بقلم: نشأت المصري
هذا ليس عنوان من إختياري بل هو سؤال إستفتاء رأي على موقع الأقباط متحدون,,ولكنه سؤال ألهب مشاعري وتعمق داخلي بشيء من التفصيل عندما أردت أن أقنع نفسي بأحدى الاختيارات المتاحة وهي نعم ..... لا ..... أحياناً ,,, شعرت أن هذا السؤال العميق لا يجاوب عليه بهذا الاختصار,, بل يحتاج لكتب بل لمجلدات تحكي تاريخ ونوعية الشعب المصري بل تحكي متى يضطهد ومتى يظهر المحبة والتعاون ,, وما هي المؤثرات التي تتحكم في عواطفه ليكون إما مضطهِد بكسر الهاء أو مضطهَد بفتح الهاء ومتى يكون غالي ومتى يكون كلاشيء ..
وحتى لا أثقل على القارئ العزيز سوف أطرح الموضوع في شقين فقط:ـ
الشق الأول : أي مصري يقصد؟
المصري المسلم ,,, المصري المسيحي ,,, المصري المنتفع ,,, المصري البسيط,,, المصري المستثمر ,, المصري الذي من الطبقة المتوسطة.
كل ما سبق مصريون وجميعهم ينتمون لهذا الوطن ,, ولكن مصر كونها دولة ترعى التمييز العنصري بين المواطنين ( وهنا أقصد بمصر النظام المصري وليس الشعب ) فهي أيضاً تٌخضع الشعب تحت تصنيفات متعددة سواء ضمن ما ذكرت أو تصنيفات أخرى لم تطرأ على تفكيري.
فالمصري المسلم غالي أكثر من المسيحي
والمصري المستثمر غالي أكثر من الفقير.
المصري المنتفع والمتملق للنظام غالي أكثر من باقي الشعب.
والمصري الذي من الطبقة المتوسطة بين حجري الرحى.
بل يمكن أن أحد المصريين يجمع بين أثنين أو أكثر من التميز لهذا فهو الأفضل والباقي في الضياع.
الشق الثاني: كلمة وطنك!!!!
أي تعريف للوطن يقصد :
• الوطن هو الأرض ,, أي أرض مصر وتراب مصر ,, وهذا ليس له مشاعر يفصل بها بين من هو غالي ومن هو رخيص.
• الوطن هو الحكومة أو النظام الذي يدير دفة الحكم وهذا يتمثل في جميع الوزارات المعنية.
• الوطن هو الناس والسكان من كل الإنتماءات الدينية والعرقية,, وهؤلاء يتحكم في مشاعرهم عدة عوامل متداخلة مع بعضها البعض فتكون المحصلة هي السلوك العام للمجتمع.
فلو تخيلنا المواطن البسيط فهو لا يعرف وطن غير القرية الصغيرة أو المدينة الصغيرة ,, أوالشارع أوالحي الذي يعيش فيه,,, ولا يعرف غير ثلاثة في كل حياته:
• الأول الجار أي السكان المقربين له ومن ضمنهم الدكتور ومدرس الأولاد, والزميل في العمل ,, وصاحب العمل ومديره.
• الثاني العسكري أو مسئولين الحكومة.
• الأقرباء أو الأخوة والأخوات وكل من تربطه بهم صلة رحم.
فهو يحب الأول ويتعاون معه وهم غاليين عليه وهو غالي عليهم,, حتى وبدون أن ينظر للتفرقة العنصرية بينهم,, فيحبهم ويتعايش معهم,, ولكن هذا الإحساس في الظروف العادية فقط دون مؤثرات خارجية.
يخاف الثاني ويعتبره مصدر رعب , فلا يتعاون معه بصورة مطلقة ويتجنب الاحتكاك بهم ويمكن أن يترك حقه مقابل التعرض لأحدهم.
يعتبر الثالث عزوته ومصدر قوتة ,, يتباهى بهم مقرناً نفسه بهم ,, ولكن محبته لهم تتعمق إذا تقابلت المصالح وتتهاوى إذا تعارضت المصالح.
ومن خلال هذا التشعب الغريب في حياة المصريين تجد إجابة السؤال صعبة لا يمكن أن تنطوي تحت ثلاثة إختيارات.
فأنا غالي على جاري وصديقي ,, وغالي على أهل بلدي وقريتي ,, وغالي على أسرتي وأقربائي ,, وهم وطني ولا أريد وطن غيرهم ,, بل أشعر أنني ميت بدونهم,, أما النظام فلا يبغي غير مصالحه وكرسيه الذي لا يريده لأحد غيره فهذا النوع من الأنظمة ليس أحد غالي لديه غير المرتزقة وأصحاب المصالح ,, هؤلاء ليسوا هم الوطن.
وعلى صعيد أخر,, يقول الكتاب "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" كل إنسان له روح العطاء وهنا أقصد ليس العطاء المادي فقط بل كل أنواع العطاء والتعاون مع الأخر دون تمييز شخص عن شخص فهذا النوع من البشر,, جميع الناس غاليين عليه ويحبهم محبته لنفسه,,, وأنني أعتبر أن الإنسان الغير معطي ميت حتى لو كان من أكبر القيادات العامة أو الدينية,, كما أنني أعتبر أن المعطي بغرض ما سواء سياسي أو ديني أو معنوي فيكسب بعطائه شموخ وكبرياء فهذا منافق وكاذب فقد يستفيد بعطائه من يستفيد ولكنه هو الخاسر,, وهذا بخلاف مرتزقة العطاء !!!!!!
أما الإنسان المعطي المسرور فهو الحياة وهو الغلو نفسه لأنه إفتقد المسكين والفقير والمحتاج.
لقد فسدت العلاقات البشرية داخل الوطن ,, ليس بتأثير الفقر والحاجة وليس بتأثير المشكلات المجتمعية العامة,, ولكن فسدت بسبب الأديان وعلاقتها بالنظام الحاكم,, فقد إستغل النظام محبة التدين لدى المصريين فقسمهم تبعاً لأنتماءاتهم الدينية,, وسيطر على الأغلبية بنعرات وشعارات دينية براقة ,, كالقومية العربية وسيادة الإسلام على العالم أجمع,, مستغلين الخطاب الإسلامي لهذا الغرض,,لتكون العلاقة هنا تبادل منفعة بين المسلمين والنظام لأن النظام يخاف الغالبية وبذكاء يحتمى بها,, مما جعل مصر مستهدفة من الإسلام السياسي والوهابية بإستغلال النزعات الدينية في إسقاط العرش المصري في أيدي الإسلام السياسي.
وهذه النزعة الدينية نفسها تسببت في إضطهاد الأديان الأخرى والمذاهب الأخرى في مصر,, فجعل من غير المسلم عدو للوطن الذي هو الغالبية المسلمة السنية,, فأسقط العلاقة الحميمة بين الجيران مما قد جعل سكنى مصر لغير المسلمين معاناة,,وأيضاً لا نغفل انواع التمييز العنصري الأخرى في هذا الوطن كالتمييز بين الغني والفقير والقروي وإبن المدينة والصعيدي والبحراوي والجاهل والمتعلم والسياسي والإنسان البسيط ,,والرجل والمرأة,والقوي والضعيف, كل هذه أنواع تمييز عنصري في مصر تقسم المجتمع وتقضي على العلاقات الحميمة بين أهله,, وتجعل الحسد والحقد يجري في عروقه.
لهذا لو وجدت القيادة المختارة من الشعب والتي تحب الشعب وتضحي من أجله,, أي تمتلك العطاء الحقيقي ,, وتقضي على كل أنواع التمييز العنصري في مصر ,, وتجعل الدين علاقة بين الخالق والمخلوق دون تدخله في السياسة,أو وجد الدستور والقانون الذي يحمي الشعب ويجبر القيادة على هذا, حينئذ سوف أكون غالي على الحكومة والنظام,, والبلد والوطن أغلى من الغالي لأن الوطن غالي فعلا رغم كل ما نعانيه.
|