بقلم: زهير دعيم
أذوب حُبًّا في أغاني فيروز والصّافي وماجدة الرّومي، فهذه الأغاني وهذه الأصوات الشجيّة العذبة تُلوّن لك الأيام وتُلبسها برداء الفرح.
حقًّا؛ مثل هذه الأغاني تأخذك إلى الجوِّ، فتُحلِّق نفسك هائمةً طربة، ولكنْ إذا تسنّى لك واستمعت إلى هؤلاء العمالقة يُرنِّمون ويُسبِّحون، فستشعر بالسِّحر عينه، فتذوب بالله الحيّ، وتعشقه وتُحلِّق نفسك لا الى الجوِّ فقط وإنما إلى السّماء.
فيروز –النبيذ المُعتَّق– تزيدها الأيام والسنون رونقًا وجمالاً، فكلّما أسمع أيام الفصح ترنيمة "اليوم عُلِّقَ" أو "المسيح قام" أو غيرها، تهيم نفسي بعيدًا تسبر الماضي والتاريخ واللحظات، وأشعر وكأني هناك حاضر أسمع دقّ المسامير، وقهقهة جنود الرّومان وصرخات الغضب... أصلبه.. أصلبه.. انزل عن الصليب إن كنت ابن الله!! فأتقطّع حزنًا.
نبيذ مُعتَّق!!!.. وصف هزيل يعجز عن إيفاء فيروز والصّافي والرّومي حقّهم.
"اهتفوا أيها الصديقون بالرب بالمستقيمين يليق التسبيح" 33: 2 "احمدوا الرب بالعود بربابة ذات عشرة اوتار رنموا له" 33: 3 "غنوا له أغنية جديدة أحسنوا العزف بهتاف." (مزمور 33)
81: 1 رنموا لله قوتنا اهتفوا لإله يعقوب، 81: 2 ارفعوا نغمة و هاتوا دفًا عودًا حلوًا مع رباب" (مزمور 81)
ما أروع هذا الإله، الذي تجسَّد محبة، وفدى البشرية طوعًا.
ما أروع هذا الإله "الجالس بين تسبيحات إسرائيل"، الذي خلق النسمات والهمسات والزقزقات والأوتار والأصوات الشجيّة، هذا الإله الذي يُسرّ بذبائح الحمد، و"يطرب" للترنيم والموسيقى والجمال، أليس هو "الأبرع جمالاّ من كلّ البشر ؟!!".
ما أروع الإله الذي خلق أرتال المُرنّمين والمُسبّحين له في كلّ شعب وبكلّ لغة، وخصّنا نحن الناطقين بالعربية بعشرات المُرنمين والمُرنّمات؛ كلّ واحد بصوته المُميَّز ولهجته المختلفة يُسبّح ويرنّم؛ هذا بلهجته الجليلية النصراوية، وتلك بالمصرية القريبة من القلب، وأولئك باللهجات اللبنانية والأردنية وحتّى المغربية والخليجيّة..
وتتعالى النغمات، وتتسامى التسبيحات فتصل بخورًا إلى الأعالي.
تصل نسمات عِرفان، وهمسات تقدير، وأريج محبّة.
أرتال المُرنِّمين وقفوا حياتهم لتمجيد ربّ السّماء، الذي تجلّى وتجسّد واتخذ صورة إنسان وصال وجال يصنع خيرًا.
أرتال تنتظرهم التيجان، كما تنتظر مجموعة أخرى، غنّت الحُبّ والطبيعة والعشق والشّباب فأبدعتْ، وصار اسمها على كلّ لسان، وذاع صيتها في كلّ ركن ومنحنىً، ولكنها فضّلت وقرّرت وقالت: "كفى.. كفى.. يجب أن يُوظَّف هذا الصوت في سبيل الربّ، يجب أن يُغرّده ويُمجّده ويُغنّيه، فهو أوْلى وأحقّ".
من منّا لا يعرف الفنّان المُبدع ربيع الخولي، الذي ملأ الآفاق والبلدان طربًا وألحاناً عِذابًا ؟
من منّا لا يذكره وهو يغنّي للآلاف فيحوز على التصفيق الحادّ والإعجاب الكبير ؟
ولكنه عاد إلى حِضن الآب.
عاد ليتفيأ ظلاله، ويشرب من نبعها الدفّاق، ويحمل قيثارته ويُسبّح.
عاد واختار النّصيب الصّالح، والّلحن الأروع، والمضمون الأجمل.
عاد وعاد غيره الكثيرون أمثال الفنان الكبير يوسف مطر، الذي غنّى المواويل الجميلة، وملأ قرانا وبلداتنا وأفراحنا طربًا.
وكذا الأمر مع المطرب الصّاعد، ذي الصوت العذب، عنان سلوم، الذي اعتزل قبل مدة بسيطة الغناء، واعتمد الترنيم مذهبًا ونهجًا ودربًا.
جميل أن نُغنّي الحُبّ والجمال والطبيعة والشباب في ذوق.
جميل ان نطرب فنرقص في اتزان.
والأجمل أن نُرنّم ونُسبِّح، ونذوب حُبًّا بهذا الإله الذي لم يتورع من تقديم ابنه الوحيد قربانًا على صليب الجلجثة، فداءً للبشر أجمعين. |