ضمني بأن عدد الكنائس الموجود غير كافي وأن الأقباط غير متساويين في هذا الحق، وهو الحق الذي يدفع إلى انتهاك الأقباط لبعض القواعد الخاص ببناء الكنيسة نظرًا لصعوبة الحصول على ترخيص لبناء كنيسة مع تجاهل الدولة التام للانتهاء من قانون بناء دور العبادة الموحد الذي ربما يساعد على إعطاء الأقباط لهذا الحق.
ثالث هذه الأسباب استمرار قيام الدولة بدور سلبي في التعامل مع تلك الحوادث واستخدام أسلوب ينتهك سيادة القانون، كان أخرها ما حدث من صلح حول قضية دير أبو فانا وهو الصلح الذي ينتهك القانون لصالح المصالح الشخصية الضيقة، فحرص الدولة على تجاهل القانون في التعامل مع تلك الأزمات خاصة إذا كان المتضرر من الأقباط يدفع في اتجاه تعطيل القانون وغياب هيبته أمام مَن يتعدىَ على أي من الحقوق التي تخص الأقباط ومن ثم يمثل نهج الدولة في استخدام المجالس العرفية كوسيلة لحل النزاعات هو أمر يصب في اتجاه زيادة الحوادث الطائفية ضد الأقباط بشكل مستمر.
رابعًا: ثقافة الاستعلاء التي يتميز بها المسلمين الذين يقومون بالاعتداء على الأقباط، فتلك الثقافة المتسبب الرئيسي فيها هي الدولة التي أعطت لهؤلاء انطباع أنه يمكن لهم الاعتداء على الأقباط وفي المقابل ستحميهم الدولة ولن يكون لهم جزاء قانوني، بل على العكس يمارس على الأقباط ضغوط من أجل التنازل عن حقوقهم وعن من قام بالاعتداء عليم، ومن ثم تمثل ثقافي الاستعلاء واحد من الأسباب الرئيسية التي تدفع في اتجاه زيادة الحوادث الطائفية تجاه الأقباط، وهو ما يمكن أن نطلق عليه إن هناك بعض من المسلمون يشعرون بما يمكن أن نطلق عليه التفوق أو superiority، وهو مصطلح يعني أنك تشعر بأنك أعلى وأكثر قيمة من فئة معينة من الأفراد وهو ما يجعلك تحتقر تلك الفئة وتتعامل بنوع من التعالي عليها.
خامسًا: غياب أي دور للمجتمع المدني والأحزاب في معالجة المشاكل الطائفية وهي نقطة غاية في الأهمية حيث لم تقم الأحزاب بأي دور فاعل في أي من الحوادث الطائفية وهو أمر غاية في الغرابة أن لا تلعب الأحزاب السياسية أو أن لا تستثمر تلك الحوادث في محاولة القيام بدور مؤثر يجعل من تواجدها في الشارع وبين الفئات المختلفة أمر واقع بديل عن الدور السلبي الذي تعيش فيه هو ما يضعف من شعبيتها وتواجدها على الساحة السياسية بشكل عام.
اعتقد أن استمرار الحوادث الطائفية هو أمر حتمي طوال الفترة القادمة وهذا ليس نوع من التشاؤم بقدر ما هو نوع من التحليل الواقعي بناء على المعطيات التي نعيش فيها ولذا فإذا أرادت الدولة أن تقضي على تلك الحوادث فليس هو المطلوب التعامل مع قضية بعينها من الحوادث الطائفية بقدر ما هو مطلوب التعامل مع الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء تلك الحوادث.
|