CET 00:00:00 - 13/03/2009

مساحة رأي

بقلم- د.صبري فوزي جوهرة
ربما كان الأقباط في هذه الأيام في طريقهم إلى إهدار فرصة واعدة ببعض التقدم لقضيتهم، فمن الواضح أن الرئيس المصري حسني مبارك يسعى بإصرار إلى التقرب من الإدارة الأمريكية الجديدة ولعل ذلك من قبيل ضمان تبوء إبنه جمال مقعد الرئاسة بعد عام 2011 حينما يكون الرئيس الأزلي قد بلغ الثالثة والثمانين من العمر وبذلك يصل به إنتخابه للمرة السادسة للرئاسة عند نهايتها ما يقترب من سن التسعين وهو أمر غير معقول أن توضع كل مقدرات مصر بملايينها الثمانين في يدي رجل في مثل هذا السن المتقدم.
وهنا يجدر بي أن أؤكد بكل إخلاص تمنياتي لحسني مبارك بتمام الصحة والعمر المديد، لعل الرئيس مبارك ذاته قد توصل أخيراًَ إلى حقيقة أن توليه الرئاسة لفترة سادسة لم يعد معقولاًَ او مقبولاًَ في نظر العالم وان كان إقتناعه هذا ربما على مضض، لذلك كان عليه أن يمهد السبيل لجيمى ليرث مصر وما عليها.
ويبدو أن الرئيس على ثقة بأن العامل الأهم والأول في ضمان التوريث هو رضا الولايات المتحدة وقبولها، ولا شك ان ليس هناك من يعلم بعمق هذه الحقيقة اكثر من "ريسنا العقر" فهو أول من إختبرها ومارسها ويعلم عنها من الأسرار والحقائق والملابسات ما قد خفى حتى عن أقرب المقربين إليه.
وان كان تدهور أحوال مصر في كافة المجالات الداخلية لا يرقى إلى مستوى إهتمام الرئيس مبارك حتى يتوجه إليه ببعض الإهتمام, ربما لعوامل الشيخوخة او لما عرف عنه من انه من أشد المؤمنين بممارسة سياسة الحفاظ على "الإستقرار" (stability) حتى وان كان هذا الإستقرار على نقطة الصفر او ما كان أسفلها، أمر واحد يحظى بإنتباهه وعمله الدائب هو ضمان وصول جيمى إلى الحكم.
وهناك عدد من الدلائل تشير إلى "بعد نظر" الرئيس في هذا المجال منذ بداية حكمه الميمون في اكتوبر من عام 1981 مثل إصراره على عدم شغل منصب نائب الرئيس إلى الآن رغم المطالبة والإستفسار والهمز واللمز المتكرر عن أسباب هذاالتقليد الذي لم يسبقه إليه أحد حتى اعتى الطغاة الذين إبتليت بهم مصر من قبله, هذا بالإضافة إلى المناورات التشريعية والدساتير التي فصلت على مقاس واحد مخصوص وبس.
ليس الإصرار على إحلال جيمي مكان حسني هو من قبيل الشعور الأبوي والحفاظ على الوظيفة في العيلة فحسب بل يمتد إلى ما هو اعمق واكثر برجماتية من هذا وهو ضمان ما قد يحمله المستقبل للرئيس المعتزل بعد إضطراره للتخلي عن الرئاسة ومسائلته عن التدهور الذي أصاب مقادير البلاد خلال سنوات حكمه التي تجاوزت عدد زيجات الفنانة المحبوبة الشابة "صباح" بعدة مرات.
فمن المؤكد أن حاكم مصر القادم سيقلب ظهر المجن على سابقه و"يحاكمه" كما فعل العسكر في رجال مصر الذين سبقوهم في الحكم بعد إنقلابهم مع الفارق العظيم بين هؤلاء وزمانهم وأعمالهم وما آلت إليه أحوال مصر في أيامنا هذه.
الرئيس مبارك يعلم تماماًَ أن السبيل الوحيد لسلامته الشخصية وسلامة أسرته والحفاظ على "ميراثه" كرئيس لمصر لحد ما الناس تنسى وتتلهى بمحاولات إصلاح ما فسد أن يتم في أن يتبوأ إبنه كرسي الرئاسة فيصد عنه غائلة الحساب العسير.
مرة أخرى طالت مقدمتي، أما ما أريد أن أقوله فهو إنه بالرغم من الكلام الفارغ الذي يتفوه به البعض من أن مصر لا تقبل ولا تستسلم لأية ضغوط خارجية فحتى الولايات المتحدة بجلالة قدرها أصبحت تحتسب ما يقوله العالم عنها فما بالنا بدولة كمصر إنحدرت مقدراتها حتى أصبحت مهمشة بقدر جعل إسرائيل والولايات المتحدة تفرضان عليها ما يجب أن تلتزم به على حدودها وربما أيضاًَ في داخلها, وإوعى حد يصدق عنتريات السيد احمد ابو الغيط الموظف في وزارة الخارجية.
ليس هذا فقط بل أن الجالس في البيت الأبيض هو من سيقرر من  الذي سيتربع على كرسى الرئاسة المصرية ومن شبه المحتم أن تكون أداة تنفيذ هذه الإرادة الأمريكية هي جيش مصر والسيطرة عليه بطريقة او أخرى.
فلن يمكث أحد على كرسى الحكم في مصر طويلاًَ إن لم يكن ذلك بتأييد الجيش وقبوله.
أما الدلائل على أن معظم أوراق اللعب, إن لم تكن جميعها, هي في يد أمريكا فقد شاهدناها علنا وبلا أدنى قدر من التمويه او الحياء عندما حاول جيمي التسرب خلسة إلى الولايات المتحدة ليستجدي الرضا وما سبق ذلك من الجانب الأمريكي من وضع الشرط الواضح بضرورة إطلاق سراح أيمن نور من سجنه قبل السماح لجيمي بالحصول على تأشيرة الدخول وكانت تلك الإشارة قد أعطيت في مقال وحيد في جريدة واشنطن بوست.
وكلنا نعلم بما حدث نتيجة هذا المقال من الهرولة  للإفراج الغريب عن أيمن نور، فإذا كانت الإدارة الأمريكية قد أصرت على الإفراج عن شخص واحد لا حول له ولا قوة, وبالرغم من إنعدام أسباب تكتيكية تبرر ممارسة الضغط الأمريكي على مبارك في هذا الوقت بالتحديد للإفراج عن أيمن نور.
ان كان هذا هو الوضع الحالي فليس من المستبعد او من المستحيل أن تتحرك إدارة الرئيس باراك أوباما التي أصرت على تحرير فرد واحد من سجنه بالإستجابة لمعاناة وإذلال الأقباط في بلادهم والضغط على الرئيس المصري لوقف محاولات إبادة الوجود القبطي في مصر خاصة لما قد يترتب على تلك الإبادة من عواقب عملية تنعكس على إستقرار مصر ووقوع البلاد في أيدي المطززين الآثمة وتلاميذهم ومواليهم وما يترتب على ذلك من إنفلات الأمور من يدي أمريكا إلى قدر قد يستلزم التدخل السافر في مصر وزيادة الأعباء التي تتحملها في المنطقة.
وكما هو معلوم وطبيعي ليس هناك تعارض بين أمن الأقباط وأمن وإستقرار وتقدم بلادهم وجميعها تتوازى كذلك مع مصالح الولايات المتحدة والعالم باسره.
على أقباط المهجر إذن إيجاد وسيلة فعالة ومستديمة لإسماع صوتهم الموحد للإدراة الأمريكية بفرعيها التنفيذي والتشريعي خاصة في هذا الوقت الحرج وفي المستقبل أيضاًَ.
ومع علمي التام بأن المصالح الأمريكية البحتة هي التي ستفرض إتجاه ومقدار وتوقيت التغيير الذي سيجىء حتماًَ إلى مصر، فان ما يقوم عليه موقفنا هو إستناده الواضح والتام إلى أسس العدل والمساواة والتقدم ليس لنا فقط بل ولكافة أبناء الوطن.
ولن يضيرنا بل إستوجب علينا أن نواصل المطالبة بحقوقنا في بلادنا خاصة ونحن ندفع ثمن ذلك فعلاًَ وبلا مقابل إلى الآن ولكن عدونا الأكبر هو الكف عن الكفاح من اجل أهدافنا المشروعة. كذلك لا يضير الولايات المتحدة أيضاًَ أن يكون لها في مصر برمتها, مسلميها وأقباطها, الحليف القوي الواثق بعد إنحدار طويل يعلم الجميع أنه واقعنا الآن، وعلى من يتشكك في صحة هذا المنطق وفاعلية تنفيذه أن ينظر إلى مدى إلتزام أمريكا بسلامة ورخاء إسرائيل فلا يرجع ذلك التأييد شبه المطلق إلى أن عيون الإسرائيليين أحلى من عيون غيرهم, بل لأنهم فهموا اللعبة من أولها وأقنعوا أمريكا بأنهم أكثر فائدة لها من مئات الملايين من العرب.
كذلك مصر القوية الواثقة الناهضة ستكون عوناًَ وليست عالة على  الولايات المتحدة وتغدو عاملاًَ قوياًَ في إحلال الإستقرارالحقيقي الإيجابي غير المتوقف تحت الصفر في المنطقة والتصدي للتحدي الإيراني والبلاوي المتلتلة الأخرى، الظاهر منها والخفي وما هو قائم، وما سيستجد خاصة إن بقيت الأمور على ما هي عليه الآن.
وحتى نخرس المتبجحين المدعين "بالإستقواء" بالولايات المتحدة اقول:
1. ليس هناك إستقواء اكثر تجبراًَ وإفساداًَ من إحلال أعراف وعادات بدو الصحراء الذين إستجد عليهم لبس النعال حديثاًَ بتقاليد وقيم وعادات وحضارة مصر معلمة العالم وأمه.
2. تعريف أقباط المهجر وهم دافعوا الضرائب التي تنفق منها الولايات المتحدة على اللي يسوى واللي ما يسواش لحكومتهم بإهتماماتهم ولفت نظرها إلى حقائق لا شك إنها تعلم بها مسبقاًَ إنما هو واجب وطني يقومون به نحو الولايات المتحدة ومصر.
3. لقد سبقنا بعض المصريين من غير الأقباط بإبلاغ معاناتهم في مصر من النظام القائم للإدارة الأمريكية ونحن نؤيدهم فيما فعلوا بقدر أمانة وعدالة ما قدموا.


 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٩ تعليق