بقلم: أشرف عبد القادر
بأسف بالغ تلقيت نبأ اغتيال مروة الشربيني لأنها لحم من لحمي ودم من دمي، ولأن موت إنسان -أي إنسان- مهما كان جنسه أو دينه جريمة في حق الإنسانية، فما حدث لبنت بلدي مروة الشربيني شيء لا يصدقه عقل، أن تقتل طعنًا بمطواة داخل فناء المحكمة أمام طفلها وزوجها وهي الحامل في ثلاثة أشهر شيء فظيع، ونطالب من القضاء الألماني أن يوقع على الجاني أقصى عقوبة، ونشكر وسائل الإعلام الألمانية لأنها أدانت هذا العمل الإجرامي الجبان.
هناك عنصرية متزايدة في الغرب بسبب الإرهاب المتأسلم، سواء في الغرب نفسه أو في السودان حيث حكمت محكمة بجلد نساء 10 جلدات لأنهن كن لابسات لبنطلونات ضيقة في مقهى خاص بالنساء، أو في إيران حيث زورت الحكومة الفاشية الدينية الانتخابات وقتلت عشرات الشبان الذين احتجوا على التزوير وبينهم الشهيدة ندا ذات الـ 23 ربيعًا، أو في الصومال الذي ترجم المحاكم المتأسلمة النساء بالجملة والمفرق.. المتأسلمون هم حلفاء العنصرية في الغرب.. وهم سبب كراهيتنا في العالم، هناك في الغرب عنصرية وهناك أيضًا ديمقراطية وحقوق إنسان واحترام لنا نحن ضيوفه، أغلبية سكان الغرب يحترمون حقوق الإنسان ويعاملوننا معاملة حسنة أفضل من معاملة الدول المتأسلمة لمواطنيها غير المسلمين بل وحتى المسلمين.
ألم يقتل عمر البشير 200 ألف من مواطنيه سكان دارفور وهو مطلوب للمحكمة الدولية، ومع ذلك وجه راشد الغنوشي له خلال حرب غزة الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني تحية حارة لتأييد إجرامه والاحتجاج على قرار اعتقاله.
هناك دائمًا أقلية عنصرية في الغرب تسبح ضد التيار العام وقاتل مروة الشربيني ضمن هذه الأقلية. قلنا دائمًا ونؤكد أن لكل قاعدة شواذ وهذا المجرم القاتل من ضمن شواذ أوربا المصابون بـ"الإسلاموفبيا"، فكما يعرف الجميع أن موجة الخوف من الإسلام والمسلمين واتهام الإسلام بالعنف والإرهاب قد زادت بعد أحداث 11 سبتمبر، وبرهنا نحن لهذا الغرب –للأسف- الخائف منا على صدق اتهامه لنا بما نمارسه من مازوشية ومن عقابنا لأنفسنا بممارسة الإرهاب أكثر وأكثر أو بتأييد الإرهاب في كل مكان في العالم.
أعود للحادث الذي هز الوسط الثقافي والسياسي في مصر بعد أن اجتاحت المظاهرات أنحاء الإسكندرية، وأمام هذه الثورة العاطفية تدخل شيخ الأزهر ليخفف من وطأتها حتى لا تتحول إلى فوضى، وكعادتهم في رفع المتأسلمين قميص عثمان كذبًا كما رفعه معاوية في وجه الإمام علي لاغتصاب الخلافة منه مدعيًا القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، فأرجع المتأسلمون سبب قتلها لارتدائها للحجاب بل وأطلقوا عليها "شهيدة الحجاب"، فأطلقوا اسمها على أحد شوارع الإسكندرية، في حين أنه كان ممكن أن تُقتل هذه المسكينة على يد أي منحرف فكريًا نازيًا كان أو عنصريًا سواء أكانت محجبة أو غير محجبة، فلا دخل للحجاب مطلقًا بجريمة القتل بل السبب هو العنصرية المريضة، وبما أن المتأسلمين ينتظرون أي حدث لصبغة بلون الدين فالتقطوا حجابها ليعلنوا أن أوربا تعلن الحرب ليس فقط على الحجاب بل على الإسلام والمسلمين، ليوسعوا دائرة الحرب ليكون محيطها العالم كله، فالمتأسلمون كالنسور لا يقتاتون إلا بالجثث.
يجب تنزيل الأشياء في حجمها الطبيعي، ما حدث جريمة بكل المقاييس، والقاتل مجرم بكل المسميات، أما أن نسحب هذه الجريمة الفردية لتعميمها على كل أوربا ففي ذلك خطأ كبير، وإلا كيف نعيش نحن -كمسلمين بلغ عددنا في أوربا ما يقرب من 30 مليون مسلم- في أمن وآمان نمارس صلاتنا وصيامنا دون مضايقات من أي حكومة أوربية، على اعتبار أن الدين شيء شخصي لا يخص المجتمع بل يخص الفرد كما قال الأزهري المستنير وابن مصر البار سعد زغلول زعيم ثورة 1919 قولته المشهورة: "الدين لله والوطن للجميع"، وهذا ما تفعله أوربا.
نفرق بين الإسلام والتأسلم السياسي والإرهابي، أوربا ليست ضد أي دين بدليل انتشار المساجد في أنحاء القارة في كل مكان، ولكن أوربا ضد استخدام الدين في السياسة أو تسخير الدين لخدمة الإرهاب، فأتمنى أن يخرج علينا شخص واحد وحيد يقول لنا أن أوربا منعته من الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج، أتمني أن يخرج لنا شخص واحد وحيد يقول لنا أنه عذب أو سجن بسبب دينه الإسلامي.. أما أن نحاول إشعال حرب وهمية باسم الحجاب الذي هو ليس ركنًا من أركان الإسلام الخمسة فهي كذبة بحجم جبل أحد لاستخدام الدين لأغراض سياسوية وإسلاموية قذرة.
الحجاب عادة عربية كانت موجودة قبل الإسلام، فهو عادة وليس عبادة، وفندت وفند زملائي وأساتذتي كالمستشار محمد سعيد العشماوي بالأدلة العقلية والنقلية أن الحجاب ليس من الإسلام في شيء، وقد قطع الشك باليقين الشيخ المجتهد المستنير صديقي جمال البنا الأخ الشقيق لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حينما قال: "لقد فرض الفقهاء الحجاب على الإسلام، ولم يفرض الإسلام الحجاب على المرأة". فهذه الحرب الوهمية موجودة في رؤوس المتأسلمين فقط، ولا يريدون إخماد نارها حتى يتمكنون من خلالها من نشر ثقافة الكراهية، والدليل على أنهم يعتبرونها حربًا، أنهم أطلقوا على مروة الشربيني لقب "شهيدة" بمفهومهم المنحرف للشهادة، بمعنى أنها وقعت قتيلة في حرب الحجاب، ولم يقولوا أنها قُتلت على يد مريض نازي تمامًا مثل الإرهابيين المتأسلمين الذين يذبحون السياح الغربيين واليابانيين والألمان في مصر أو في اليمن، بل لا يتورعون حتى عن ذبح اخوتهم في الله والوطن الأقباط بما يثيرونه من أحداث الفتن الطائفة، فهل يجب اعتبار كل المصريين أو اليمنيين إرهابيين لوجود قلة قليلة متأسلمة منهم تحب إراقة الدماء، أم أن هذه القلة هي الإستثناء؟؟!!، ولماذا لم يحتج المتأسلمون على موت الفتاة الفرنسية التي نسفتها قنبلة متأسلمة وهي جالسة على كرسي في حديقة قرب مسجد الحسين؟ أم أن دمها حلال ودماء المسلمين حرام؟.
أوربا ليست ضد الإسلام كدين، أوربا ضد تطرف الجماعات الإسلامية التي تريد فرض مظاهر الإسلام على المجتمع الأوربي العلماني الذي فصل بين الدين والدولة منذ قرون، أوربا تمنع أي شيء يفرض بالقوة لأن فيه إلغاء لآدمية الإنسان، فنحن نعرف على سبيل المثال أن الحب بين الراشدين الراضين غير محرم في أوربا، ولكن أوربا تعتبر الاغتصاب جريمة وتعاقب عليه بأشد العقوبات دون رحمة، أوربا تحترم الحرية الفردية، وأن هذه الحرية لها أيضًا شروط وقيود يجب الالتزام بها وإلا تحولت إلى فوضى، فحتى الآن نحن لا نفرق بين الحرية والفوضى، فالحرية ليست انطلاقًا من كل قيد، بل هي حرية محدودة باحترام حرية الإنسان الآخر، كما يقول المثل الإنجليزي "أنت حر ما لم يصل أصبعك إلى أنفي...".
وسؤالي الأخير الذي أوجهه للمتأسلمين الذين جعلوا من مقتل مروة الشربيني قميص عثمان والتفوا حوله ورفعوا لافتات "شهيدة الحجاب": هل لو كانت مروة –رحمها الله- سافرة وغير محجبة، هل كانت سترفع هذه اللافتات؟ وهل كانت ستسمى "شهيدة" أيضًا ويطلق اسمها على أحد شوارع الإسكندرية؟ متساوية في ذلك مع خالد ابن الوليد وعمرو بن العاص ومصطفى كامل وسعد زغلول وجمال عبد الناصر والسادات.. لا عن دور بطولي قومي قدمته لمصر أو للإسلام، بل لأنها ارتدت الحجاب وقُتلت على يد نازي متطرف؟
لماذا لا نعترف بالإنسان كقيمه في حد ذاته، فمروة الشربيني شهيدة كالغريق أو كالذي مات محروقًا... سواء كانت بالحجاب أو بدون حجاب... فهي إنسانة قبل أن تكون محجبة.. رحم الله الفقيدة مروة الشربيني، وأسكنها فسيح جناته.
إن أنسى لا أنسى أن راشد الغنوشي الذي شن في صفحة "بريد القدس العربي" التي يحرر 99 في المائة من رسائلها على الأقل، حملة على مصر ورئيس مصر بسبب اغتيال مروة الشربيني، كما لو كان سفير مصر في ألمانيا هو الذي قتلها!!.
إنني أطالب صديقه عبد الباري عطوان بأن يطلب من هذا الإرهابي الذي حاول قتل الرئيس التونسي بن علي 11 مرة أن يرفع يده عن مصر التي يكرهها من كل عروق قلبه، لأنه لم ينجح مع الترابي في قتل رئيسها في أديس أبابا لحكمها ونشر الفكر المتأسلم الإرهابي في كل مكان، فالمتأسلمين "عاوزين جنازة ويشبعوا فيها لطم" كما يقول المثل المصري، ليخربوا البلاد ويرهبوا العباد، ويجعلوا الإسلام في أسفل سافلين، كما تفعل إيران اليوم.
عزاءً وتحية وقبلة على جبين د.على الشربيني "والد الفقيدة الشهيدة مروة الشربيني" لتفطنه لخبث المتأسلمين ومكرهم السيء الذي لا يحيق إلا بأهله، فندد بكل قوة باستعمالهم لإستشهاد فلذة كبده لمآرب سياسوية خبيثة يأباها الإسلام الذي لوثوه في مشارق الأرض ومغاربها بتهمة الإرهاب وكراهية المرأة والعقل وغير المسلم والغرب والحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان... فعزاءً ثم عزاءً، وشكرًا ثم شكرًا يا نعم الأب لنعم الشهيدة.
Ashraf3@wanadoo.fr |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|