CET 00:00:00 - 14/03/2009

مساحة رأي

بقلم /  نشأت عدلي
أحلى إسم في هذا الكون كله هو إسمها.. فهى كل شيء مملوءة حنان وحب .. كل بذل وتضحية تكون هي بطلتها بلا منازع.. الأقلام كلها تتبارى لتمدح الأم .. فهى الوحيدة التي تستحق أن يُكتب عنها كل يوم.. مَن مِنا يستطيع أن ينسى لحظات الحب والحنين التي تغدقها الأم على كل من في البيت.. ربما أكون أنا من الذين لم يذوقوا حنانها ولكن الله قد عوضنى هذا الحنان في جدتي.. كنت أنام دائماًَ بجوارها.
وحينما تسافر إلى إبن من أبنائها (عمامي)  دون أن أكون معها وهذا نادراًَ ما يحدث.. ما كنت أعرف أن أنام.. ودموعي دائماًَ على خدي.. وكنت أرسل لها خطابات بدمع العين حتى تعود سريعاًَ.. وكانت الدنيا لا تسعني فرحة بعودتها.. كنت دائم الجلوس على رجليها.. كنت أسألها.. عمى فلان بيقولك يا ماما وعمى فلان بيقولك برضه يا ماما وبابا بيقولك يا ماما وانا بقولك يا ماما، طب ليه أنا بقول لعدلي (والدي) يا بابا.. وكان هذا السؤال يشغلني كثيراًَ.. ولم أجد إجابة من الذين سألتهم سوى دموع حارقة أدركتها فيما بعد.. بعد أن عرفت الحقيقة.

كان خوفها علىّ لم أعرف له مثيل.. دائمة الدعاء لكل الموجودين.. وكانت هذه الدعوة دائمة على لسانها .. يارب حافظ على عيالي وعيال عيالي ولا تكويلي قلب على حد فيهم.. ولا تديني مال يدلني أو فقر يذلني.. ولا تخّليها من يدي وجيبي.. حكمة عالية.. وقلوب صافية مملوءة بالحب لأنها لا تعرف غيره سبيل.. بالرغم من كبر سنها إلا أنها كانت دائمة الحركة.. تستيقظ مبكراًَ لتعد لي طعام إفطاري.. وكانت هي تلبسني.. وتجهز شنطة كتبي.. وعند خروجي ترشمني بعلامة الصليب أمامي وخلفي.. وسيل من الدعوات التي أفتقدتها اليوم.. شيء لم أراه في هذه الأيام.. ولا أنسى أنها أول من إكتشفت إني مريض بالسكّر.. وأصرت أن يُجرى لي تحليلاًَ.. وصدق إحساسها.

لم أكن أشعر أبداًَ انها جدتي بل هي أمي.. ومن رأيت غيرها حتى أقول لها يا أمى؟؟.. أما هي فكان خوفها علىَّ جارف، يوم أن أكون مريضاًَ.. أجدها راقدة تحت رجلىّ .. صاحية..لا تعرف النوم.. وكان كل كلامها معي تغلبه الدموع أكثر من الكلام.. لقد علمتني لغة الدموع.. دموع الصدق.. دموع المحبة الصادقة.. علمتني أن محبة الناس كنوز.. كل ما زرعته من قيم هو الذي أعيش به الآن.. وعندما كنت أشكي لها من هذا أو ذاك.. تقول لي أية لم أدركها إلا الآن "إلق خبزك على وجه المياه فلابد يوماًَ يعود" وكانت دائماًَ تقول.. الخير اللي تعمله يعود ليك في صحتك.. وفي عيالك.. وكنت أنتهز أية مناسبة لكي أقدم لها هدية.
كنت أريد أن أشعر بأني لست أقل من الباقين الذين لهم أمهات يقدمون لهن الهدايا في عيدها.. ولكني كنت أزيد العيد أعياد لكي أهاديها.. ومع هذا كنت أشعر بشيء من الحرمان.. وفى يوم زواجي وقد فاقت الثمانين.. ظلت واقفة خلفي طوال مراسم الأكليل إلى أن إنتهى.. وأنا أنظر إليها دامعاًَ لهذا الحب الطاغي .. وفي مرضها الأخير ظلت طريحة الفراش ما يقرب من ثلاث سنوات لم تفتر يوماًَ أن تشكر الله في هذه السنوات.. إلى أن جاء يوم رحيلها .. الغريب لم تنزل دمعة واحدة من عيناي.. وأنا أنظر إليها مسجية على فراش راحتها.. وإحساس جارف وصوت صارخ بداخلي.. اليوم فقدت أمي..  وكنت أشتم رائحة بخور ملئت البيت كله.. وأيضاًَ لم تدمع عيناي ولكني فوجئت بدم كثير ينزف على بدلتي.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق