بقلم: ماريان جرجس
كان هذا يومها المعهود الذي رتّبت أحداثه ونمقتها وانتظرته بكل صبر وكأنه يوم كان القدر فيه صامتًا أمامها.. فهي التي ستكتب أحداثه في سرية تامة تعلن عن ذاتها في الوقت الموعود!
هي مارسيل كامل خريجة كلية الهندسة والشاعرة الرومانسية التي أحب الناس أشعارها العذبة منذ أيام صباها... هي شابة جميلة مصرية الملامح والطباع عظمية الوجنتين خمرية اللون خضراء العينين..التي تعمل بشركة للبناء الهندسي..
وقد جاءت الأجازة الصيفية وبدأت المؤتمرات والرحلات، وقد اتصل بها أبيها -أب اعترافها- الذي لم يراها منذ قترة كبيرة وطلب منها أن تكون مشرفة لرحلة أطفال إبتدائي إلى مريوط لأن هناك عجزًا في أعداد الخدام، وقد بدى من صوت مارسيل التلجلج في الرد ولكن سرعان ما وافقت وكأن هناك فكرة استحوذت على عقلها وعدلت عن الرفض الذي كاد أن يُعلن..!!
وبالفعل جاءت يوم الرحلة بحقيبتها إلى الكنيسة.. ومن على بابها التقت بالأولاد التي عرّفها أبونا عليهم وشكرها على تلبية النداء وباركهم، وانطلق اتوبيس الرحلة وبداخله مارسيل التي ظلت مقلتيها تمحق في الكنيسة وقتًا طويلاً إلى أن اختفت من مجال رؤيتها، وجرى بهم الطريق إلى المنتصف وجاءوا إلى كافيتريا للاستراحة قليلاً ثم الاستكمال، ونزل الأولاد في مجموعات مع الخدام ولكن بقى مع مارسيل طفل واحد يدعى فادي, وذلك لأن كل الأولاد لم يألفوا مارسيل فهي أول مرة يلتقوا بها.. أما عن فادي فكان الوضع مختلفًا فلقد كانت الألفة وفيرة بينهما ورفض أن يتركها طول الطريق وحتى في الكافتريا، أما عن مارسيل فقد بدى عليها أنها أحبت فادي ولكن الغريب أنها احتفظت بشنطتها معها ولم تتركها قط..
وفجأة وبعد ما انتهت من الشاي وبقى فادي يشرب العصير قامت والاضطراب يخنقها وأخذت الشنطة وقالت لفادي:- عزيزي فادي أنا ساذهب إلى الحمام وإذا تاخرت اذهب مع أصحابك إلى الأتوبيس وأنا سالحقك... فقال فادي:- لا لا سوف انتظرك!!!
ودّعته بنظرة لا تستطيع الارتفاع عن الأرض وذهبت ولكن ليس -كما قالت لفادي- بل ذهبت إلى طريق آخر يبدو عليه أنه طريق مهجور، صحر، قفر، ربما؟! ومشت واتصلت بشخص ما واتقفا على المقابلة بعد ساعة واحدة، وجلست مارسيل تنتظره في هدوء حزين وقالت في الخلاء بصوت عال ناظرة إلى فوق:- أعلم أنك تراني ولكني أحببته ولا أستطيع أن أتركه.. وقد عرض عليّ الزواج ولن أرفضه.. فأنا أحبه ولكن هو يصمم على أن أتجرد من كينونتي وعقيدتي.. وأنا لم أعرف الحب إلا معه!
وقد قطع صوتها المتهدج رجل عجوز مر بمكانها هذا التي استعجبت أن ترى ذلك الرجل فيه وهو مكان منفصل عن الحياة, فقال لها:- سلام لك يا ابنه... قالت:- سلام لك.. من أنت؟؟
قال: لا تخشي.. فأنا قد ضليت الطريق أرجوكِ ساعديني.. قالت مارسيل: من الغريب أن تضل الطريق فالعلامات واضحة!! قال لها: لماذا غريب؟؟... قد يبدو عليكِ أنت أنك ضليتِ طريقك أيضًا!! وذلك ما أجلسك هنا في الشمس الحارقة!
قالت:- لا لا.. أنا انتظر شخصًا!! قال:- من ذا الذي يجعلك تنتظرين في ذلك القفر؟ فأنت جميلة رقيقة تستحقين مراع خضراء لا صحراء.. تستحقين أن تتوجي ملكة لا جارية!
سمُرت مارسيل بعض الشيء وصرخت قائلة:- إلى أين تريدني أن أذهب بك؟؟ قال: اسنديني يا ابنتي إلى أول الطريق.
مسكت بيديه مارسيل لتساعده.. عند إذ اقشعر جسدها فكانت يديه تنزفان كلما لمسته وهو يتألم و صرخت قائلة:- ما هذا؟؟ ما هذا؟؟!
طمأنها الرجل العجوز بكل حنان ولمس شعرها ومسح دموعها قائلاً: ابنتي الحبيبة.. لا تخافي.. فهذا مكان دقة المسمار الذي تحملته لأني أحببتك من قبل أن أصورك وأخلقكك.. ولم يتحمل يدك لأن بها مائة مسمار فنزف.. لا تنتظري أي شخص مرة أخرى في ذلك المكان فهو لن يأتِ وستنتظريه الكثير.. وأنا اخشى عليك من الحر والصحراء وذئاب الصحراء.. اذهبي وافرحي.. وألبسها سلسلتها الصليب التي القتها بين الرمال وما برحت أن أغلقت عينيها وفتحتهما فلم تجده.. ففي الحال بكت بكاءًا مرًا بصوت هز رمال الصحراء ولكن ذلك البكاء شفاها من أمراض كادت أن تقتلها، ورجعت وهي تجري إلى الكافيتريا حيث تركت فادي.. ويا للمفاجأة!!!
فلقد مرت أكثر من 3 ساعات ولكن فادي ما زال هناك ولكن الأتوبيس ذهب وقد وضع رأسه الصغيرة على المنضدة ونعس فايقظته.. فقال:- ميس مارسيل هييييه أنا كنت متأكد انك جاية!.. احتضنته وقالت له:- هيا بنا نلحق بهم في أتوبيس آخر.. فقال هتحكيلي حكاية؟ قالت ضاحكة:- نعم.. قال: ما هي؟؟ قالت:- حكاية اسمها (ابنتى الحبيبة). |