بقلم: نبيل شرف الدين
كنا نتوقع عودة المهاجرين للغرب من المسلمين وأبنائهم أطباء ومهندسين ومخترعين، يعلموننا ويأخذون بأيادينا لننهض من عثرتنا، لكنهم خذلونا وأصابونا بخيبة أمل ثقيلة، حين أعادوا إنتاج أسوأ ما فينا، فأصبح الغرب مرتعاً لأكثر الجاليات المهاجرة تطرفاً وعزلة، واصطداماً مع المجتمعات التى يعيشون بها، فباستثناء من رحم ربى، سنجد أمرهم فى أى دولة غربية قلما يخرج عن حالات ثلاث، تبدو المقارنة بينها كتخيير المرء بين السرطان والإيدز والقنبلة النووية.
يعيش فى أوروبا نحو أربعين مليون مسلم، وهناك نحو عشرة ملايين فى الأمريكيتين، لن تسمع من معظم هؤلاء سوى أكثر التعبيرات كراهية للغرب، ومع ذلك يصرون على البقاء فى كنفه، ليتعاملوا معه بطريقة «الخرتية» المشهورين بالاحتيال على السياح، ظناً بأنهم «أشطر» من هؤلاء الغربيين «السذج».
بعد كل ذلك ليس لنا أن نُصدم حين يظهر تطرف مقابل فى الغرب، فلكل فعل رد فعل، وينبغى أن نتوقع ردوداً قاسية وممارسات عدوانية بل عنصرية، والحل بتقديرى يبدأ بأنفسنا، بأن نقطع ألسنة هؤلاء السفهاء المحسوبين علينا، وننبذهم، قبل أن نغضب من الغرب أو حتى نعاتبه.
وتقتضى الموضوعية أن نميز بين «المهاجرين القدامى» الذين تفاعلوا مع مجتمعاتهم الجديدة ونجحوا فيها، كما ساعدوا ذويهم فى مصر، بينما يمكن أن نرصد ببساطة أن الموجات الأخيرة من «المهاجرين الجدد» لم تنتج سوى نماذج ثلاثة:
الأول منفلت أخلاقياً، يتعامل مع وطنه الجديد كأنه «ماخور»، فلا عمل له سوى السكر والعربدة والانخراط فى عصابات السرقة والمخدرات والدعارة والتهريب وكل صور انتهاك القوانين.
أما النموذج الثانى فهو المنكب على شؤونه الخاصة ضمن «جيتو» مغلق، فلا يعرف عن مجتمعه الغربى الذى يعيش به سوى ما يتعلق بحياته اليومية فى العمل والبناية التى يقطنها، حالة انسحاب تصل ببعض هؤلاء لدرجة أنهم يستنسخون فى المهجر نماذج من قراهم وأحيائهم التى تركوها فى مصر،
وبالتالى يحدث أن ترى مهاجرين لا يتقنون حتى لغة البلد الذى يعيشون فيه، ناهيك عن دورهم المنعدم فى الشؤون العامة.
يبقى النموذج الثالث وهو «أم الكبائر»، التى تتحمل الأمة الإسلامية برمتها فاتورة سلوكهم الإجرامى الأرعن، وهم غلاة المتطرفين المتأسلمين المتاجرين بمظهر يبدو للعوام وقوراً تقياً،
بينما يؤكد التاريخ الشخصى لبعضهم أنهم ضالعون بالإجرام والبلطجة، كما هو حال المتطرف الشهير الذى يصر على الظهور عبر الفضائيات بسمتٍ منفّر، بخطافه المعدنى، والعصابة على إحدى عينيه، كأنه قرصان جرى استجلابه من القرون الوسطى ليشوه صورة الإسلام ومعتنقيه من المعتدلين المتصالحين مع الكون ومع أنفسهم.
رجل مسلم مسالم مثلى لا ينتمى لنفس الكوكب الذى يعيث فيه هؤلاء «الخوارج الجدد» فساداً وإفساداً، لماذا يدفع فاتورة إرهاب الظواهرى، وعنتريات أبو حمزة المصرى، وتنطع أبو قتادة الفلسطينى، ومؤامرات سفراء الإخوان فى التنظيم الدولى، وغيرهم من شرار الخلق؟
لماذا أجد نفسى موضع ريبة فى جميع المطارات والموانئ، لا لشىء سوى أننى أحمل سمتاً شرقياً، واسماً عربياً، وجواز سفر تصدره دولة مدرجة على قوائم الشك، بينما من كانوا السبب فى رسوخ هذه الصورة النمطية البشعة يعيشون فى الغرب برعاية كريمة منه، وتحسب لهم سلطاته ألف حساب، وتبرم معهم صفقات معلنة حيناً، وسرية أحياناً، وبعد كل هذا يتبجح هؤلاء باتهامنا نحن من ندعو للأخذ بأسباب العلم والتقدم لأمتنا، بأننا عملاء للغرب، فأى هزل وسخف هذا؟!
من هو العميل إذن؟، الذى يستمسك بتراب بلاده رغم قدرته على الهجرة، لكنه يبقى ساعياً للارتقاء بمجتمعه، ليتصالح مع العالم، ويسهم فى صنع وطن يتسع للجميع، بغض النظر عن العرق أو الدين أم هو ذلك الأفّاق الذى يعيش عالة على عطايا الغرب، ولا يجد غضاضة فى تسويق الكراهية والتحريض على الغرب،
بينما يطعم أبناءه من خيراته، ويشوه صورة ثقافتنا، ليس بالقول فحسب، بل بالسلوك العدوانى الذى جعل صورتنا فى مخيلة الغرب كأننا أشرار العالم، وحجر عثرة فى مسيرة التقدم الإنسانى.. أليست كل هذه أسباب كافية للتبرؤ من هؤلاء دون مواربة، بل قتالهم لو اقتضى الأمر؟
Nabil@elaph.com |