بقلم: مجدى نجيب وهبة
لقد تعودنا مع الصحفي الكبير "أ. وائل الإبراشي" الذي تخرج من مدرسة المواطنة بمؤسسة روزاليوسف العريقة بمقالاته الرائعة وومواقفه المشرفة في محاربة التطرف والإرهاب، ولم يعبأ بتهديداتهم بالملاحقة في كل مكان.. سافر ورائهم إلى عاصمة الضباب، حاورهم لكشف زيفهم مما جعلهم يقوموا بتهديده بإقامة الدعاوى لجرجرته في المحاكم... من بعض سطوره في محاربة الجهل والتطرف قال: "إن الذي يشعل الفتنة الطائفية هو الإخفاء والتجاهل والتعتيم والإنكار وإدعاء عدم وجود الأشياء"، وقال: "لقد قدر لى أن أهتم بهذا الملف في إطار منهجي الذي سرت عليه، وهو أن كل القضايا قابلة للمناقشة... المهم أن نناقش بموضوعية، أن نناقش إستنادًا إلى المواطنة وليس على أساس طائفي، وأن الشفافية والمصارحة والوضوح هي طوق النجاة".
هذا ما قاله الإبراشي وما أقر به على صفحات مجلة روزاليوسف وصدر صفحات جريدة صوت الأمة، ولكن ما يحدث على الفضائيات في برنامج الإبراشي "الحقيقة" ربما يجعلنا نتساءل هل ما يحدث عن قصد أم بدون؟... ربما يكون عن عدم قصد وإذا كان كذلك فهل يجوز أن يتحول البرنامج إلى إثارة بعض الآراء أو الإنتقادات لتحويلها لملف طائفي؟، وذلك من خلال اختيار الضيوف الذين غالبًا ما يكون توجهاتهم متطرفة أو من كوادر الإخوان، وهم يجيدون صناعة الحوارات بل يجيدون فن عرض أفكارهم، ثم يرتدون لباس الحملان والودعاء لتوجيه الإتهامات لبعض الأقباط بالطائفية وإثارة الفتنة، ثم في النهاية يجيدون فن توصيل الرسالة التى يرغبون في توصيلها طبقًا لأجندة فكرية قد تخدم بعض مصالح الآخرين وتساعد على حرق الوطن، ففي أحد حلقات برنامج "الحقيقة" والمذاع علي القناة الفضائية دريم 2 يوم 27 يونيو 2009 مساء السبت تناول البرنامج ظاهرة سجود لاعبي المنتخب الوطني لله شكرًا عقب إحرازهم الهدف في مرمى إيطاليا، واستضاف الإبراشي "أ. موريس صادق" المحامي المهاجر إلى أمريكا منذ أكثر من عشر سنوات والمتهم دائمًا بالطائفية، وكان الإتصال على الهواء مباشرة، وكانت أسئلة الإبراشي تحمل اتهامات واضحة وصريحة للأستاذ موريس صادق بالطائفية والعنصرية ضد الإسلام وضد اللاعبين وهم يؤدون صلاة الشكر في الملعب عقب إحراز هدف في مرمى الفريق الإيطالي، وتناسى الإبراشي أنه أثناء مباريات الدوري العام المصري تتم نفس طريقة الشكر وهي السجود لله عقب إحراز هدف في مرمى الخصم ولم نسمع عن أحد إعترض، وقد كان تعقيب أ. موريس صادق هو الخوف من أن تتحول هذه الظاهرة إلى أسلمة الكرة المصرية، وبالتالى سوف نبتعد عن فكرة التدريب وإلغاء فكرة الإستعانة بالخبراء في فن الكورة للإرتقاء باللعبة التى تعتبر محبوبة الجماهير ونبدأ بالإستعانة بالشيوخ وأصحاب الفتاوى لاستحلال دم الخصوم والإنتصار عليهم حتى ترفع راية الإسلام، وهو للأسف الفكر المتغلغل الذي بدأ يزحف بكل قوة وثبات للسيطرة على عقول المواطنين... رغم أنه ليس هناك مجرد إعتراض أو حتى مجرد مناقشة للموضوع من أساسه.
ولكن المشكلة أن تستغل كل واقعة لتتحول إلى قصص تتناولها فضائيات الإثارة وصحف الإبتذال، ومن ثم يتحول انتصار اللاعبين إلى انتصار للمسلمين ضد الكفرة وتتحول كرة القدم معشوقة الجماهير إلى حلبة صراع بين الأديان والطوائف.
ودليل تخوفنا ما قرأناه في جريدة المصري اليوم في العدد الصادر 28 يونيو 2009 حيث صرح د. نصر فريد واصل "مفتي الجمهورية الأسبق": "هزيمة منتخبنا أمام أمريكا أضاعت فرصة الفوز المعنوي للأمة الإسلامية" وهو مانشيت بالبنط الكبير في الصفحة الثالثة، أما مضمون التعليق فيقول: "هبوط المستوى وسوء تغيير اللاعبين وضعف الهجوم كانت أهم أسباب خسارة المنتخب المصري لكرة القدم أمام المنتخب الأمريكي في بطولة القارات التي تُقام في جنوب أفريقيا"، وقال: "رُب ضارة نافعة ليأخذ لاعبونا بأسباب النصر في المباريات المتبقية لتصفيات كأس العالم ونكون ضمن المنتخبات التي تشارك في المونديال"، وأضاف: "الفوز على أمريكا في كرة القدم لو قدره الله لنا كان سيعطي مردودًا معنويًا ليس على المصريين فقط بل على جميع أفراد الأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض". لاحظوا كلمة النصر في المباريات وهو لفظ لا يصدر إلا فى المعارك الحربية وليست مباراة كرة قدم.
لقد تناسى السيد مفتي الجمهورية السابق أن الفريق القومي منيّ بهزيمة قاسية من الفريق الجزائري وهو ما جعل القاهرة وقد باتت حزينة مهمومة ولم يفرق الحزن بين المسلم والمسيحي، ولم يقل لنا المفتي ما رأي الأمة الإسلامية في هزيمة المنتخب من الفريق الجزائري، لقد بات البعض منا يجيد اللعب على الأحداث لتحويلها إلى ملف طائفى..
هل تذكرون لاعب الكرة الخلوق محمد أبو تريكة لاعب الأهلي وأحد دعائم الفريق القومي، فقد صرح عقب الفوز بكأس الأمم الأفريقية أن فوزنا على كوت ديفوار إنتصارًا كبيرًا أشبه بغزوة بدر باعتباره نصر إلهي، وهو ما يعني أن الفوز ليس قرين التدريب والتخطيط والمهارة بل سيأتي كل هذا لاحقًا على الإيمان والصلاة.
وماذا سيكون الوضع والحال حين لا قدر الله نخسر؟، هل هذا يعني أن إيماننا ضعيف؟ وماذا سيكون شعور المسلمين في ذلك البلد الذي خسر المباراة؟ ثم ماذا سنقول لشعب السودان الذي فزنا عليهم؟ وماذا نقول عن الفريق المصري الذي مني بهزيمة موجعة 0/5 من السعودية؟!!!. ثم لماذا ظهرت تلك الممارسات التى توصف بأنها تعبر عن الإيمان؟ وهل كان اللاعبون المسلمون قبل هذا الوقت غير مؤمنين! وهل اللاعب الذي لا يركع سجودًا في الملعب غير مؤمن؟! وماذا سيحدث لو أن عدد من اللاعبين المسيحيين في فريق مصري قرروا التثليث علانية؟! ماذا تتوقع أن يكون رد فعل الجماهير المتعصبة لفريقها؟ وهو ما جعل بعض المتطرفين يستغلون الصراع بين حماس وإسرائيل لأسلمة القضية الفلسطينية وذلك فى محاولة لتفريق أبناء الأمة، وتناست هذه الأبواق المتطرفة أن جميع الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل وقف المسيحي بجوار المسلم في خندق واحد لمحاربة العدو الصهيوني، بل لم نسمع كلمة مسيحي أو مسلم إلا في هذه الأيام الكاحلة التي استطاع الإرهاب أن يتوغل داخل جسد الوطن، لم تكن المعارك بيننا وبين العدو الصهيوني ليس لها سوى معنى واحد هو الإعتداء على مصر وتصدي لهذه الإعتداءات والحماقات المواطن المصري، فهل ندرك أن هناك من يجيدون التلاعب بالمجتمع والمواطنة بعضهم يسعون إلى عمل شو إعلامي وملئ الفراغات التي يعانون منها حتى ولو على حساب جسد الوطن.
وفي برنامج آخر اسمه 48 ساعة ويبث على قناة المحور، ففي مساء الجمعة 10 يوليو 2009 قام الإعلامي أ. سيد علي والأستاذة هناء سمري باستضافة الأستاذ صلاح عيسى وأحد شيوخ جامعة الأزهر، ودار الحوار حول حصول المفكر الكبير سيد القمني على جائزة الدولة التقديرية للأدب والعلوم الإجتماعية، وقد هاجم الشيخ الدكتور سيد القمني وأعلن من المنبر الإعلامي تكفيره للكاتب وهو ما يعني إهدار دمه مثل ما حدث مع المرحوم فرج فودة، والذي أثار حفيظة الأستاذ صلاح عيسى ووجه إنتقادات لاذعة للشيخ الذي وصفه على حد قوله بالتطرف والتحريض على إصدار الفتاوى دون أي وجه حق، فهو لم يكن سوى أحد أعضاء جمعية منحلة تتبع جامعة الأزهر وأعيد إشهارها لمساعدة خريج جامعة الأزهر، ثم كان الإتصال مع أ. سيد القمني والذي تساءل مع فضيلة الشيخ وقال له هل قرأت ما كتبت حتى تقوم بتكفيري؟ ثم أعلن أمام الجميع أنه يتقدم ببلاغ للنائب العام من خلال هذا البرنامج يتهم فيه الشيخ وآخرون بتكفيره وإهدار دمه، وتساءل الأستاذ صلاح عيسى ما هو دور القنوات الفضائية؟ وهل يمكن مناقشة قضايا عقائدية بهذا الأسلوب التحريضي ضد الآخر؟ وأثناء البرنامج ناشد السادة المسئولين بوقف هذه البرامج فورًا واتهمها بإثارة الفتنة الطائفية ضد المواطنين والبعض الآخر، فما كان من الأستاذ سيد علي والأستاذة هناء سمري نكاية في الأستاذ صلاح عيسى أن قام باستضافة أحد كوادر الإخوان تحت قبة البرلمان على الهواء مباشرة "دكتور حمدي حسن" والمعروف مسبقًا بأفكاره ضد دكتور سيد القمني ثم استضاف محامي وكاتب بنفس المنهاج والأفكار والذي قام بتوجيه عبارات سب وقذف قاسية وعنيفة ضد دكتور سيد القمني تحمل معاني بالتهديد، وهو ما أزعج الأستاذ صلاح عيسى وطالب بوقف هذه البرامج فورًا، وتساءل لمصلحة من تعمل هذه القنوات؟ ثم يختتم مقدم البرنامج حواره باستضافة الشيخ يوسف البدري على الهواء مباشرة ليعلن الأخير أنه أمامه ورقتان من مائة ورقة وهي الدعوى التى سيحركها ضد دكتور سيد القمني، مضيفًا إلى الدعوى تهديداته المعهودة للدكتور سيد القمني للإطاحة به، ولا يخفى على المشاهد الإبتسامة التي يتحلى بها مقدم البرنامج وتعبيرات وجهه التي تسوقه دفة الحوار إلى الأجندة التي تحركه وتحرك البرنامج لحسابها وإصراره على إستضافة كوادر الإخوان.
لقد تناست هذه القنوات أنها تقوم بحرق الوطن، فلمصلحة من تعمل هذه القنوات الفضائية؟ لمصلحة من تقوم على تضليل الرأي العام وتقوم بالإحتيال المدبر ضد شعب مصر بالترويج للفكر الظلامي تحت ستار حرية التعبير وحرية الإعلام؟ وإذا كانت هذه القنوات تزعم العمل تحت هذا الشعار فهل تعلم أن حرية التعبير وحرية الإعلام نابعة من الدستور المصرى وبالتالى لا ينبغي لهذه القنوات الإعلامية أن تقوم بأي فعل ضد الدستور؟.
إن سلطة الإعلام لا بد لها أن تنتبه إلى ما تقوم به هذه القنوات الخليجية بما تقدم من برامج وهي تفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب.. إن سلطة الإعلام لا بد لها من القيام بجهد سياسي وإعلامي موسع لكشف زيف هذه القنوات وأهدافها والمردد لكل ما يناقض المصالح المصرية وما يخالف مبادئ الدستور، ونتساءل لماذا لا تتناولوا قضية حزب الله والذي بلغ عدد المقبوض عليهم 26 مصريًا وفلسطينيًا حيث يعتنق أعضاؤه فكر التكفير والجهاد وتجاهلتم أمن وسلامة الوطن.. على جميع فضائيات حرق الوطن والإثارة والفوضى أن تعلم أن مصر حضارة السبعة آلاف عام.. البشر.. التاريخ.. الأرض.. الثقافة.. الحضارة.. اللغة.. الدولة العريقة.. النظام الديمقراطى.. التراث.. الأثار.. الفن.. الريادة.. على الجميع أن يعلم أن مصر ستظل دائمًا وطنًا لجميع الشعوب المحبة والمتسامحة تفتح ذراعيها وقلبها لكل من يلجأ إليها..
تحية من قلوب مليئة بالحب والتقدير للإعلامي الرائع الأستاذ معتز الدمرداش وبرنامجه الرائع 90 دقيقة، فهو يفتح كل الملفات دون تحيز على الهواء مباشرة، رافضًا التطرف والإرهاب وما يسمى بالإحتقان الديني باحثًا عن الحقيقة دائمًا، فما أحوجنا لمثل هؤلاء..
حفظك الله يا مصر من تلك السموم وتلك الأفاعي لنكون شعبًا واحدًا تحت ظل شعار واحد لا إختلاف عليه بل نطالب به... "الدين لله والوطن للجميع"
|
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|