CET 08:14:40 - 27/07/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل شرف الدين
خلال مناقشة ساخنة شاركت فيها عبر برنامج (بالمصري الفصيح) الذي تبثه فضائية (On tv) أحسست بحجم الكارثة المحدقة بمصر، إذ طرح البرنامج سؤالاً عما إذا كان ما أقدمت عليه صحيفة "المصريون" هو سلوك مهني؟، أم أنها اقترفت جرائم التحريض والقذف حين استنطقت بطريقة انتقائية دار الإفتاء، لتحصل على فتوى بتكفير سيد القمني، الذي بات يواجه منذ حصوله على جائزة الدولة التقديرية حملة بالغة الشراسة من كافة التيارات المتأسلمة على تنوع مشاربها، حتى أن خطباء الجمعة بالمساجد تعرضوا له بضراوة، خاصة في مدن وقرى مسقط رأسه بمحافظة بني سويف، مما يجعل حياة الرجل مهددة بجدية.
كل من اقترب من دوائر الإسلام السياسي، يعرف جيداً أن قادتها يقتتلون فيما بينهم بكل الأسلحة المباحة والمحظورة، لكنهم في مثل "معركة القمني" تراهم مجتمعين على قلب رجل واحد، بل ويوزعون الأدوار بينهم، فهذا للملاحقات القضائية، وذاك للتشهير والتحريض، وثالث للتكفير، ورابع للردح، و آخر للتمويل، وليس مستبعداً أن يدفعوا بصبي متهور للتصفية الجسدية، كما حدث من قبل لفرج فوده وغيره.

تُلح على عقلي مئات التساؤلات: هل كان ينبغي أن تستطلع وزارة الثقافة، رأي دار الإفتاء وجبهة علماء الأزهر، وبالمرة جماعة الإخوان وربما تنظيم القاعدة، قبل أن تقرر منح جوائز الدولة لهذا العالم أو ذاك.

وهل يصّح مهنياً، أن يجتزئ صحفي جملاً من سياقها ليعرضها على المفتي لانتزاع فتوى بتكفير مخالفيه، وهل يليق بامرئ يحمل قلماً أن تكون الملاحقات القضائية لعبته المفضلة، بينما بوسعه أن يرد عبر أكثر من منبر، وهل ينبغي أن يكون الإعلامي الحقيقي ضد حرية التعبير، لكننا "عشنا وشفنا" كيف ينصب بعض الصحفيين أنفسهم أوصياء على معتقدات خصومهم الفكريين، بل ويصل الأمر لحد التحريض على قتلهم.

دعونا نعترف دون مكابرة بأن مصر الآن مريضة على نحو ما، وأن المناخ الثقافي والسياسي يمر بلحظة فرز حادة، ومنعطف بين تيار يريد أن يأخذها لكهوف الماضي، وفريق آخر يسعى لحملها على أجنحة المستقبل لتلحق بقاطرة الحضارة، وتتبوأ المنزلة التي تستحقها بين الأمم.
لكن رغم كل هذه العتمة أرى أن تشنج هؤلاء المأزومين والعصابيين أمر منطقي، ففي الحالات التي يتمكن فيها المرض من الجسد تضعف مناعته، وبالتالي تنشط الميكروبات الانتهازية، لتظهر في صورة دمامل قبيحة، وهذه في حد ذاتها ليست أكثر من أعراض لمرض كامن، وعلاجه ليس بالتصدي للدمامل فقط، بل للميكروب الخبيث الذي يسكن أحشاء الوطن، هذا المرض باختصار اسمه "الهوس الديني" وليس التدين.

في طريقي لزيارته بالمستشفى التي احتجز بها إثر جلطة دماغية باغتته نتيجة هذه الضغوط الهائلة، تلقيت عشرات المكالمات من أصدقاء وأقارب ليسو معنيين كثيراً بالشأن العام، لكنهم ينصحونني بدافع الشفقة من موقفي الذي ينتصر لحق القمني في التعبير، ويعري خسة هؤلاء الذين يحرضون عليه الدهماء، لكن لا حياة لمن تنادي، فكثير من العوام يظنون القمني "كافراً"، وهنا أشهد بحكم اقترابي من الرجل، بأن هذا زعم باطل، فهو مسلم موحد ومن أصلاب مسلمين، وإن كان يجتهد بأدوات معرفية لا يستوعبها هؤلاء القابعون في كهوف التاريخ، فهذه ليست مشكلته، بل مشكلتهم.
أين نذهب يا إلهي من أذى هذه العقارب التي تمرح في عقولنا؟ وهل ينبغي أن نمتثل لهذا المارد الشرير الذي يستقوي على المبدعين بسيف الدين تارة، وعصا المحتسب تارة أخرى، وسوط الرقيب تارات.

ولأننا لا نعرف لنا وطناً آخر يسكننا ونسكنه سوى مصر، ولأننا أيضاً لا ننوي التوقيع على صك تنازل عن مستقبل أبنائنا لباعة الهوس الديني، يبقى رهاننا الأكبر على صلابة مصر لتنهض من عثرتها الحالية، فقد ظلت عبر تاريخها الممتد قادرة على تصحيح مسارها، وإعادة ترتيب أوراقها، فتدرك ـ ولو بعد حين ـ حقيقة محبيها، من هؤلاء المتنطعين الذين يتاجرون بعقول أبنائها ومستقبلهم.
أما المختصر المفيد، فلا تتركوا القمني وحيداً في معركة أكبر منه، ومن أي شخص بمفرده، لأنها مسألة تتعلق بمستقبل مصر ومكانتها، وعلينا أن ندافع عن وطن جميل كالبستان يتسع لكافة الزهور، وليست الخرائب والمستنقعات، التي لا تنمو فيها سوى الأشواك، ولا تسكنها إلا القوارض والزواحف.
والله المستعان
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١١ صوت عدد التعليقات: ١٦ تعليق