CET 00:00:00 - 26/07/2009

مساحة رأي

بقلم: مجدي ملاك
تقرير التنيمة البشرية العربية الأخير يعبر عن كارثة حقيقية يمر بها العالم العربي، ويشير التقرير في مجمله أن العالم العربي يغرق ثم يغرق ثم يغرق، فالنتائج التي أشار إليها التقرير هي نتائج ربما لم تكن جديدة وبالطبع قد قرأنها من قبل، وهذه هي الكارثة الحقيقة أن كل عام يخرج تقرير التنمية البشرية العربية بنفس النتائج بل على العكس في كثير من الأحيان نجد أن النتائج ساءت عن السنة التي قبلها، وهذه هي النقاط التي تجعلنا نشعر بالقلق من مصير مصر باعتبارها واحد من تلك الدول التي شملها التقرير، فحينما يكون هناك 65 مليون مواطن في الدول العربية يقبعون تحت الفقر، وحينما تكون هناك 8 دول تبيح صلاحيات واسعة للتعذيب والاحتجاز غير القانوني، وحينما يذكر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يعانون قصور التغذية في المنطقة ازداد من حوالي ١٩.٨ مليون في فترة ١٩٩٠-١٩٩٢ إلى ٢٥.٥ مليون في فترة ٢٠٠٢-٢٠٠٤، فكل هذه الإحصائيات والبيانات تشير أن الدول العربية كان من الأفضل أن تعيش دون نظم سياسية ودون حكام، لأنه بكل المقاييس لن يكون الحال أسوأ مما هو عليه الحال الآن، وحينما يذكر التقرير أن 41% من المواطنين في مصر تحت خط الفقر يتبادر إلى الذهن أين الدولة وأين الحكومة وأين الأحزاب؟
لذا وجب أن نسأل أنفسنا هل هناك حكومة ونظام في مصر؟، والإجابة للوهلة الأولى ربما تكون نعم، ولكن بعد قراءة كل تلك الإحصائيات فلا يوجد أدنى شك أن مصر بلا حكومة وبلا نظام وبلا مؤسسات، فهناك احتمالين في تلك الحالة، إما أن تكون هناك مؤسسات وتلك المؤسسات غير قادرة على مواجهة مشكلات المجتمع وحلها، أو أن تلك المؤسسات تعمل بمعزل حقيقي عن مشكلات المجتمع ومن ثم فهي مؤسسات لا تصلح أن تخدم المواطن بأي شكل من الأشكال، والنقطة الأخرى الأهم في هذا التحليل أن هناك احتمال كبير أن تكون المؤسسات غير راغبة في معالجة تلك المشكلات وأن وظيفتها الرئيسية ربما تنحصر في أمور سياسية وإدارية بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية للمجتمع.
والدليل على ذلك على سبيل المثال أن الحكومة غير قادرة على السيطرة على الاحتقان الطائفي، والمواطنين في القليوبية وصل لهم مرض التيفود نتيجة اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، كما أن القرى المصرية في أسوأ حالاتها وغير قادرة على التعايش في واقع أصبح طارد لأي إنسان، وأن الدولة غير قادرة على السيطرة على معدلات الهجرة غير الشرعية التى تزداد يومًا بعد يوم، التظاهرات والاعتصامات في كل مكان، ولا أعتقد أن تلك الاعتصامات ترتبط بمساحة الديمقراطية كما يريد أن يروج البعض ولكنها في الحقيقة مرتبطة بانتهاء قدرة المواطن على تحمل ما يتعرض له من ظلم وتنكيل.
وإذا كان المواطن محروم من الخدمات الأساسية المتمثلة في التعليم والصحة ومياة الشرب، فهناك خدمات لا تعتبرها الحكومة المصرية حق من الأساس وهي حق المواطن في معاملة إنسانية في أي مكان يخص مؤسسات الدولة، فالتعذيب الذي رصده التقرير والذي خص به ثمانية دول لم يذكر اسمها وهو عيب كبير في التقرير، فالمفترض في تلك التقارير أن تتمتع بشفافية عالية في رصد الواقع العربي بعيدًا عن مجاملات بعض الدول على حساب الحقائق التي يستطيع الكثير رصدها دون الحاجة إلى تقرير وأبحاث من علماء العالم العربي الذين اشتركوا في إعداد ذلك التقرير، وهذا ليس تقليل منهم ولكن الواقع العربي يجعل رجل الشارع يعبر عن تلك الانتهاكات بشكل أكثر تبسيطًا.
هذا فضلاً عن التمييز الديني الذي يمارس بقوة داخل الدول العربية، والذي لم يرصده التقرير في النسخة التي وصلت لي وربما تكون هناك نسخ تتحدث عن هذا الموضوع ولكن لم أقرأها حتى هذه اللحظة، ولكن في المجمل يمكن القول أن العالم العربي يغرق بقوة نحو الأسفل ولم تعد الأموال التي تتمتع بها دول الخليج هي الحل لتنمية المنطقة العربية، فالأموال دون أن تستخدم في الإنتاج والتنمية لن تجعل من شعوب المنطقة شعوب متحضرة، فالحضارة ليست بكثرة الأموال ولكن بكثرة ما يحويه الإنسان من مفايهم وثقافة يمكن أن تعيش فيها ليمارسها داخل المجتمع، بالإضافة إلى ضرورة استخدام الثروات الطائلة في الإنتاج، لأن التجارة التي تعتمد عليها الدول العربية لن تأتي بالتقدم إلى تلك الشعوب بل على العكس ستزيد من المشاكل الإقتصادية في تلك المجتمعات، فبدون وجود عجلة للإنتاج داخل تلك الدول سيظل الحال على ما هو عليه وعلى الجميع أن ينتظر الأسوأ من هذا في المرحلة المقبلة.
 
الجمود الذي يعيش فيه العالم العربي والذي رصده التقرير الأخير للتنمية البشرية يعبر بما لا يدع مجال للشك أنه لا توجد إرادة لدى معظم الحكام العرب في الإصلاح والتطور الحقيقي الذي ينعكس بالإيجاب على شعوب تلك المنطقة، ومن ثم فالحديث عن مصر في هذا الإطار هو حديث يمتلئ بالشجون لما وصلت إليه البلاد التي خرجت جميع الأمور فيها عن نطاق السيطرة، ففي استطلاع نشرته إحدى الصحف عن مستوى رضاء المواطن المصري عن ما يقدم له من خلال حكومته، أدى ما يقرب من 91% ممن شاركوا في الاستطلاع عن عدم رضائهم عن ما تقدمه الدولة، بالإضافة إلى فقدانهم الثقة في النظام السياسي برمته، وهو أمر ربما يشعر به الجميع أو من يركبون مواصلات عامه حيث الاستماع لحديث الشجن والتذمر لما وصلت إليه البلاد من حالة تدهور، والأغرب أنه من خلال ما أسمعه في لحياة اليومية، فإن معظم المواطنين لا يشعرون بوجود أمل في الاصلاح على الاقل في الزمن القريب، وهو ما يعني أن الدولة المصرية جعلت من شعبها، شعب بدون أمل.

النقطة الأخيرة فيما يتعلق بتقرير التنمية البشرية أن توصياته ربما تقتصر فقط على الرصد، وأعتقد أن تلك التقارير يجب أن ترسل لجميع المثقفين والسياسيين داخل وخارج مصر من أجل إعداد وثيقة يوقع عليها كل المهتمين بتلك البلد من أجل الضغط على النظام السياسي، إما أن يحقق نتائج ايجابية وحتى قبل صدور التقرير الذي يليه أو يتم الاعتصام في كل انحاء البلاد، فتلك التقارير تعبر عن كارثة حقيقية وسكوت المثقفين واقتصارهم على التعليق على التقرير سواء بالاستحسان أو الاستنكار هو أمر اعتقد لا يفيد، وأنه يجب أن تستخدم تلك التقارير من أجل وضع النظام أمام مسئوليته الحقيقية، التي هي أيضًا مسئولية المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي، وإذا لم تكن مسئولية هؤلاء فمن سيتولى هذه المسئولية إذًا.
الأزمة الكبرى التي يجب أن نلتفت إليها أن هناك حركات اجتماعية على مدار التاريخ استطاعت أن تغير من أوضاع بلدانها بالضغط المباشر على النظم السياسية، وإن لم نسعَ أن نتحرك ضمن عجلة التاريخ فسنكتب نهاية تاريخنا بأيدينا وسنخرج من التاريخ بإراداتنا هذا إن لم نكن قد خرجنا بالفعل.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق